المومني تكتب: تطور التعليم بالمئوية الثانية وصولاً إلى الأردن الحديث
بقلم الدكتورة رهام زهير المومني
ما زلنا وسنبقى نحتفل نحن الأردنيون ومؤسساتنا الوطنية بكل فخر وإعتزاز بالمئوية الأولى من عمر دولتنا الأردنية الغالية على قلوبنا جميعا، وفيها حقق وطننا العزيز بقيادة الهاشميين الفذه العديد من الإنجازات في المجالات التنموية والتعليمية والصحية والأمنية والشباب والمرأة وغيرها، كما حقق الحرية والإستقلال بالرغم من كل التحديات والصعوبات التي واجهته في ظل شح الموارد والحروب العالمية والإقليمية وخاصة القضية الفلسطينية، وأصبح أنموذجاً يحتذى به في الإقليم وعنصراً فعالاً في أمنه وإستقراره، وحضوره العالمي المؤثر ودوره في حل المشاكل الإقليمية بفضل قيادته الهاشمية الفعالة.
في المئوية الثانية سنبقى نحن الأردنيون من مختلف المنابت والأصول كما كنا على العهد، نجدد البيعة والولاء والإنتماء للهاشميين ما حَيَينا، وسنبقى شعبا واحداً يحمل هوية عربية إنسانية واحدة، مخلصين لقائد المسيرة ورؤيته الملكية، للمحافظة على أمن وإستقرار الوطن لتعزيز الثوابت الوطنية والعربية والإنسانية والثقافية التراكمية، ولتحقيق المزيد من إنجازات رؤى جلالة الملك للأردن وشعبه وللعرب وللقضية الفلسطينية.
وبهذه المناسبة القيّمة، لفت نظري إعلان لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتسمية فوج الخريجين للعام الجامعي الحالي باسم فوج خريجي مئوية الدولة الأردنية ووضع الشعار الرسمي المعتمد لهذه المناسبة على المصدقات الجامعية وعلى الجداريات لخريجي هذا الفوج إحتفالاً بمئوية الدولة الأردنية، (1921-2021) بالإضافة إلى تعميم من وزارة التربية والتعليم بوضع شعار المئوية أيضاً على جدران المدارس الداخلية والخارجية وبث الأغاني الوطنية عبر إذاعات المدارس، مع الإلتزام بتعليمات السلامة العامة والتباعد الإجتماعي.
كم هو جميل ومُهم أن تتبنى الوزارات مستقبل الأجيال وتعزز فيهم قيم المواطنة الصالحة التي تقوم على تطوير مهاراتهم وإطلاق طاقاتهم المخفية، لتبقى الدولة عامرة مزدهرة ومتقدمة بين الدول بالعمل المتميز الصادق والقيام بكل الأدوار المطلوبة وتحمل المسؤوليات والواجبات، فالتربية والتعليم هي تربية الأجيال على الإعتزاز بالوطن ومقدراته ومنجزاته وتاريخه المشرق، والذين أسهموا في بناء هذا الوطن بما غرسوه في الأجيال من قيم تربوية وحضارية وفكر وعزيمة وعِلم، هم المعلمين...
فالمعلم الأردني له دور كبير وملحوظ في بناء الوطن لتقديمه الأفضل ولتذليل التحديات والصعوبات للأجيال وتمكينها من التكنولوجيا وأدوات المعرفة، والأستاذ الجامعي القدوة لطلابه وللأجيال عامة والذي له الدور الأكبر في بناء المستقبل المشرق وتعزيز عمل المعلمين من غرس تلك القيم وتأهيلهم للحياة العملية بعد المرحلة الجامعية.
النظام التعليمي في الأردن حقق إنجازات كبيرة خلال الفترة السابقة، فالتعليم أصبح يعتمد على تنمية مهارات التفكير والقدرات العقلية للطلبة، وتشجيع الإبداع والإبتكار، وتحول إلى تعليم نوعي مبني على إدارة المعرفة لا على كيفية إكتسابها، لأن إيجادها أصبح متاح في كل مكان، وجاء هذا تطبيقا لرؤى صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وما أطلقه في الورقة النقاشية السابعة تحت عنوان (تطوير التعليم كأساس للإصلاح الشامل)، وما إندرج تحته من تشجيع لغة الحوار، وتقبل الرأي الآخر، وضرورة التنوع الفكري والثقافي، والبعد عن التردد والخوف من التطوير، ومواكبة التحديث، مقتبسًا من الورقة النقاشية؛ قول جلالته:" إن التعليم يشكل أرضية مشتركة لفهم الآخر، وتعميق قيم التسامح بعيدا عن الغلو والتعصب، كما أن تحقيق الإصلاح الشامل يرتبط إرتباطا وثيقا بالنهضة التعليمية مهما كانت الظروف والتحديات".
ومن هنا نجد أن جلالة الملك حفظه الله، تبّنى مفهوم التعليم الحضاري وتطويره بما يتناسب مع تطورات العصر لنكون سباقين في التنافس العالمي الذي يمكنّنا من الوصول إلى القِمَم، وهذا لن يكون إلآ بالبعد عن التعصب والخوف من التطوير والتغيير والتردد، لمواكبة التحديث المستمر وضرورة التنوع في الفكر والرأي الذي لا يفسد للود قضية، وبناءً عليه وإستناداً إلى رؤى جلالته، سيكون التعليم الركيزة الأساسية للبناء والعمران لأن تقدم ورقّي أي بلد لن يكون إلآ بنوعية التعليم والثقافة ونوعية الأجيال الواعية المدركة لأهمية المعرفة والتكنولوجيا والتنوع الفكري.
بعد أن كانت السمة الأساسية في المجتمع الأردني الهدوء والترابط، لم تكن للفوارق الإقتصادية أثر كبير لتأثيرها المحدود وتركزها بفئة قليلة، تغيرت من بعد عمليات التطور الإقتصادي والصحي والتعليمي، وكان بناء الدولة يعتمد بالبداية على المعلمين ومنتسبي القوات المسلحة الذين ساعدوا بتعليم وتوفير البنية الدراسية لأبناء البادية مع حمايتهم، لأن أبناء الوطن خرجوا ببعثات الى الخارج وعند عودتهم شاركوا ببناء الوطن ونهضته التعليمية.
وبعد الحروب الإقليمية وتوافد اللآجئين توسعت وتطورت البلاد في مواجهة التدفق السكاني الجديد الذي رافقه نهضه عمرانية وإنشاء الطرق والمدارس والجامعات، وفي ظل الثورة الصناعية الحديثة تعددت الثقافات وأصبحت العولمة هي اللغه الأكثر شيوعا، وأصبجنا أمام خيار وحيد لا ثاني له..
وهو أن يكون وطننا بأفضل حال ونعمل على تحقيق الرؤى الجديدة التي تُبعد عنا الفشل والإنزلاق بالماضي الضعيف، فإما نكون أو لا نكون...
لذلك تطورت المناهج بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتسابقنا في إنشاء الجامعات بعد أن كانت الجامعة الأردنية والتي تأسست في عام 1962 هي الجامعة الوحيدة، إلى 10 جامعات رسمية و 16 جامعة خاصة بعد أن تأسست جامعة عمان الأهلية كأول جامعة خاصة، و 44 كلية مجتمع وكلية جامعية بالإضافة إلى جامعة إقليمية وجامعتين أُنشأتا بقانون خاص، وإزدادت أعداد الطلبة بالجامعات مئات الأضعاف بالمئوية الثانية وأصبحنا نعتمد على التكنولوجيا والتعلم عن بعد بعد أن كان حُلم، وبغض النظر عن سلبيات التعليم عن بعد ومزاياه إلآ أنه أثبت أنه لغة العصر والعالم، وبدونه سنتوقف دون رجعة، ومن خلاله سنقفز إلى العالمية ... وبه سنتسابق مع الزمن ...
وعند الحديث عن مخرجات التعليم فحدث ولا حرج، فقد أصبحت الأردن من مصاف الدول الأولى في القضاء على الأمية، حيث لامست النسبة المئوية الصفر تقريبا في محو الأمية، وكذلك إزدياد أعداد الحاصلين على الشهادات الجامعية العليا من الماجستير والدكتوراه وبمختلف التخصصات العلمية والأدبية والطبية والعلوم الإنسانية، بالإضافة إلى نوعية البحث العلمي والذي لاقى دعم كبيرمن مختلف الجهات.
لا بد لنا أن نتكيف مع ما فرضته الظروف حولنا، ونحول التهديدات إلى فرص متاحة، فجائحة كورونا رغم قساوتها وتغييرها لسلوكياتنا وسلبياتها وإغلاقها للكره الأرضية لفتره من الزمن، إلآ أنها ساعدتنا على فهم العالم وخفاياه بطريقة روحانية وعلمية والتكيف والتأقلم مع المستجدات لكي لا ننصدم ونعيش في الكهوف بلا مأوى.. فالوطن هو الحاضنة الأساسية هوالحضارة، والتاريخ هو المستقبل والملاذ الآمن، والوطن هو العلم والمعرفة، وهو الأمن الوطني والإستقرار المجتمعي، حفظ الله مليكنا ووطنا وشعبنا الأردني الأبي.