القضاه يكتب: الخدمات الحكومية بين التوجيه الملكي والتقصير الحكومي
بقلم : د.عبدالله محمد القضاه*
جاء حديث الملك في المقابلة الصحفية مع وكالة الأنباء الأردنية بمناسبة مئوية الدولة واضحا وصريحا، وسأتناول مضامين حديث الملك في مجال الإصلاح الإداري، وفي هذا المقال سأتحدث عن الخدمات الحكومية التي يريدها الملك، حيث يقول "يجب تنقية جهازنا الإداري مما علق به من شوائب، مثل الواسطة التي هي ظلم وفساد، ويجب اتخاذ كل التدابير الإدارية والقانونية والاجتماعية لمحاربتها، مثل الأتمتة وتوفير الخدمات الإلكترونية لتحقيق الفاعلية في الأداء..." ويقول " الإصلاح الإداري لا يحتاج إلا إلى إرادة وبرامج وخطط واضحة، وهذه يجب أن تتوفر، نريد تقديم أفضل خدمة ممكنة لمواطنينا، وعلى كل مؤسساتنا أن تبدأ اليوم قبل الغد، بوضع برامج لتحسين آليات توفير الخدمة للمواطنين، وأن تضع أهدافا محددة متعلقة بسوية تقديم الخدمة ونوعيتها والعدالة في إيصالها، وأن يكون هناك تقييم دوري لمدى تحقيق هذه الأهداف".
وقبل الحديث عن استراتيجية تطوير الخدمات الحكومه ، لابد من التذكير بتوجيهات المك لحكومة الدكتور عمر الرزاز عام 2018 "تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ."
فكانت الرسالة الملكية في ذلك التوجيه هو الخدمات النوعيه، والمقصود ان ترتقي مؤسسات الدولة بجودة خدماتها المقدمة للمواطن، من حيث الكلفة التي يتحملها المواطن لقاء الحصول على الخدمة، والزمن المستغرق لتقديم هذه الخدمة، إضافة الى نوعية هذه الخدمة وخلوها من العيوب وغير ذلك الكثير.
والتساؤل: ماهي الاستراتيجية التي ستعتمدها الحكومة في تحقيق ذلك؟! وماهي الجهات المعنية بالتنفيذ ؟! وما الوقت الذي يمكن للمواطن أن يلمس فيه تلك النتائج المستهدفة؟ كما جاء في كتاب التكليف السامي لحكومة د.هاني الملقي عام 2016: "يجب العمل بشكل حثيث لرفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن في مختلف المجالات.
ولتحقيق ذلك، لا بد من النزول إلى الميدان للتواصل مباشرة مع المواطنين وتلمس احتياجاتهم والخدمات المقدمة لهم، لضمان الاستجابة السريعة والعادلة لقضايا المواطنين في جميع المحافظات."
في السابع من اكتوبر 2020 وجه الملك كتاب التكليف السامي لدولة الدكتور بشر الخصاونة ، ومن بين ماتضمنه " كما لا بد من البدء بتطوير الجهاز الإداري للدولة، وتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال الشهور الثلاثة القادمة، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات، لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمات وضبط النفقات".
ومن حق المواطن أن يسأل هنا : لماذا لم يتحسن مستوى الخدمات الحكومية المقدمة، ولماذا غاب معظم الوزراء السابقين عن الاستجابة السريعة لقضايا المواطن؟ ثم؛ أين هي الخطط التنفيذية لتحسين الخدمات الحكومية وأين مستوياتها المستهدفة والإطار الزمني لتنفيذ ذلك؟ كما أنه من حق المواطن أن يسأل الوزراء عن مصداقية تصريحاتهم الاعلامية وإنجازاتهم الورقية، وهل يمكن مساءلتهم بأثر رجعي؟! هذا، بإعتقادي، هو ما يترقب الملك اجابة عليه.
وحتى لاتكون هذه الحكومة إستنساخا عما سبقها من الحكومات، فإنني اقترح في هذا المجال ما يلي:
أولا: تبني إستراتيجية التطوير الذاتي لمؤسسات الدولة ، وبموجبها يتم إعادة تأهيل وبناء وحدات التطوير المؤسسي في هذه المؤسسات ورفدها بأفضل الكوادر البشرية المختصة ومنحها الصلاحيات الكافية بما يمكنها من احداث التطوير والتغيير المستجيب للأهداف الوطنية.
ثانيا : تفعيل دور معهد الادارة العامة ليتولى تأهيل كافة العاملين بهذه الوحدات ضمن مسار تدريبي يتطلب من كل موظف اجتيازه لإستمرار عمله في هذه الوحدات. وبشكل إلزامي.
ثالثا : أن تلتزم وحدات التطوير المؤسسي في كافة مؤسسات الدولة بتقديم خطة تنفيذية بتحسين الخدمات المقدمة لتعتمد من إدارة الأداء المؤسسي برئاسة الوزراء؛ ضمن مستهدفات قابلة للقياس واطر زمنية محددة وتتولى الإدارة متابعة تنفيذها .
رابعا: أن يكون مستوى الأداء المؤسسي، والذي من ضمن مؤشراته مستوى تقديم الخدمة ورضا متلقيها، الأساس في تقديم الحوافز الفردية ومنح فرص الترقية والتقدم الوظيفي للعاملين في هذه المؤسسات.
خامسا : الإسراع بدعم مركز الملك عبدالله الثاني للتميز لتمكينه من مواصلة عمله بفاعلية لما لذلك من أثر في تعزيز ثقافة التميز وخلق الدافعية والتنافسية بين مؤسسات القطاع العام وموظفيها.
سادسا: تشكيل لجنة وطنية لمراجعة مشروع الحكومة الإلكترونية والوقوف على الأسباب الحقيقية "الهيكلية والفنية" لعدم قدرة المشروع على تحقيق أهدافه بفاعلية رغم مرور أكثر من عقدين على إطلاقة والملايين التي تم هدرها بسببه، مع ضرورة مساءلة كل من ساهم بتعثر هذا المشروع .
أما الشوائب التي يتحدث عنها جلالة الملك ، فعلى الحكومة أن تستجيب وعلى وجه السرعة بتفيذ خطة مدروسة لتعشيب القطاع العام من هذه الشوائب وتخفيض الترهل الذي أصبح ملفتا للنظر من خلال الحجم غير المبرر للقطاع والذي أثبتت جائحة كورونا بإمكانية الإستغناء عن (50%) من كوادره على أن يرتبط ذلك بتقييم عادل للأداء ويكون الإستثناء للكفاءات وليس للمؤسسات كما عملت الحكومة السابقة، وهذا ما سنتنتاوله بمقالات قادمة بإذن الله.
*امين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة سابقا