نحبهم ونطلبهم الرحيل

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/17 الساعة 00:43
كتب الراحل محمود درويش في رثاء الراحل راشد حسين قصيدة قال فيها “ منذ عشرين سنة وانا اعرفه في الاربعين “ وحتى اللحظة ورغم مرور كل تلك السنين ما زالت الكلمات صالحة للاستهلاك الآدمي، فمنذ ثلاثين سنة وانا اراهم أنفسهم، اكتمل شيب الرأس او استدارت الراس البراقة مثل بيدر رمال في صحراء دون اشجار، في كل مناسبة تجدهم يستعيدون شيئا من الوجدان او يحلمون بحضور جديد، في النكبة او في ذكرى سقوط العواصم وحتى في اتون الربيع العربي، كانوا هناك تجاوزتهم اللحظة ولم يتجاوزوها، يهتفون للشهيد النائم على قارعة طريق العودة او النصر ويهجون الاحتلال والاستعمار وامريكا. منذ ثلاثين عاما وقليل من السنوات كانوا شبابا على اسوار مجمع النقابات المهنية او في اركان رابطة الكتاب الضيقة واي مكان يفتح لهم ذراعيه، يناقشون بعنف ثوري ويحلمون بصوت مرتفع، ويتبارون في احاديث الاعتقال والصمود او استذكار من اشترى تذكرة الصعود الى حافلة الاستنكار او السقوط، كان الخلاف على محبة دمشق او بغداد، والحلم بالعاصمة مكانا فسيحا للحرية وساحة للاهازيج والقصائد وخبز ساخن في صغير، هرموا وما زالوا على موعدهم مع ذكرى النكبة والنكبات، هرموا في انتظار نصر ولو صغير، صنعوا من الفكر عباءة لم يخلعوها حتى يومنا هذا، دون احتساب الفوارق والديالكتيك والجدلية التاريخية وما زال واحدهم يقسم بشرف الثورة وروح الشهداء وصورة عبد الناصر . نستذكرهم حين يرحلون، او حين تداهمنا بعض المواقع بصورهم في مناسبة كئيبة، لم يعرفوا لحظة نصر ولم يتعرفوا على ذائقته، فصنعوها اصناما يأكلونها ذات هزيمة مركبة او متكررة، ليسوا جاهليين بالقطع، ليصنعوا آلهة من تمر يأكلوها ذات جوع، لكنها شهوة النصر حتى ولو نصر وهمي او نصر افتراضي، يتمسكون بأحلامهم بياسمين دمشق ونخل العراق ورطب الصعيد، ولم يتقنوا الفواصل بين المكان والنظام، فاختلطت الرؤيا واظنها العَشى الثوري، فالعَشى مرض يصيب العين بعد تيبّس العصب الواصل الى الدماغ، رسموا الصورة وحافظوا على رسمهم رغم اختلال الصورة . اليوم نستذكرهم قبل الرحيل، واستذكر ما قاله ذات مقابلة المبدع اميل حبيبي في مقابلة صحفية، حين سأله الصحفي عن التوسع في الحزب، فأجاب :” مَن يموت لا نجد بديله ومن يدخل الحزب يكون احد ابناء الرفاق “، وحتى ميزة الابناء اظنهم فقدوها، فالجيل الجديد لم يسمع ولم يشاهد ما قاله الاباء عن الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية، بل الان الانظمة التي تغنّى بها الاباء كانت على عداء مع كل المصطلحات السابقة، فلا وحدة بين بعثين، ولا حرية في القطرين وباقي الاقطار، والعدالة الاجتماعية لفظة ترددها السنة الساسة في الحكم والمعارضة . امس كانت صورهم على معظم المواقع الاخبارية، ما تغير فقط شيب الرأس او زوال الشعر، ووجوهم باتت مثل كعكة مغموسة في الشاي لكثرة التجاعيد، هدروا على منصّة الخطابة بنفس الكلمات، واعاد عريف الحفل نفس القصائد في التقديم، وغنّى المغني نفس الاغاني مع تراجع في صدى التصفيق والتواء الكواحل في الدبكة او منسوب التمايل مع الاغنية . لا نستطيع ادانتهم ولا اتهامهم فهم على موعدهم ووعدهم، لكن اللحظة خانتهم والواقع تجاوزهم، فلماذا يمسك قادة الاحزاب القومية واليسارية على المواقع بالنواجذ وهم يطالبون بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية رغم كل الخسائر البدنية والمعنوية، مجرد سؤال متأخر ورثاء رغم بقائهم على قارعة الحياة ؟ الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/17 الساعة 00:43