التعليم الجامعي في ظل الكمامة!
بقلم: الدكتورة أمل نصير
تستعد وزارة التعليم العالي للإعلان عن آلية التعليم في الجامعات في الفصل القادم، ولعل من المفيد الإشارة إلى المقدسات الأربعة التي يكررها علماء الأوبئة والفيروسات داخل الأردن وخارجه، وضرورة الالتزام بها للحماية من الإصابة بالفيروس، وهي: الكمامة، والتباعد، وغسل اليدين، وأخذ المطعوم.
فأما الكمامة، فلا أدري كيف سيسمع الطالب، ومن ثم سيفهم حينما يكون المدرس واضعا لكمامته، فالجامعات ذات الأعداد الكبيرة تعاني منذ سنوات من ازدحام الشعب التي تصل إلى المئات في القاعة، وحتى لو كان أقل من ذلك اضطرارا لسعة القاعة، فإن العبارة التي تميز هذه الشعب:(مش سامعين)، وكنا قد طالبنا منذ سنوات بتوفير أجهزة صوت...، ولكن لا مجيب!
كنت البارحة في اجتماع لمجلس أمناء إحدى الجامعات، فتحدث أحد الزملاء من كلية الطب أن في شعبته حوالي 700 طالب، فكيف سيكون الحل مع مثل هذه الشعب، ومن أين ستوفر الجامعات مدرسين لهم لو قررت توزيعهم على شعب متعددة في ظل شح أعداد هيئة التدريس في التخصصات الطبية؟! وماذا سيفعل الأستاذ في الفصل القادم؟ هل سيخلع كمامته ويعرض حياته وحياة طلبته للخطر في ظل الأخبار التي تتحدث عن إمكانية تطور الفيروس وانتشاره، وإمكانية تغلبه على المطعوم...؟ أم سيكتفي الطلبة من العلم بالجلوس في القاعة؟
وأما التباعد، فهو مشابه لموضوع الكمامة من حيث مدى امتثال الجامعات لهذا الشرط الصحي، وهي التي تعودت على إغراق الشعب بالأعداد الكبيرة؛ مما سيمنع من تحقيق التباعد في المحاضرات والامتحانات على حد سواء؟ ومن سيضمن التباعد في وسائل المواصلات التي يستخدمها الطلبة للوصول إلى جامعاتهم أيضا؟
وإذا تحدثنا عن التطعيم، فهو خارج عن سيطرة الجامعات وربما الحكومات، التي لن نستطيع تطعيم طلبة الجامعات على المدى المنظور في ظل ما نسمع من شحّه، وصراع دول العالم عليه، لا سيما أن طلبة الجامعات وعدد من أساتذتها ليسوا من ذوي الأولويات لصغر سنهم، ولأنهم ليسوا من ذوي الاختطار أيضا.
أما غسل اليدين، الذي يبدو أنه الأسهل، فلعل من المهم أيضا الحديث عن عدم توافر أماكن الغسل المناسبة، والمشجعة لكثير من الطلبة في عدد من الجامعات!
لنعترف أننا لم نكن جاهزين لمثل هذه الظروف من قبل كوفيد، فماذا نفعل اليوم في ظلها؟
أعان الله صانع القرار هذه الأيام، فهو لن يجد الحل الذي يمكن أن يرضي عددا من الناس، لا سيما أن النقد والتلويم والتنظير والشتم هي كلها سيدة الموقف التي تظهر جلية على مواقع التواصل الاجتماعي لأي قرار يتخذ، فإن قال بضرورة التعليم عن بعد حماية للطلبة من الفيروس، اتهم بتجهيل الأمة، وكأنه هو من أوجد الكوفيد، وإن قال بضرورة العودة إلى الحرم الجامعي، فإنه سيُحمّل المسؤولية بانتشار الجائحة، وإصابة الطلبة، وبالتالي، لعل الذهاب إلى التخيير الذي تحدثت عنه في مقالي السابق( التعليم الجامعي بعد كورونا) هو أفضل الحلول؛ أي بفتح شعب للمساقات المختلفة للتعليم في الحرم الجامعي، وأخرى للتعليم عن بعد مع سن التشريعات الناظمة والملزمة التي تضمن سير العملية التعليمية بصورة سليمة سواء اختار الطالب التعليم الإلكتروني أو الوجاهي، وبعيدا عن تدخل المتدخلين أو المشككين أو المثبطين للهمم. لقد أصبح من الضروري لنا جميعا الانتقال من حالة النقد إلى حالة التشاركية في تحمل المسؤولية في ظل جائحة لا يعلم أحد كيف، ولا متى سننتهي منها.