لماذا تبدو مصر معرَّضة لموجة رفض للقاحات كورونا؟
مدار الساعة - بدأت مصر حملة التطعيم بلقاح كورونا، ولكن اللافت أن المستشفى الذي بدأت به الحملة وهو مستشفى أبوخليفة للعزل بمحافظة الإسماعيلية، شهد موافقة أقل من نصف الأطقم الطبية فقط على التطعيم، في مؤشر إلى إمكانية حدوث موجة رفض للقاح كورونا في مصر.
وقالت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة المصرية ، إن المواطن فوق 65 سنة عليه التسجيل على الموقع الإلكتروني أو الذهاب لأقرب مستشفى له تابعا لوزارة الصحة ، وبمجرد تلقي الوزارة الشحنات المخصصة لكبار السن سنعلن عن ذلك.
وذكرت وزيرة الصحة المصرية، أن هناك ثلاثة لقاحات تم اعتمادها في مصر وهي أسترازينيكا البريطاني وسينوفارم الصيني وسبوتنيك الروسي، وكلها في مراحل التسجيل، وعندما تصل أي شحنة فإنها تخضع للتحليل، بواقع 4 تجارب في معامل هيئة الدواء المصرية.
ولكن حملة التطعيم بدأت باللقاح الصيني، وقد شهدت الوزيرة منذ عدة أيام تطعيم الموافقين على التطعيم بـ"مستشفى أبوخليفة للعزل" بالإسماعيلية بعد الإقرار الذي جرى توزيعه على 200 طبيب بأبوخليفة.
واللافت أن 87 طبيباً من 200 طبيب وافقوا على تلقي اللقاح، ويعد التوقيع على الإقرار بمثابة موافقة كتابية على تلقي اللقاح الصيني.
وأعدت وزارة الصحة المصرية، نموذجاً للموافقة المستنيرة قبل الحصول على لقاح فيروس كورونا المستجد.
والموافقة المستنيرة هي عملية كتابية للحصول على إذن قبل إجراء تدخل الرعاية الصحية لصالح شخص ما، أو للكشف عن المعلومات الشخصية، حيث يطلب مقدم الرعاية الصحية من المريض الموافقة على تلقي العلاج قبل تقديمه.
وقال مصدر مطلع لـ"عربي بوست" إن نحو 10% فقط من الأطباء فقط وافقوا على التطعيم حسب نتائح تحليل استمارات الموافقة المستنيرة التي وزعت دون توضيح عدد الاستمارات الموزعة، فيما يمكن وصفه بأنه موجة رفض للقاح كورونا في مصر وسط الأطباء.
ومع أن الرهبة من اللقاح، وأحياناً رفضه شائعة في العديد من الدول، ولكن هذه المؤشرات الأولية تنذر بموجة رفض للقاح كورونا في مصر بشكل كبير، مما قد يؤثر على جهود البلاد لتحقيق مناعة القطيع التي توقف انتشار المرض وتعيد الحياة في البلاد إلى طبيعتها.
أمريكيون يرفضون تلقي اللقاح
احتمالات حدوث موجة رفض للقاح كورونا في مصر ليست أمراً استثنائياً، بل هناك مخاوف متفاوتة في أنحاء العالم بهذا الشأن.
وأفادت تقارير في شهر ديسمبر/كانون الأول بأن ما يقرب من خمس الناس في جميع أنحاء العالم سيرفضون لقاح COVID-19.
ولكن مع بدء حملات التلقيح يبدو أن هذه التقديرات مرشحة للزيادة.
ففي الولايات المتحدة التي تعد أكثر دول العالم تأثراً بالجائحة، قال حاكم ولاية أوهايو مايك ديواين في بداية العام إنه "منزعج" من الأعداد المنخفضة نسبياً من العاملين في دار رعاية المسنين الذين اختاروا أخذ اللقاح، مع إعلان ديواين أن ما يقرب من 60% من طاقم دار التمريض رفضوا جرعة اللقاح.
وقال رئيس رابطة رجال الإطفاء الشهر الماضي إن ما يقرب من 55% من رجال الإطفاء في إدارة الإطفاء في نيويورك الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم لن يحصلوا على لقاح فيروس كورونا.
وذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مطلع العام أن المستشفى والمسؤولين الحكوميين في ريفرسايد، كاليفورنيا، اضطروا إلى معرفة أفضل السبل لتخصيص الجرعات غير المستخدمة بعد أن رفض 50% من العاملين في الخطوط الأمامية في المقاطعة اللقاح.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، قال حوالي 50% من العاملين في مقاطعة ريفرسايد بكاليفورنيا إنهم رفضوا أخذ اللقاح، إلى جانب 60% من العاملين في دور رعاية المسنين في أوهايو، حسب NBC News.
كانت هذه الأرقام قبل إطلاق حملة التطعيم الرسمية واسعة النطاق في الولايات المتحدة.
ولكن بعد إطلاق حملة التطعيم ما زالت الأرقام مثيرة للقلق حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
إذ إن عدد العاملين في دور رعاية المسنين في ولاية نيويورك الذين رفضوا لقاح الفيروس التاجي ينافس عدد الذين تم تطعيمهم، مما يثير مخاوف بشأن تردد اللقاح بين أولئك الذين هم على اتصال ببعض الأفراد الأكثر عرضة لخطر الإصابة الشديدة.
تم تطعيم حوالي 37% من أكثر من 130.000 شخص يعملون في منشآت "التمريض" في الولاية، وفقاً لمكتب الحاكم، لكن 32% من العمال رفضوا تلقيحهم.
وتاريخياً يميل الأمريكيون إلى رفض فكرة تلقي اللقاح أكثر من أغلب الشعوب الأخرى.
ولكن في فرنسا أظهر استطلاع نشرت نتائجه نهاية العام الماضي أن 4 فقط من كل 10 أشخاص في البلاد يريدون لقاح Covid-19.
لماذا قد نرى موجة رفض للقاح كورونا في مصر؟
المصريون لم يعرف عنهم تاريخياً تبني اتجاهات مناهضة للقاحات، بل لدى البلاد تاريخ جيد في التطعيم ضد أمراض عدة.
ويبدو أن احتمال حدوث موجة رفض للقاح كورونا في مصر مرتبط بعوامل أكثر تعقيداً من الولايات المتحدة وغيرها.
يمكن توقع أنه في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن المخاوف من التطعيم قد انتقلت عبر الإنترنت، وقد يكون لها دور في إطلاق موجة رفض للقاح كورونا في مصر.
ولكن يبدو أن هناك أسباباً أخرى يشترك فيها المصريون مع غيرهم، منها القلق المنطقي من الآثار والأضرار الجانبية بعيدة المدى للقاح، وهل تكون خطيرة أم لا وهو أمر لا يمكن تأكيده أو نفيه، باعتبار أن كل لقاحات في العالم حديثة المنشأ وبالتالي لا يمكن زمنياً اختبار آثارها بعيدة المدى، رغم أن العلماء يمكنهم محاولة توقعها.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور منصف السلاوي الذي عيَّنه ترامب مسوؤلاً عن تطوير لقاحات كورونا في الولايات المتحدة، إنه "فيما يتعلق بالآثار الجانبية للقاحي فايزر ومودرنا فلقد تم معرفتها على المديين القصير والمتوسط، ولكن لم يتم فهم سلامة اللقاحين طويلة المدى بعد".
وقد يكون جزء من الخوف شعوراً مبهماً (ليس له أساس علمي) من قبل بعض الناس بأن اللقاحات باعتبارها فيروسات معدلة أو مضعفة أو مقتولة قد تكون لها آثار ضارة أو أن هناك تخوفاً وهمياً من أن التعديلات الجينية التي تدخل على الفيروسات المستخدمة في اللقاحات يمكن أن لها تحدث تأثيرات على جينات الإنسان.
وفي الحالة المصرية تحديداً، حيث أغلب السكان من الشباب ونسبة الطاعنين في السن أقل من الدول الغربية الأكثر تقدماً في المجال الصحي، يجعل ذلك مخاطر كورونا المحتملة أقل من مخاطر اللقاحات التي لا يعرفونها.
اللقاح الصيني
ولكن هناك نقاط أخرى قد تطلق موجة رفض للقاحات كورونا في مصر، أبرزها أن القاهرة رغم إعلانها التعاقد على ثلاثة لقاحات، فإنها من الواضح أنها ستعتمد على أحد اللقاحات الصينية بشكل أساسي.
وتحظى كلمة منتج صيني بسمعة شديدة السلبية في مصر، وكلمة صيني وتايواني في مصر هي مرادف للتقليد أو المنتج الرديء، ولا يتقبل أغلب المصريين رغم أن كثيراً منهم يقتنون هواتف صينية حقيقة أن الصين قد تطورت ولم تعُد كل منتجاتها تقليداً رديئاً للمنتجات الغربية واليابانية.
وعندما يتعلق الأمر بالصحة تحديداً يخشى كثير من المصريين المخاطرة بصحتهم باللقاح، وهو موقف ينطبق حتى على الأطباء، الذين يعزز من قلقهم أن أياً من الدول الغربية لم تعتمد اللقاحات الصينية، ويتجاهلون أن بلاداً مثل الإمارات وتركيا قد اعتمدت لقاحات صينية.
ولذا يمثل اللقاح الصيني عقبة كبيرة أمام حملة التطعيم المصري، بصرف النظر عن كفاءته وفعاليته.
ولكن عقدة المنتج الصيني تتداخل مع عقدة أخرى.
لماذا لا يثق المصريون في حكومتهم في الأمور الصحية؟
المصريون معارضون وموالون توارثوا دوماً حالة من الميل إلى عدم تصديق الحكومة في القضايا التي تخص حياتهم، حتى لو صدقوها في أمور أخرى غير منطقية تتعلق بدول أخرى، أو مواقف من القوى المعارضة.
فبعض المصريين قد يصدقون شائعة كوميدية تروجها أجهزة إعلامية محسوبة على الحكومة بأن مصر أسرت قائد الأسطول السادس الأمريكي أو أن حماس هي عدو مصر رغم أن الحكومة المصرية بنفسها رفضت في قضية شهيرة رفعت أمام القضاء المصري تصنيفها كجماعة إرهابية.
ولكن عندما يتعلق الأمر بشيء يمس حياتهم مباشرة فإنهم يميلون إلى عدم تصديق النظام، (بشكل مبالغ فيه أحياناً) ويسترجعون في هذه الحالة عشرات المواقف التي كانت لم تصدق حكومتهم فيها، آخرها أرقام المصابين بفيروس كورونا التي تعترف الأوساط الحكومية بأنها غير دقيقة.
وبصرف النظر عن الأسباب، فإن القاهرة كغيرها من الدول عليها معالجة مخاوف شعبها من اللقاحات والعمل على تجنب انطلاق موجة رفض للقاحات كورونا في مصر، لأن جزءاً من فاعلية اللقاح أن يكون عملية تلقيه واسعة النطاق.