عدنان أبو عودة: علاقة وليس”ارتباطا” هذا “نقاشي” مع الملك حسين بن طلال بخصوص”الضفتين”

مدار الساعة ـ نشر في 2021/01/17 الساعة 17:14

كدار الساعة - حاوره: بسام البدارين (القدس العربي) - خلافا لسياسيين آخرين، لم يسمع المفكر السياسي عدنان أبو عودة بما يتردد في الكواليس عن توصية بعنوان “مراجعة” قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية. ولأسباب سياسية فالقرار في رأي أبو عودة اتخذ في ظرف محدد يعلمه الجميع والملك الراحل الحسين بن طلال تجنب قصدا إصداره بقانون.

الهمس بمراجعة ملف الارتباط بين الضفتين بدأ قبل أشهر عند محاولة استيعاب ما يجري نخبويا تحت عنوان “صفقة القرن” المزعومة، وتفاعل الحديث مجددا بعد التطورات الأخيرة في المشهد الأمريكي والحديث المسترسل عن حل الدولتين.

نصح أبو عودة مبكرا حكومة بلاده والنظام الرسمي العربي بالعمل بصيغة مركزة على مشروع حل الدولتين مصرا في الورقة التحليلية التي قدمها على ان عدم أو منع قيام دولة فلسطينية تعبير مباشر عن عقيدة مستقرة في عمق اليمين الإسرائيلي، وهي عقيدة تشكل خطرا الآن على المصالح العربية والفلسطينية والأردنية العليا.

يحاجج أبو عودة وهو يعيد قراءة ومراجعة المشهد الدولي والأمريكي والإقليمي احيانا من زاوية أردنية وأخرى من زاوية سياسية مع “القدس العربي” بأن مشروع حل الدولتين هو الأصح والأكثر سلامة بدلا من الغوص في الأحاديث الجانبية والإكثار من التكهنات. وفي ما يلي نص الحوار:

* تسأل “القدس العربي” أبو عودة مجددا عن ما الذي يقصده بذلك؟ وعن أي معلومات توفرت لديه بخصوص إعادة تقييم ملف العلاقة بين الضفتين لأي سبب؟

** المقصود ان الضفة الغربية وبعيدا عن الجدل المثار إعلاميا حول مشروع ضم أو غيره “مضمومة” في ظل واقع احتلالها أصلا، وبالتالي ذهنية الاحتلال تتصرف على أساس انها حسمت مسألة الأرض. فهي أرض محتلة تتبع إسرائيل سواء تم ضمها رسميا أو لم يتم، والعنصر العالق في حلق الاحتلال حتى الآن هو الإنسان، بمعنى السكان، وعليه توجد مراكز تجمع سكانية يريد العقل اليميني الإسرائيلي ان يجد لها معبرا بعيدا عن الأرض والحديث طبعا هنا عن الأهل في الضفة الغربية.

* لماذا الإصرار على ان الإسرائيلي يبحث عن حلول لمسألة السكان؟

**باختصار لأن عقيدة الاحتلال تصر على منع قيام دولة فلسطينية على الأرض المحتلة، وبالتالي ينبغي أن لا يوجد إطار قانوني للسكان من أهل الضفة الغربية باسم الجنسية الفلسطينية، والمعنى في ذهن المحتل طبعا عدم جواز وجود “فلسطينيين” على أرض يعتبرها الإسرائيلي تابعة له.

*هذه مسألة حساسة، ألا ينبغي الانتباه لها حقا بالنسبة لمن يتحدثون عن الارتباط مع الأردن من عدمه؟

**طبعا مسألة في غاية الحساسية، لأن جزءا من تفسير الحديث عن إلغاء فك الارتباط وإعادة الارتباط بين الضفتين سيعني بالنتيجة ان أهل الضفة الغربية قد يتحولون إلى أردنيين أو حاملين للجنسية الأردنية.

وبالتالي سيصبح العنصر السكاني هنا مقيما في أرض تحت مظلة دولة إسرائيل وهي صيغة أقرب لجالية كالأردنيين الذين يقيمون في الكويت مثلا. هذا محظور كبير جدا ولا بد من الانتباه له. ومعناه إذا حصل لا سمح الله ان الفكرة الصهيونية نجحت أو تنجح في معالجة أزمتها البنيوية مع السكان لأن مسألة الأرض محسومة بواقع الاحتلال وعلينا ان ننتبه جيدا للكمائن والمطبات هنا.

* بالمناسبة ما هو تعليقك على هذه المراوحة بين الارتباط وعكسه في مسألة العلاقة الأردنية مع الضفة الغربية؟

**هذا السؤال يوفر مناسبة للعودة إلى النص الأصلي ولعلمكم لا يوجد في النص الأصلي مفردة “ارتباط” فهو يتحدث عن فك العلاقة القانونية والإدارية بين الأردن والضفة الغربية وبالتالي لا يتحدث النص عن ارتباط من عدمه، بل عن علاقة ويحصر الأمر بالضفة الغربية وليس بمجمل العلاقة الأردنية الفلسطينية أو غيرها.

*ما الذي يخطر في ذهن من صاغ قرار فك العلاقة بين الضفتين عند الاستماع إلى عبارة مثل “قوننة فك الارتباط”؟ ما الذي تعنيه الـ”قوننة”؟

**نعرف جميعا متى يستخدم هذا التعبير، والهدف من إطلاقه الحرص على تحويل قرار إداري وسياسي إلى قانون، ودعوني أقول إن الظرف الذي تقرر فيه فك العلاقة بين الضفتين لم يحتمل تفكيكها بقانون، أما ظروف اليوم فأنا شخصيا يمكنني التعامل مع القوننة وقد تكون مفيدة في ظل السياق العام إذا ما كان الهدف تفعيل حل الدولتين والحفاظ على المصالح الأساسية للدولة الأردنية والشعب الفلسطيني.

لا يجد أبو عودة ما يزعجه أو يقلقه اليوم عند الدعوة إلى قوننة تفكيك العلاقة بين الضفتين، فهذا خيار متاح قد لا ينطوي على اعتراضات وقد يكون مفيدا لكن الأهم والأصح في رأيه التركيز على حل الدولتين. أما عند الاستفسار منه عن الأسباب التي دفعت الملك الراحل الحسين بن طلال لتجنب خيار قوننة قراره بفك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، فرجع أبو عودة إلى توقيت ذلك القرار حيث ان الحياة البرلمانية في الأردن لم تكن مستأنفة والأرض المحتلة بدون برلمان ومسألة القوننة تعني ان تتنازل المملكة عن جزء منها، والحاجة إلى قانون هي الأساس، والأمر الفصل وبسبب عدم وجود برلمان يقدر أبو عودة ومن باب التحليل ان الملك حسين اتخذ قرارا إداريا وسياسيا وقد لا يكون الأمر أكثر من ذلك.

وخلافا لبعض الأقاويل والانطباعات، يصر أبو عودة على ان الملك حسين هو الذي رافقه شخصيا لأكثر من 23 عاما بالعمل بمعيته ليست لديه طموحات بالضفة الغربية، بل كان رجلا يحركه التاريخ قبل أي اعتبار آخر.

هذا ما حصل مع الملك حسين

ويضع أبو عودة قراء “القدس العربي” في صورة بعض المفاصل والحوارات المهمة بينه وبين الملك حسين عندما اتخذ قرار فك العلاقة مع الضفة الغربية. فقد أصر الملك الراحل على ان تضاف على قرار حكومته فقرة تعزل المقدسات في مدينة القدس عن مضمون ومنطوق القرار، بمعنى الإصرار على تبعية المقدسات لوزارة الأوقاف الأردنية وهو ما حصل بكل حال.

وانتبه أبو عودة مبكرا إلى الخشية من أن يفسر قرار بفك العلاقة من قبل الدول الغربية والأمريكيين بصورة سلبية فأبلغ الملك شخصيا بأن عليه الانتباه، لأن الفكرة الغربية هي ان الملك حسين هو الرجل الذي سيصنع السلام لاحقا، ثم لفت النظر إلى طبيعة الموقع الجغرافي الأردني حيث رأس الحربة آنذاك في حماية النفط وحيث تحصل المملكة على الأموال المساعدات لهذا السبب. وقدر أبو عودة بأنه كان يريد التوثق من ان الملك في صورة هاتين الملاحظتين على هامش الاشتباك مع قرار فك العلاقة.

*ما الذي حصل بعد ذلك؟

**كنت مهتما بالملاحظة الثالثة وهي الأهم والمحور، فقد سألت جلالة الملك الراحل عن ما إذا كان قرار فك العلاقة المقصود فيه حصريا أهلنا في الضفة الغربية ودون غيرهم، وعندما أجابني الملك “طبعا وبالتأكيد” واستفسر عن سؤالي أبلغته “ليطمئن قلبي”.

*ما الذي كان في ذهنك في ذلك الوقت بصورة محددة ولماذا احتاج قلبك للإطمئنان؟

**في ذهني أي محاولة لاحقة يمكن ان تنحرف بتطبيقات القرار عن سياقه ومضمونه المقصود. فقرار الملك حسين بفك العلاقة الإدارية والقانونية مع الضفة الغربية يخص المقيمين في الضفة الغربية فقط، وفكرت فعلا أن أحدا ما يمكنه ان يقرأ ويفسر هذا القرار على مزاجه أو يزيد ويعيد فيه أو يتوسع بتطبيقاته ليشمل شرائح أخرى وكل ما كنت أريده التأكد من ان القرار عند تنفيذه لن يعاني من الانحراف في التنفيذ وبالتالي سيطبق على أبناء الضفة الغربية وليس على الأردنيين المواطنين من أبناء المكون الفلسطيني في الأردن، وليس عليهم في الخارج أو في أي مكان لاحق.

* لاحقا لذلك، ما الذي حصل مع تلك التطبيقات؟

** بصراحة وللأسف مخاوفي في موقعها. فقد أخرجت حكومات لاحقة قرار الملك رحمه الله عن سياقه واتخذت ممارسات مست بمصالح وحقوق العديدين، وقرأ قرار فك العلاقة بعيدا عن الأهداف التي أرادها الملك حسين تحديدا وليس سرا وبالمناسبة هنا وعندما ابتعدت عن مواقع القرار والوظائف وخططت للسفر لأغراض بحثية إلى الولايات المتحدة عام 1995 أنني طلبت مقابلة الملك لتوديعه وحصل اللقاء وأبلغته وقتها بأني بصدد إصدار كتاب جديد وسألني الملك حسين عن موضوع الكتاب فقلت له بان موضوعي سيكون الانحراف الرسمي وبروز سياسات وممارسات تنطوي على تمييز ولا تمثل الدولة الأردنية بالشكل والمضمون ولا تمثل الملك رحمه الله.

وعندها قال الملك بهدوء ان التجاوزات مسألة بسيطة يمكن معالجتها لكن من جهتي استأذنت بالسفر وتحدثت عن بحث معمق وعن كتاب سيصدر ولم يعترض الراحل هو نفسه النبش الذي أثار الجدل حوله لاحقا حتى أوصلني في حادثة شهيرة إلى المحكمة العسكرية.

*تلك في فهم أبو عودة والمشهد قصة أخرى .. تسأل “القدس العربي” عن تفاصيلها؟

يعتقد المفكر والمحلل أبو عودة الآن بان تحويله للتحقيق القضائي بسبب إصداره الكتاب العلمي كان رسالة يريد أصحابها ترسيم سقف للنقاش على أساس القول ضمنا إن أبرز شخصية من شرائح المكون الفلسطيني من الذين خدموا في الدولة وفي أهم مواقعها مثل أبو عودة نفسه يمكن ان تخضع للحساب والمتابعة والمحاكمة في حال تجاوز السقف.

أما المشكلة الثانية التي يعتقد أبو عودة انها تحافظ على منسوب التعقيدات الاجتماعية ثم الاقتصادية في المجتمع الأردني وتعيق مستقبله فهي هواجس خوف نسبة كبيرة من الأردنيين على ما يسمى بـ”الرقم الوطني” وبالتالي الجنسية ما شكل أساسا لتلك الانحرافات التي حذر منها مبكرا بين يدي الملك حسين أبو عودة نفسه.

في المشهد الأمريكي

*في المشهد الأمريكي، كيف يرى أبو عودة المستجدات الأخيرة؟

**واضح ان الولايات المتحدة دفعت مؤخرا الثمن الناتج من حيث الاضطراب والفوضى عن نرجسية الرئيس الذي بدأ إجراءات عزله دونالد ترامب، وهي نرجسية وصلت لمرحلة حب العظمة ومعناها التصرف على أساس وجود مجموعات واسعة من الغوغاء الأمريكيين يؤيدون شخصا أو ما يقوله ويزعمه.

مرحلة ترامب على الأرجح ستنتهي وقد أحثت ثقوبا والتفاصيل بطبيعة الحال كثيرة.

*ماهي في تقديركم أهم تقديرات الرحيل الدراماتيكي للرئيس ترامب؟

**أغلب الظن ان مكانة الولايات المتحدة تأثرت بالتأكيد ومصداقية عملياتها المؤسسية وخطابها أحيانا انهدمت، ومن الواضح ان مشروع محاكمة ترامب يهدف لطرده وإذا لم يفعلوا قد يتمكن هذا الرجل من إنشاء حزب حيث لديه مال ولديه غوغاء وبالتالي يمكنه العودة للرئاسة، وتقديري ان المطلوب ليس عزله أو محاكمته فقط بل إدانته أيضا حتى لا يعود من النافذة عبر حزب مرخص بصورة تنتج المزيد من الفوضى.

*ثمة آراء وتسريبات تتحدث عن انقسامات محتملة لولايات امريكية بأكملها؟

** أقرأ وأسمع هذه التكهنات، وفي رأيي انها تقييمات مبالغ فيها، لكن المثير انها اليوم أصبحت بين الاحتمالات، هذا بحد ذاته تطور لافت ومحطة مهمة ولا بد من التذكير بأن أوراق المجتمع الأبيض كما يوصف مبعثرة قليلا، فالصراعات والتنافسات بعد انتهاء الحرب الباردة مع الصين وغيرها وخلافات قضايا مثل الأيدي العاملة ونقل الصناعات واتجاهات الرأسمالية انتهت بتغيير في ملامح الطبقات، فعدد الأغنياء جدا الآن قد يصل لنحو 1 في المئة بعدما كان نحو 30 في المئة وهنا أيضا عنصر مؤثر بالتأكيد ليس في المشهد الأمريكي فقط لكن في مستقبله أيضا.

ماذا قال بيرنز عن الروابدة؟

شارك أبو عودة في ندوة خاصة مثيرة قبل عدة أيام لإشهار كتاب باسم “هكذا أفكر” لرئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، وسجل ملاحظات جريئة كان قد تحدث بها قبلا مع “القدس العربي” أيضا.

ولفت أبو عودة إلى ما قاله عن الروابدة في كتابه السفير الأمريكي الأسبق والذي أصبح الآن رئيسا لجهاز الاستخبارات وليام بيرنز، حيث وصف الأخير الروابدة بانه “حصان محارب وقوي من الضفة الشرقية ولم يصبح كذلك لأنه كان إصلاحيا بل لأنه ماهر في التعامل مع حساسيات المؤسسة”.

ويعتقد أبو عودة ان كلمة المؤسسة في ذهن بيرنز كانت للدلالة على الأسرة المالكة أو الجيش أو شيوخ العشائر أو المخابرات.

وتفاعلا في إطار الحوار نفسه قال أبو عودة إن الأردن تشكل قبل قرن من الزمان فيما كان سكانه في مرحلة الرعي والزراعة، وبعد الاستقلال بدأت مرحلة غير ناضجة في بناء الدولة تحاول منهجة الاعتبارات الجيوستراتجية حيث كان الأردن في الوقائع والوثائق جزءا من فلسطين قبل ان يقرر ونستون تشرشل فصله عن فلسطين، حيث شرح تشرشل في اجتماع موثق انه يريد هذا الجزء باعتباره وصلة أرضية بين قناة السويس والعراق، ولاحقا أوضح تشرشل نفسه بأن بلاده فكرت بالأردن كموقع وليس كدولة وهو ما دفع الملك حسين لإبلاغ أبو عودة عام 1973 بما يلي “أخ عدنان، موقع الأردن نعمة ونقمة وواجبنا ان نجعله نعمة لشعبنا”.

ويرى أبو عودة ان التحولات بعد وحدة الضفتين انتهت ببروز الجيش العربي الذي كان يخشاه الإسرائيليون وبالتالي توفرت لأبناء شرق الأردن متطلبات الوظيفة والراتب، وهي نقلة اجتماعية واقتصادية. وبسبب خبرات إدارية من خلال العمل مع الدولة التركية في بدايات القرن، تقبل الأردنيون وزراء ومدراء في مشروع الدولة وساهم التنوع في السكان في تطوير الأردن نحو التحضر وبقيت القيادة مهتمة بولاء العشائر باعتبارها حقيقة قائمة وتأسس ولاء العشائر للدولة والنظام هنا.

مدار الساعة ـ نشر في 2021/01/17 الساعة 17:14