كاترينا ابو فارس تكتب: النصر على الكورونا.. المعركة ضد الجدري - نموذج
د.كاترينا ابو فارس *
لآلاف السنين استغرقت معركة البشرية ضد فيروس الجدري المعدي والمميت، والذي شكل تهديدا حقيقيا للانسانية،حيث اودى بحياة ما بين ٣٠٠ الى ٥٠٠ مليون انسان خلال القرن العشرين وحده ، ولم يتم القضاء عليه إلا بالتحصين ،والبداية كانت "بالتجدير" على يد الطبيب الانجليزي ( ادوارد جينير عام ١٧٩٦)، ومن ثم ايجاد المطعوم الذي وفر "الحماية الخلطية " (cross protection) ضد هذا المرض القاتل.
وفقط في العام ١٩٨٠ اعلنت منظمة الصحة العالمية ان العالم اصبح خاليا من الجدري ، وبذلك تكون البشرية قد حققت اول نصر لها على اول مرض معد هدد حياتها وحضارتها على مدى قرون طويلة.
وعودة الى"جائحة الكورونا" التي عصفت بالعالم بشكل مفاجئ وتسببت باصابة ما يقارب ١٠٠ مليون شخص وخلفت اكثر من مليوني وفاة حتى الساعة ، اضافة الى انعكاساتها المدمرة على الاقتصاد والتعليم والصحة ، وقلبت حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية ، بل وسلوكهم وقيمهم رأسا على عقب .. فعلى الرغم من كافة الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدول وبالتعاون مع الجهات المعنية بالصحة العمومية ومواجهة الاوبئة على مختلف المستويات المحلية والعالمية ، والتي تفاوتت بين الاغلاقات وتقييد الحركة والتجمعات، والتباعد الجسدي، وارتداء الكمامات واستخدام وسائل التعقيم والسلامة العامة ، إلا انها ، وان ساعدت في احتواء انتشار الوباء في مراحل معينة ، إلا انها لم تكن فعالة الى درجة السيطرة التامة على الجائحة والخروج من الازمة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي نتجت عنها .
لقد كانت استراتيجية المواجهة واضحة منذ البداية وتمثلت في المناورة بالإجراءات( والتي كانت مؤلمة في بعض الاحيان ) بهدف تسطيح المنحنى الوبائي لتمكين الانظمة الصحية من استيعاب الاعداد المتزايدة للمرضى ومنع انهيارها ، وكسب الوقت بانتظار المطعوم ،وصولا الى المناعة المجتمعية او الإصابة ، وعندها فقط يمكن الحديث عن امكانية احتواء الوباء وفتح القطاعات والعودة الى الحياة الطبيعية.
واخيرا حصل ما كانت البشرية تتمناه وتنتظره ، فقد استطاعت المراكز البحثية العالمية والشركات الدوائية المتخصصة من ايجاد وتصنيع اللقاح الخاص بالفيروس (covid -19)، مما شكل انجازا في غاية الاهمية انتظرته البشرية بفارغ الصبر ، واصبحت المنافسة بين الدول على سرعة توفيره بالكميات اللازمة لشعوبها .
وقد بذلت الجهات المسؤولة في بلدنا ، وبتوجيهات من من جلالة الملك ، جهودا كبيرة ولا تزال من اجل مواجهة الوباء وحماية صحة المواطنين والمقيمين على الارض الاردنية دون تمييز ، للتخفيف ما امكن من آثاره الاقتصادية والاجتماعية وتوفير المطاعيم اللازمة من مختلف المصادر ، بهدف السيطرة السريعة واحتواء المرض وصولا الى التعافي المجتمعي .
والآن ، ومع وصول المطعوم والبدء في عملية التطعيم ، فان التحدي الرئيس خلال الاسابيع والاشهر القادمة هو تكاتف جهودنا جميعا لانجاح هذا المشروع الوطني لحماية الصحة العمومية وعدم الالتفات الى الاصوات المشككة والمحبطة والعدمية ،مع ضرورة الاستمرار باتباع اجراءات التباعد الجسدي وارتداء الكمامات واستخدام وسائل التعقيم والسلامة العامة، للوصول الى المناعة المجتمعية والعودة للحياة الطبيعية.
مع اهمية الاشارة الى خطورة الشعور بالأمان الوهمي قبل إنجاز برنامج التطعيم والسيطرة التامة على الجائحة .
ويقينا ان الجهات الصحية العالمية ستستمر بمتابعة تصرفات هذا الفيروس سريع التحور ، وستحدد الآليات المناسبة للتعامل معه في مرحلة ما بعد الاحتواء والسيطرة التامة ، وهنا تكمن اهمية التعاون الدولي في مواجهة الاوبئة وحشد الجهود لاحتوائها والقضاء عليها ..
*رئيسة الجمعية الاردنية للتثقيف الصحي