عسكرة التعليم في المدارس الإيرانية
كتب.. الدكتور نبيل العتوم
منهجية الكتب المدرسية لعسكرة التعليم:
تعتبر التنشئة العسكرية والأمنية، هي المنبع الذي تستقي منه الكتب الإيرانية توجهاتها، حيثُ تمّ كتابتها وبلورتها تربوياً بشكل اكتسبت فيه قوة إلزامية تتمسك بها، إذ تعنى الكتب المدرسية بغرس القيم العسكرية والأمنية، التي يتم في إطارها تهيئة الطالب لكيفية التعامل مع التهديدات التي تتعرض لها إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية توعية الطالب بكيفية الاستغلال الأمثل لمعطيات القوة الإيرانية، في مقابل تحجيم معطيات قوة الخصم.
وقد بحثت الكتب المدرسية أشكال العسكرة في إيران، حيث تناولت عسكرة النظام السياسي الإيراني، فهيبة ونفوذ المؤسسة العسكرية مترسخة في النظام السياسي الإيراني من خلال محور العلاقات المدنية- العسكرية المتمثل بالعلاقات بين (المرشد، رئيس الجمهورية، وزير الدفاع والمخابرات، قائد الحرس الثوري)، وتحمل السياسة الخارجية هي الأخرى بصمة المؤسسة العسكرية الإيرانية.
فالجيشُ، والحرس الثوري، وأجهزة الأمن بفروعها هي الجهات الرئيسة التي تتولَّى منذ انتصار الثورة مهمة صناعة القرار الأمني، وحتى السياسي. حيث تُعدُّ المؤسسة العسكرية ( الجيش، الحرس الثوري، الأمن، المخابرات ) في إيران مصدراً رئيساً للتجنيد للمناصب الحكومية العليا، الوزارات، السفراء …..، كذلك تعتبر المناصب العسكرية، والأمنية، ممرات شبه إجبارية لتولِّي المناصب الحكومية.
كذلك فإن تسريح كبار العسكريين والأمنيين لا يعني ملازمتهم للمنازل في المجتمع الإيراني؛ بل يعني تولِّيهم إدارة المؤسسات المختلفة، خاصة المؤسسات الثورية، إحدى أهم أذرع الدولة الإيرانية.
وقد اتسم المجال الاقتصادي الإيراني بالنزعة العسكرية، حيث تحوَّل الإنتاج العسكري إلى الفرع الإنتاجي القائد في بنية الإنتاج، والتصدير.
كيفية بناء وصياغة الفكر العسكري للطالب الإيراني :
–أنتجَ التعليمُ المدرسيُّ تصوراتٍ وأفكاراً تقوم على أساس الاستناد إلى تجربة تاريخية ممتدة قائمة على الصراع مع الأمم والدول الأخرى؛ وهذا الأمر مرتبط بمعتقدات الفرس القديمة القائمة على فكرة الصراع، والقتال بين الخير والشر، وبين النور والظلام.
– حاولت ترسيخ حقيقة عدم التعايش السلمي للإيرانيين مع الآخرين، وأهمية القوة والاستعداد العسكري لتحقيق الانتصار النهائي.
– ركّزت الكتبُ المدرسية الإيرانية على استعراض التاريخ القومي والمذهبي ” الشيعيّ” في المجال العسكري منذُ القدم إلى وقتنا الحاضر، مع صياغتها بصورة تربوية؛ تنمي لدى الطالب روح الاعتزاز القومي والمذهبي .
– تناولت الكتبُ المدرسية الإيرانية سير أعلام قادة إيران عبر مراحل التاريخ، وتقديم هذه النماذج للطالب الإيراني في صورة قدوات عسكرية ” فارسية إيرانية، تاريخية شيعية” ينبغي الاقتداء بها.
-تركيز الكتب المدرسية الإيرانية على دور الأسرة في التنشئة العسكرية ضمن أساليبهم التربوية مع أبنائهم والمصحوبة بتقوية العقيدة الإسلامية القائمة على أصول المذهب الشيعي برؤيته الفارسية، ليأتي دور التعليم العسكري ليكون مكملاً للدور التربوي الأسري، مع التركيز على دور الفتاة في عسكرة التعليم الإيراني .
-التركيز بشكل مكثف على إحياء سيرة الثقافة العاشورائية، وتوظيفها في التنشئة العسكرية للطلبة من خلال إبراز دور (الحسين بن علي)، وآل البيت في غزواتهم مع “الكفار “، وكذلك تعظيم المعارك التي خاضها آل البيت عبر التاريخ، وبذلهم وتضحياتهم من أجل خدمة التشيع، وإعلاء رايته.
وهذا الإحياء يتم ربطه وإسقاطه على الواقع الراهن بكافة الوسائل التربوية؛ فالكتبُ المدرسية تغرسُ في نفوس الأبناء هذه المضامين بما يخدم العملية التربوية؛ خصوصاً أن لكل زمان ظالماً كـــ(يزيد) يجب حربه، وصياغة ذلك بصور تربوية تناسب المراحل المدرسية المتعددة.
كل ذلك من أجل إيجاد جيل من الطلاب الإيرانيين ليس لديه أدنى استعداد لمناقشة ما غرس فيه من هذه المسلمات، بحيث يستحيل حتى مناقشتها.
إنّ الخطابّ المتشددّ الذي ورد في موضوعات التنشئة العسكرية رسّخ، وغرسَ في عقل الطالب أنه عبارةٌ عن جزء من منظومة عسكرية، وليس منظومة تعليمية، بحيثُ يشرفُ الحرسُ الثوريّ الإيرانيُّ على ذلك بشكل مباشر؛ مما أسهمَ في إعادة ربط الطالب فكرياً بالجيش وأجهزة الأمن، كل ذلك طبعاً بهدف تكوين علاقة وجدانية مع هذه المؤسسات، مما جعل الطالب الإيراني يدور في عجلة العسكرة، بدلاً من أن يكون جزء من عجلة التعليم.
تحاولُ الكتبُ المدرسيةُ الإيرانيةُ ترسيخَ المحدّدات العسكرية والأمنية التي ينبغي أن تعتمد عليها إيران:
المحدد السياسي:
تحاول هذه المناهج صياغة فكر سياسيٍّ قائمٍ على أساس أن علاقات إيران مع الخارج هي (صراعية) بامتياز، بحكم نظرة العالم الخارجي السلبي للثورة وللشعب الإيراني ولإنجازاته العلمية ….، ومما يفاقم من عملية تأثير العسكرة في النظام التعليم في إيران هو حقيقة أن الكتب المدرسية الإيرانية تكرس منهجاً يدعو لمواصلة حالة الصراع مع الآخر. حيثُ أسهمت في إشعال جذوة النزاعِ من خلال تكريس حالة الحرب المستقبلية، وما ستكون عليه.
المحدد العسكري:
تحاولُ الكتبُ المدرسية الإيرانية تناول التغييرات والتحولات التي طرأت في المجال العسكري، حيثُ تركّز هذه الكتب على نظرية ” الزعامة الإيرانية ” .
ولتحقيق ذلك الهدف تحاول الكتب المدرسية التركيز على أهمية امتلاك إيران لعناصر الاقتدار، وتراعي الكتب المدرسية التركيز على ذاتية بناء إيران لقوتها.
المحدد الأمني:
تحاولُ الكتب المدرسية الإيرانية بناءَ حصيلةٍ معرفيةٍ واسعةٍ لدى طلبة مدارسها بالعلوم الاستخبارية ، والأمنية داخلَ إيران وخارجها.
المحدد المذهبي:
يُعتبرُ المذهبُ الشيعيّ مصدراً هاماً من مصادر فلسفة الكتب المدرسية في إيران؛ فقد اعتمدت هذه الكتب اعتماداً كبيراً على المذهب في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التشيع من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الطلاب الإيرانيين.
كذلك يعتبرُ قادةُ الثورةِ أنَّ أمنَ الثورة واستمرارها يرجع في المقام الأول إلى تمسكهم بهذه المعتقدات.
أما الأمر المهم في هذا المجال فهو سعيها لأن تغرسَ في عقول طلابها امتلاكها لسلاح ” الإسلام الحقيقي “، وأن لدى إيران رسالة عالمية لبسطه، ونشره تحقيقاً “للوعد الإلهي.
كذلك حافظت الثورة على أهمية مسألة الأمن، فكان العامل الرئيس في محاولة توحيد الطلاب عموما، ومحاولة رفع التأييد والمؤازرة للأهداف الثورية. فضمنت مناهج التعليم في مختلف مراحل موضوعات لدعم النزعة الأمنية وإعطائها صبغة مذهبية.
المحدد السياسي:
توظّفُ الدولةُ الإيرانية هذا العنصرَ ليعوّض من بعض إخفاقاتها السياسية من خلال عدم قدرتها على بناء علاقات تقوم على أساس الديمومة والاستقرار، ورفع مستوى علاقاتها الخارجية، واستقرارها، لهذا تكاتفت العملية التربوية مع الأمن لتعظيم مسألة استهداف الثورة .
المحدد القيادي:
ركزّت الكتبُ المدرسية على محورية أهمية القيادة من خلال تحليل دور القائد وصلاحياته في رسم السياسة العامة للدولة؛ خاصة العسكرية والأمنية.
المحدد التكنولوجي:
تسعى الكتبُ المدرسيةُ الإيرانية إلى غرس قيم الإبداع، والتميز لدى الطالب الإيراني عن طريق اسهامات العلماء الإيرانيين في الابتكار والتفوق، والتركيز على مختلف صنوف الحروب حتى غير التقليدية؛ ولا سيّما في المجال الالكتروني .
المحدد الاقتصادي:
تسعى الكتبُ المدرسيةُ الإيرانيةُ إلى غرس أهمية قيم الإنتاج ودور العامل الاقتصادي في رفد إيران بعناصر القوة، ودفع الطلاب حتى يكونوا عناصر فاعلة لدعم الاقتصاد الإيراني .
المحدد الاجتماعي:
تهدفُ الكتبُ المدرسية الإيرانية إلى تنبيه الطلاب إلى المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، حفاظاً على منعة الجبهة الداخلية وتماسكها.
رادت كتب التنشئة العسكرية، والأمنية أن تجيبَ على سؤال جوهريّ، وهو كيفيةُ تحقيق الأمن للشعب “الإيراني الشيعي ” قليل العدد، مقارنة مع كثرة ” محيطه “المعادي”. وهو ما أدى به إلى الاتجاه نحو عدد من المبادئ، شكلت ركائز التنشئة العسكرية في الكتب المدرسية، أبرزها:
أولاً: اعتبار أنّ كلّ الشعب الإيراني هو جيش المهدي المسلح.
ثانياً: التربية والتدريب العسكري هي عملية تهدف إلى خلق وتحسين قدرات طلاب المدارس في أدوارهم المطلوبة من خلال تأهيلهم عسكرياً واستخبارياً داخل إيران وخارجها .
ثالثاً: لتحقيق ذلك، يتمّ إخضاع الطلاب لدراسة نظرية و لتدريبات جسدية ونفسية، بما يكفل تنشئة أجيال من الشباب المؤهلين لتأدية الخدمة العسكرية.
مواضيع التنشئة العسكرية في الكتب المدرسية الإيرانية :
إن برنامج التربية العسكرية والأمنية الذي عرضته الكتب المدرسية يحمل في طياته أهدافا عديدة؛ من أبرزها تعميق مفهوم الأمن الشامل من خلال تأصيل الانتماء والولاء والمسؤولية لإيران الدولة والثورة، وتعزيز الوعي الأمني في أوساط طلبة المدارس، من خلال تنمية الثقافة العسكرية والأمنية لديهم، وتدريبهم على كيفية إدارة الأزمات والتعامل معها.
لقد حرصت الكتب المدرسية كل الحرص على التنشئة العسكرية والأمنية في أوساط كافة طلبة المدارس بمراحلها المختلفة، وترسيخه في وجدانهم، على اعتبار أن هذه المسؤولية يتحملها الطلاب وأجهزة الأمن والجيش على حد سواء.
من هنا تغرس الكتب المدرسية فكرة أنّ الطالبَ يجب أن ينظر إلى رجل الجيش والأمن والمخابرات على أنه الأب والأخ الحامي له والساهر على أمنه وراحته وسلامته.
تشتمل الكتب المدرسية على رزمة من مواضيع التربية العسكرية والأمنية منها التدريب على السلاح، التعريف بصنوف الحروب: التقليدية، غير التقليدية– فن القتال، حرب العصابات، الجيش الشعبي وتنظيمه، التربية في مجال المخابرات: جمع المعلومات، التجسس، مكافحة التجسس غرس أهمية المخابرات (كأحد مبادئ الحرب)، ودورها لإسناد قوة الجيش، ومعرفة أساليبهما في القتال، والإلمام بنقاط القوة والضعف، للعمل على حسن استغلالها، بما يكفل سهولة هزيمة العدو. حيث تركز الكتب المدرسية الإيرانية على أهمية التجسس لحماية الدولة سواء كان الطالب داخل إيران أم خارجها، وما هي طبيعة المعلومات المهمة لإيران وأمنها، وبالمقابل منع التجسس على بلدهم، عمليات التمويه ….
كذلك يتم تدريس الطلبة منهجية إدارة الأزمات، والتوعية المرورية، والحفاظ على الممتلكات العامة، ومكافحة الجريمة، ويتم تقديمها للطلبة بأسلوب علمي للطلاب الكبار، وقصص مشوقة للطلاب الصغار.
كما تعمل الكتب المدرسية على تدريب الطالب على التمسك بالنظام بوجه عام في مختلف نواحي حياته ودراسته، وذلك عن طريق غرس المبادئ التي تساعده على حمل قدر وافر من الانضباط الذي يسهم إلى حد كبير في تشكيل سلوكه نحو الآخرين.
كما أكدت على أعمال الدفاع المدني وواجباته زمن السلم وزمن الحرب:
– أبرزت الكتب المدرسية الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في التنشئة العسكرية، حيث تعرض صور الطالبة في المدرسة، تقرأ، وتتدرب على السلاح، وتحمله، وتشارك في الاستعراضات العسكرية، وبالتالي أصبحنا أمام امرأة تكوينها النفسي ووعاؤها التربوي عسكري فكيف سينشأ أبناؤها؟
حاولتْ الكتبُ المدرسيةُ الإيرانية بناءَ رؤية عسكرية، وأمنية أرادت غرسها في عقل الطالب الإيراني ووجدانه، وهي:
اتساع رقعة الأرض الإيرانية، وصغر حجم الدول الأخرى، وضعف إمكاناتها.
قوة العامل السكاني، مع إغفال وجود أقليات تعتبر قنبلة ديموغرافية موقوتة داخل إيران.
عدم وجود حلفاء فعليين لها، حيثُ تحاول الكتب المدرسية التركيز على هذا الأمر بشكل واضح، مع إعلان تبنيها لمفاهيم الثورة القائمة على حماية مستضعفي العالم.
4.إحاطتها بدول معادية ورافضة لثورتها.
5ـ قوة إمكاناتها القومية وامتلاكها لإمكانيات الدولة المتكاملة.
6- سعة النظرية العسكرية والأمنية الإيرانية، وذلك من خلال التأكيد على:
أ-. أهمية تقوية إيران عسكرياً وأمنياً.
ب. الجيش الإيراني وقوات حرس الثورة، وأجهزة الأمن، والباسيج ” قوات التعبئة “ هي العمود الفقري للحفاظ على إيران الدولة والثورة.
ج . متطلبات الأمن الإيراني، تستوجب بناء وتسليح الجيش الإيراني بالشكل الذي يسمح بالرد المناسب على التهديدات العسكرية من جانب الأعداء.
7- أدت جملة من العوامل الخاصة بالدولة الإيرانية الداخلية والخارجية ” الإقليمية والدولية ” إلى تنامي الحاجة إلى تفعيل التربية العسكرية والأمنية، ومن هذه العوامل:
أ ــ تنامي ظاهرة التيارات المسلحة المقاومة للدولة الإيرانية.
ب ــ ازدياد ظاهرة تعاطي المخدرات واستخدامها.
ج. ارتفاع نسب الجريمة المنظمة في المجتمع الإيراني.
د ــ ثورة المعلومات والاتصالات التي هددت أسس الثورة الإيرانية، وأثرت عليها في العمق، فقامت إيران بفرض رقابة صارمة على وسائل التواصل بحجة أنها تسوق للانحرافات السلوكية والأخلاقية، مما أدى إلى تزايد انتشار الأفكار والمضامين السلبية.
ه- نظرية المؤامرة .
و – مكافحة التجسس وتأهيل جيل من الطلاب قادر على ممارسة العمل الاستخباري داخل إيران وخارجها خدمة للثورة الإيرانية.