الاستثمار اولاً

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/15 الساعة 01:51
إذا صحت الإحصاءات التي تقول أن الأردنيين يستهلكون أكثر من (113%) من مداخيلهم المتصرف بها، أو ما يبقى تحت تصرفهم بعد الضرائب والرسوم والتبرعات، فهذا يعني أن الادخار الحاصل يأتي من جهتين: الأولى اصحاب المداخيل والثروة الكبيرة، والثانية من الادخارات الإلزامية الآتية من الضمان الاجتماعي، وشركات التأمين. وإذا تأملنا في الودائع لدى البنوك، فسنجد أنها تقارب (29) بليون دينار في نهاية عام (2016)، منها ودائع تحت الطلب بقيمة تقارب (9) بلايين دينار، والباقي (20) بليونا ودائع توفير ولأجل. وإذا طرحنا منها ودائع الحكومة والمؤسسات العامة والبلديات فسوف يبقى منها ما يساوي (5ر27) مليار للقطاع الخاص بما فيها الودائع بالعملات الأجنبية. وبالمقابل، فإن مجموع الائتمان غير المسدد والمستحق على القطاع الخاص في نهاية عام (2016) ،يبلغ حوالي (19) بليون دينار. وبمعنى آخر، فإن ما لدى البنوك من فوائض لا يتجاوز (8) بلايين دينار بما في ذلك ودائعها لدى البنك المركزي. وإذا علمنا أن هذه بلغت (3ر6) بليون، فإن هذا لا يبقي مبالغ كبيرة قابلة للإقراض بهدف الاستثمار ولا تتجاوز بحدها الأقصى (9ر1) بليون دينار. وقد قام البنك المركزي بتطبيق بعض المبادرات الذاتية، ومبادرات أخرى أقرها مجلس السياسات الاقتصادية، مما وفر حوالي (6ر1) مليار دينار باتجاه تشجيع القطاع الخاص والشباب للاستثمار. وبعض هذه الامور ناجح، وبعضها أقل نجاحاً. ولكنها مبادرات بالاتجاه الصحيح. ولكن هذه الأرقام، وفي ظل الزيادة المطردة في الديون العامة سواء على الحكومة المركزية، أم على موازنات الدوائر المستقلة، أو البلديات (مؤسسات أهلية عامة)، فإن المستقبل لا يطمئن بأن الموارد المحلية سوف تفي بالغرض الاستثماري المطلوب. وتقول تقديرات متفاوتة أن كثيراً من أصحاب الادخارات الكبيرة يحتفظون بودائع كبيرة غير مقيمة في الاردن، إما في مؤسسات (أوف شور) خارج الاردن، او في بنوك اجنبية. وهنالك إقبال على الاستثمار خارج الأردن لشراء شقق في دول قريبة أعضاء في الاتحاد الاوروبي، وغيرها.وبالمقابل، فإن الأردنيين العاملين في الخارج صاروا يستثمرون مبالغ اكبر في الدول التي يعملون فيها عندما فتحت لهم أبواب الاستثمار خاصة في ظل المناخ المتردي للاستثمار محلياً. وفي ضوء الزيادة الكبيرة الحاصلة على حجم الائتمان الموجه للاستهلاك، فإن الصورة لا تنبئ بالتفاؤل الكبير حول مساهمة الاستثمارات المحلية في البرامج الاستثمارية المحلية. وحتى مؤسسة الضمان الاجتماعي، فإن مجموع ودائعها لدى البنوك التجارية بالكاد يصل (بليون) دينار. وهذه يفترض أن تكون الأموال السائلة الفائضة لدى الضمان بعد احتساب تسديداته للرواتب والتعويضات. وفي ظل المردود المتدني على استثمارات الضمان، فإن المؤسسة وذراعها الاستثماري مضطران إلى اتباع الحرص في اختيار الاستثمارات، والتأكد من أن العائد عليها سيكون مجزياً. أما هيئة الاستثمار التي انبثقت عن قانون الاستثمار، فما تزال مشغولة بحل مشكلاتها، وخلق حالة من التوافق بين المؤسسات المختلفة التي انضوت تحت لوائها. وقصة هذه الهيئة بحاجة إلى تقويم عميق لأن كل مؤسسة أو شركة فيها لها نظامها وأسلوبها وغاياتها. وأما النافذة الاستثمارية، فهي بلا أسنان لأن معظم ممثلي الدوائر الحكومية فيها لا يملكون حق القرار ويعودون إلى الدوائر والوزارات المختلفة، والتي تتخذ القرار بدون التقيد بالحاجة الملحة للاستثمار، وبدون تجاوز الخطوات الادارية غير الضرورية. ولهذا صارت النافذة الاستثمارية عقبة إدارية إضافية (عنق زجاجة)، أكثر مما هي مسرب مفتوح على سرعة الانجاز والقرار. المناخ الاستثماري في الأردن يراوح مكانه، وكل المؤسسات المسؤولة عنه معطلة له بما في ذلك أسلوب النقاش الذي يدور حولها في مجلس الوزراء نفسه. المطلوب إحياء هيئة الاستثمار، وفرض أسلوب عمل سريع، والإسراع في تعديل القوانين المعطلة للاستثمار. أما إذا لم نفعل، فإن اللامركزية التي نسعى إليها من أجل توسيع قاعدة المشاركة، سيكون من نتائجها ضياع آلية صنع القرار الاستثماري. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/15 الساعة 01:51