مجلس النواب
منذ أيام وأنا أتابع جلسات مجلس النواب, تذكرت أني في العام (2000) زرت البرلمان الألماني, وحين تدخل هناك تكتشف خربشات على الجدران, هي لم تكن خربشات ولكنها كتابات روسية تحتوي على أسماء الجنود وتوقيعهم, الذين احتلوا هذا المبنى في الحرب العالمية الثانية, وقد تركها الألمان ووضعوا عليها زجاجاً مفرغاً من الهواء, وحجتهم في ذلك... أنهم لايريدون نسيان التاريخ, وعلى كل زائر يدخل هذا المبنى, عليه أنه يتذكر أن المانيا دمرت تماماً... هي ذاكرة الحرب فقط.
في الداخل تجد لوحات لأهم الفنانين الألمان, وتجد نقوشا تمثل التاريخ الألماني.. وقبة زجاجية حتى يتذكر المشرع أن لا أحدا فوقه إلا الله... البرلمان الألماني تحفة فنية تاريخية, تسرد تاريخ الحرب وتاريخ النهضة وكفاح الألماني.. وللحظة تعتقد أنك تزور متحفاً للحياة السياسية وتاريخ الفن, أكثر من زيارتك لبرلمان..
في أميركا وحين احتل الناس في الإحتجاجات مبنى (الكابيتال) ظهر تمثال لجورج واشنطن, ولوحات فنية تحكي قصة الحرب الأهلية, كل زاوية في مبنى (الكابيتال) يوجد فيها إما لوحة وإما تمثال وإما صورة عن وثيقة الاستقلال, وأنا ظننت لوهلة أن ما اقتحم هو مبنى للتراث أو للتاريخ..
في مجلس النواب الأردني, لا تقع الكاميرا على لوحة للبترا, أو صورة عن أول اجتماع لمجلس تشريعي, مجرد خشب ورخام...ومايكريفونات, ألا يعرف رئيس مجلس النواب أن الملايين من البشر, يشاهدون الجلسات... لكنك تستغرب أن جدران المجلس التي ظهرت تظهر في الصور التلفزيونية, هي مجرد رسالة عن حجم إبداع النجار, والكراسي رسالة أخرى عن حجم إبداع (المنجد).. (والبرداية) الموجودة في الخلف تؤكد أن (الدراي كلين) قد نظفها بإتقان.. تحاول مثلاً أن تجعل عينك تقع على لوحة معلقة, تحكي تاريخ الأردن.. أو قصيدة لعرار, أو صورة لجرش.. أو حتى نقشاً لـ «أذرح».. أو تمثالاً حجرياً يحكي عن حقبة العمونيين.. أو حقبة المؤابيين.. أو حتى صورة ولو عابرة لمسلة ميشع.. ولكنك لا تجد, كل ما تلمحه هو مجموعة من (القواوير).. نصبت على الأطراف لتجميل المكان فقط..
المجالس التشريعية في العالم, هي متاحف تحكي قصة البلد وتاريخها.. بالمقابل لدينا المجالس التشريعية, هي قصص لإبداعات (النجارين والمنجدين).. ومن رسى عليهم عطاء الترميم..
كيف إذا سنتحدث عن مئوية الدولة, ومجالس نوابنا يحضر فيها الخشب فقط.. والجلد الأخضر الفاخر, أتمنى على رئيس مجلس النواب.. وفي لجة احتفالاتنا بهذه المئوية, أن يدرك بأن ملايين البشر في الأردن والعالم تشاهد المكان يومياً.. والكثير من الكاميرات ترصد الزوايا والوجوه والجدران.. ترصد المكان أحياناً أكثر من رصدها للأشخاص.. أتمنى أن يكون مكاناً يحكي تاريخنا, ليس بالكلمات والإنشاء بل بالفن والمنحوتات.. والصور.
لقد كتبت هذه الملاحظة قبل فترة, وأعيدها.. ربما التذكير قد ينتج حالة.
abdelhadi18@yahoo.com
الرأي