مؤسسات جاسوسية بيننا؟
لن أبدأ من المحاضرة التوصيفية العميقة للنائب عمر عياصرة أمام مجلس النواب في مناقشة الثقة للحكومة ولن أنتهي عند كلمة النائب المخضرم عبدالكريم الدغمي، بل سأستخلص سطرا واحدا مما ورد في كلمة الدغمي إذ وصف مراكز داخل الأردن بأنها مؤسسات للجاسوسية، وهذا أمرّ خطير إذا اعتمدنا الروايات على أنها حقائق، ويبدو أن الرجل يقصد مراكز دراسات معينة نعرفها جميعاً ونعلم مصادر تمويلها الخارجي ضمن القانون الذي سمح لها بذلك، وغالبيتها مدعومة من مؤسسات في أوروبا ومراكز أميركية، حولت أوراق البحث والتقارير إلى ورق نقد يدر على بعضهم مئات آلاف الدنانير.
نعود إلى قصة الجاسوسية التي لا تتوقف عند دولة وحدها، بل إن الكثير إن لم يكن غالبية الدول التي تتمتع بسلطات عالمية مع دول العالم الثالث تركز كثيراً على ما يسمى «تقرير الظل» وهي بالتالي تعتمد على مراكز بحوث ودراسات تحت مسميات عدة لتفهم نمط أنظمة الحكم في التعاطي مع القضايا الخاصة بالحريات والديمقراطية والانفتاح العالمي قضايا لا يقبلها كثير من الشعوب، كمسائل تغيير الدين والإجهاض والمثلية الجنسية والزواج المدني وغيرها من القضايا التي تنزع عن الأمم هويتها، وهذا ما اعتمدت عليه الدول الغربية تحديدا في محاولة لخلق تيارات داخل المجتمعات النامية تشذ عن أسس العقائد الدينية والسياسية.
وحينما نتوقف عند توصيف النائب الدغمي لمؤسسات ما بأنها جاسوسية، فعلينا أن نتوقف عند كلمة النائب العياصرة عن دور المؤسسات المهم في تدعيم الحالة الوطنية وإسناد النظام العام والحكومات المتعاقبة والجمهور الوطني من خلال العودة الى المؤسسات الراتبة والواضحة في معالمها كقلعة لحماية الوطن والمواطن سياسياً واقتصادياً ومعرفياً، وقضية المؤسسات ناقشناها منذ زمن بعيد، وقاتلنا بالأحرف والنداءات للحفاظ على هويتها الوطنية لتبقى رمزاً لا يمس تحت أي ظرف صعب، ودون أي تدخل خارجي لتدجين الفكر الوطني وصناعة التبعية بواسطة مندوبين محليين عن المنظمات العالمية التي يقودها فكر اغترابي.
قد لا يعجب البعض تلك التوصيفات، ولكنها جزء من الحقيقة الواضحة، وهذا ما تتحمل مسؤوليته الحكومات التي تترك الباب مفتوحا لكل شارد ووارد على نبع التمويل الأجنبي، فكيف تعتمد مراكز ممولة خارجياً لتعطينا نتائج يتحكم بها شخص أو بضعة أشخاص عن السياسات أو نتائج انتخابات أو خروقات حدثت هنا أو هناك، فيما هناك المركز الوطني لحقوق الإنسان وهناك مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية وديوان المحاسبة الذي يكشف سنويا التجاوزات الرسمية بالأرقام، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
في أغلب السفارات هناك مسمى ضابط سياسي،وجزء كبير من عمله هو رصد الوضع المحلي للبلد الذي هو فيه، وتنتقل التقارير لخارجية بلاده كتقييم للحالة السياسية في ذات البلد،وهو جزء من الحالة الجاسوسية الرسمية، أما ما رأيناه عندنا فقليل من المراكز قدمت خدمات توعوية وكشفت عن تجاوزات وخروقات مسكوت عنها بغية الإصلاح سياسيا واجتماعيا، وهذا يجب أن يكون تحت رقابة ومحاسبة للتقارير التي تطير خارج البلاد بحقائق أو بتضخيم الكذب.
في دخولنا للمئوية الثانية علينا أن نعيد انتاج مؤسساتنا الوطنية التي تدافع عنا وندافع عنها دون بغي ولا تجسس ولا تلصص مدفوع الثمن.
Royal430@hotmail.com
الرأي