نوفان العجارمة: التكييف القانوني لأشخاص القانون العام المهنية (النقابات)

مدار الساعة ـ نشر في 2021/01/04 الساعة 12:36

مدار الساعة - تحت عنوان "التكييف القانوني لأشخاص القانون العام المهنية (النقابات)" قال الوزير ورئيس ديوان الرأي والتشريع السابق المحامي الدكتور نوفان العجارمة:

أن معيار التفرقة بين أشخاص القانون الخاص وأشخاص القانون العام الإقليمية يبدو في الواقع سهلا ميسورا، كون النوع الأول يتميز أما بكونه مجموعة من الأموال ترصد لتحقيق عمل ذي صفة إنسانية أو دينية أو علمية... الخ (المؤسسات) وأما أن يكون جماعات خاصة أسسها الأفراد سواء بقصد تحقيق ربح مادي (الشركات) أو بقصد تحقيق نفع عام أو ربح غير مادي (الجمعيات)، في حين أن أشخاص القانون العام الإقليمية ما هي إلا أجزاء أرضية أو إقليمية اعترف لها المشرع بالشخصية المعنوية ليضمن لها شيئاً من الاستقلال في إدارة مصالحها أو مرافقها لتحقيق الصالح العام كالدولة و البلديات وغيرها.

ولكن قد تدق التفرقة بين أشخاص القانون الخاص من ناحية وأشخاص القانون العام المرفقية أو المصلحية من ناحية أخرى وذلك لما بينهما من تشابه سواء في نوع النشاط الذي تمارسه كل منها، والاعتراف لها جميعا بالشخصية المعنوية بل والاعتراف لبعض المؤسسات الخاصة بصفة النفع العام شأنها في ذلك شأن الهيئات العامة.

فكيف يمكن إذن التمييز بين هذه الأشخاص جميعا؟

تعددت في الواقع المعايير الفقهية في هذا الشأن ونذكر منها على سبيل المثال المعايير الآتية:

1. أن أشخاص القانون الخاص تهدف إلى تحقيق مصلحة أعضائها في حين أن الأشخاص العامة تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة.
2. أن أشخاص القانون العام تنشأ بقانون في حين أن الأشخاص الخاصة إنما تنشأ بإرادة مؤسسيها أو بواسطة أشخاص اعتبارية خاصة أخرى.
3. أن أشخاص القانون العام دون أشخاص القانون الخاص تمارس امتيازات السلطة العامة.
4. إن الانضمام إلى أشخاص القانون الخاص يكون اختيارياً في حين أن الانضمام إلى أشخاص القانون العام يكون إجبارياً.

ألا أن هذه المعايير المختلفة لم تفلح في إيجاد تفرقة جامعة مانعة بين نوعي الأشخاص محل البحث، ذلك أن هذه المعايير تكون في الواقع مشتركة بدرجة أو بأخرى في كل من أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص.
لذلك اتجه القضاء إلى رفض وضع معيار موحد يجري أعماله في جميع الحالات واكتفى ببحث كل حالة على حدة مستأنساً في هذا الصدد بإرادة المشرع الصريحة أو الضمنية وذلك من خلال بحثه لجملة القواعد القانونية الخاصة بالشخص القانوني محل البحث، لتقدير ما إذا كان هذا الشخص منتمياً إلى أشخاص القانون العام أم إلى أشخاص القانون الخاص. ويبدو هذا جلياً من قضاء المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها الصادر بتاريخ 8/12/ 1962 إذ تقول إنه " لا مندوحة من أن يوكل أمر التكييف القانوني للمؤسسات، وهل هي عامة أم لا، إلى تقدير القضاء، في كل حالة على حدة، والقضاء في تقديره لكل حالة يستعين بالمقاييس في مجموعها بوصفها علامات تهدى إلى حقيقة طبيعية المؤسسة، فهو يرجع إلى النصوص التشريعية أن وجدت ليعرف ما إذا كان المشرع قد أعلن بوضوح عن إرادته فيما يتعلق بطبيعة المؤسسة أم لا ولا يجتزئ بذلك بل يستهدى بأصل نشأة المؤسسة وهل هي من خلق الإدارة أم من خلق الأفراد، كما يستأنس بمدى اختصاصات السلطة العامة التي تتمتع بها المؤسسة، وهل لها مثلا حق فرض الضرائب والرسوم أم لا، ويستنير أيضاً بمدى رقابة الإدارة على المؤسسة من الناحيتين الإدارية والمالية ثم يستنبط من كل أولئك وما إليه تقديره لحقيقة طبيعة المؤسسة.

كما استلزم الديوان الخاص بتفسير القوانين(قراره رقم (19/1965 ) ) جملة من العناصر لإضفاء صفة المؤسسة العامة على الوحدات الإدارية ومن ثم انتمائها إلى أشخاص القانون العام حيث يقول (( إن العناصر المميزة للمؤسسة العامة حسبما استقر عليه الفقه القانوني هي : أن تكون من أشخاص القانون الإداري وتدار وفقا لتنظيم القانون العام وأساليبه وتستخدم السلطة العامة في سبيل تحقيق أهدافها ، و أن تكون الخدمات التي تقوم بها خدمات عامة . و أن تعتبر أموالها أموالا عامة وأن تتبع في حساباتها ورقابتها القواعد المتبعة بشأن أموال الدولة ، وأن يعتبر موظفوها موظفين عموميين وقراراتهم قرارات إدارية .و أن يكون لها حق إبرام العقود وأن تتمتع بامتيازات مالية مختلفة .... فإذا كانت عناصر المؤسسات العامة بالمعنى القانوني والفقهي متوافرة في الجامعة فتعتبر عندئذ مؤسسة تابعة للحكومة وإذا كانت غير متوافرة فيها فلا تعتبر كذلك....)) .

اما أشخاص القانون العام المهنية ( النقابات) : فقد ظهر هذا النوع من الأشخاص ابتداء من عام 1940 وذلك عندما نظمت حكومة فيشى، أثناء الحرب العالمية الثانية، لجانا أطلقت عليها لجان التنظيم المهني، مهمتها كانت تنظيم الإنتاج الصناعي ودراسة وسائل دعمه. ورغم أن المشرع لم ينص على اعتبار هذه اللجان مؤسسات عامة إلا أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبرها من أشخاص القانون العام على أساس أنها هيئات متخصصة لإدارة مرافق عامة.
وفي عام 1943 أصدر مجلس الدولة الفرنسي حكما آخر قرر فيه أن نقابة المهن الطبية، وأن لم تعتبر من قبيل المؤسسات العامة، إلا أنها شخص من أشخاص القانون العام، على أساس أن هذه النقابة تقوم على إدارة مرفق عام تتولى تنظيمه والرقابة عليه، وأن قراراتها قابلة للطعن بالإلغاء وأن الانضمام إليها إجباري ومهنة الطب قاصرة فقط على أعضائها، كما أنها تملك سلطة تأديب هؤلاء الأعضاء.

وفي مصر قرر مجلس الدولة المصري صراحة أن النقابات المهنية هي أشخاص إدارية من أشخاص القانون العام، ذلك لأنها – تقول محكمة القضاء الإداري – تجمع بين مقومات هذه الأشخاص: فإنشاؤها يتم بقانون أو بمرسوم أو بأية أداة تشريعية أخرى. وأغراضها وأهدافها ذات نفع عام. ولها على أعضائها سلطة تأديبية. ولهؤلاء الأعضاء دون سواهم حق احتكار مهنتهم. واشتراك الأعضاء في النقابات أمر حتمي. ولها حق تحصيل رسوم الاشتراك في مواعيد دورية منتظمة. ويترتب على ذلك أن قراراتها تعتبر إدارية مما يجوز الطعن فيها بدعاوى الإلغاء.

إما في الأردن فقد نص الدستور صراحة على حق الأردنيين في إنشاء النقابات ، في المادة (16/2) من الدستور، والنقابات المهنية (كنقابة الأطباء و المحامين) تقوم بإدارة مرافق عامة، و إدارة هذه المرافق يدخل أصلا في صميم اختصاص الدولة بوصفها مهيمنة على إدارة وتسيير المرافق العامة في الدولة وقد أناطت المادة (45) من الدستور بمجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد او يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي قانون إلى أي شخص او هيئة اخرى ، وعليه، فان تخلي مجلس الوزراء – بموجب قانون- عن إدارة هذه المرافق (النقابات) لصالح أعضاء المهنة أنفسهم، يتفق وأحكام الدستور، لأن أصحاب المهنة اقدر من غيرهم على إدارة وتنظيم شؤون مهنتهم ، وفي كل الأحوال فان الإدارة تحتفظ بحقها في الرقابة والإشراف على هذه النقابات تحقيقا للصالح العام .

وعلى أي حال، فان المشرع الأردني أصدر العديد من التشريعات التي أنشئت بموجبها العديد من النقابات المهنية كنقابات المحامين والأطباء والمهندسين، وقد نصت تلك التشريعات على منح النقابات الشخصية المعنوية فمثلا تنص المادة (3) من قانون نقابة المحامين النظاميين 11 لسنة 1972 على((تتمتع النقابة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي ويتولى شؤونها مجلس تنتخبه الهيئة العامة وفقاً لأحكام هذا القانون ويمثلها النقيب لدى الجهات القضائية والإدارية وأمام الغير )).

ولكن المشرع لم بين نوع هذه الشخصية هل هي شخصية معنوية عامة أم خاصة ؟

لقد اعتبرت محكمة العدل العليا - في بادئ الأمر- النقابات المهنية أشخاصا معنوية عامة ، وقراراتها تعتبر إدارية تقبل الطعن أمام محكمة العدل العليا حيث تقول في الدعوى رقم 82/1974 ((..إن نقابة المهندسين تعتبر بمقتضى قانونها الخاص شخصا من أشخاص القانون العام، ولهذا فان أي قرار إداري يصدر عنها يعتبر قرارا قابلا للطعن أمام محكمة العدل العليا عملا بالبند (و) من الفقرة الثالثة للمادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية، ما دام لا يوجد نص في قانون نقابة المهندسين رقم 15 لسنة 1972 يحصن قرار المجلس من الطعن به أمام هذه المحكمة....)).وتقول في الدعوى رقم 85/1980 ((..إن إدارة مرفق تنظيم مهنة الأطباء من صميم اختصاص الدولة فإذا أناطت بمقتضى قانون النقابة أمر تنظيم شؤون هذه المهنة مع احتفاظها بالإشراف والرقابة وتحقيقا للصالح العام فان القرار الذي تصدره إدارة هذا المرفق يعد قرارا إداريا...)) .

ولكن المحكمة عدلت عن اجتهادها السابق، وأصبحت تعتبر النقابات المهنية أشخاصا معنوية خاصة، وقراراها لا تقبل الطعن أمام محكمة العدل العليا، إلا إذا وجد نص خاص يجيز الطعن بتلك القرارات أمام المحكمة حيث تقول في الدعوى رقم 105/2008 ((..جرى الفقه والقضاء الإداريين على أن القرار لا يُعتبر قراراً إدارياً خاضعاً للطعن أمام محكمة العدل العليا ما لم يكن صادراً عن سلطة إدارية أو مؤسسة عامة أو شخص من أشخاص القانون العام، وبما أن نقابة أطباء الأسنان ليست واحدة من هذه الجهات ، فإن ما يترتب على ذلك أن القرارات التي يصدرها مجلس هذه النقابة لا تقبل الطعن بالإلغاء أمام محكمة العدل العليا إلاَّ ما ورد عليه النص بقانون النقابة على جواز الطعن فيه استناداً لنص المادة (9/أ/8) من قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 ... )) وتؤكد المحكمة على هذا الاتجاه في حكم آخر حيث تقول في الدعوى رقم 106/2008 ((..لا تعتبر نقابة المحامين من اشخاص القانون العام حتى يكون أي قرار يصدر عنها قابلاً للطعن أمام محكمة العدل العليا بدعوى الإلغاء .... إن حق المستدعي بالطعن بقرار مجلس نقابة المحامين يكون في حالتي الرفض أو الاستبعاد ، وحيث أن القرار المطعون فيه هو قرار قبول تسجيله في سجل المحامين والأساتذة المزاولين وليس رفضاً أو استبعاداً ، لذا فإن القرار المطعون فيه ليس بقرار قابل للطعن من قبل المستدعي سنداً لنص قانون نقابة المحامين مما يستوجب تبعاً لذلك رد دعواه شكلاً)).

وامام هذا الاختلاف والتباين في الاجتهاد قررت المحكمة الإدارية العليا الاردنية في هيئتها العامة في الدعوى رقم 62/2017 بان النقابات المهنية من أشخاص القانون العام حيث تقول ( ..لذلك نقرر رجوعاً عن أي اجتهاد سابق أن نقابة الأطباء الأردنية والنقابات الأخرى المنشأة بقانون من أشخاص القانون العام وأن قراراتها النهائية بشأن منتسبيها قرارات إدارية قابلة للطعن..).

من جانبه اعتبر الديوان الخاص بتفسير القوانين( بقراره رقم 11/1969) النقابات المهنية (مؤسسات شبه حكومية) حيث يقول ((... إن المؤسسات الحكومية قد عرفت بأنها المصالح الإدارية التي أنشئت بقانون بقصد المساهمة في تأدية وظائف الدولة وأما المؤسسات شبه الحكومية فهي:

1. المؤسسات العامة غير الحكومية التي تنشأ بقانون وتمنح الشخصية المعنوية للقيام بنوع معين من الخدمات العامة وتحقيق غرض أو أغراض محددة تحت إشراف الدولة ورقابتها البلديات والمجالس القروية .
2. الهيئات التي تنشأ بقانون لتقوم على رعاية مصالح طوائف معينة من ذوي المهن وتمثل مصالح هذه الطوائف ولها على أفرادها سلطات مستمدة من القانون وهي سلطة لائحية لتنظيم أعمالهم وشؤونهم وسلطة إصدار قرارات إدارية في هذه الشؤون ثم سلطة فرض رسوم عليهم كالغرف التجارية والصناعية ونقابات أصحاب المهن الحرة كمهنة المحاماة والطب والهندسة وما ماثل ذلك ).

مدار الساعة ـ نشر في 2021/01/04 الساعة 12:36