أردني اميناً عاماً للجامعة العربية، ما المانع؟
بقلم: عادل حواتمة/ بريطانيا
شهد قصر الزعفران في القاهرة في آذار من العام ١٩٤٥ إقرار بروتوكول الإسكندرية؛ الذي عمل على صياغته سبعٌ من الدول العربية بينها الأردن، وكان الهدف انشاء منظمة إقليمية - دون دولية - تسعى لتعزيز العمل العربي المشترك من خلال ترسيخ العلاقات بين الدول العربية في مجالات شتى مُتضمناً تنسيق الخطط السياسة الخارجية، وقد تم اختيار الدبلوماسي المصري عبد الرحمن عزام كأول امين عام لمدة سنتين كما تم اختيار القاهرة لتكون مقراً للجامعة.
لا يخفى على أحد مكانة الدور المصري الديموغرافي والسياسي والعسكري في تلك الاثناء، سواء أكان تحت الحكم الملكي او لاحقاً حتى وقت قريب اثناء الحكم الجمهوري؛ ولكن الظروف السياسية، ونماذج السلطة وكفاءتها في تبدل دائم كما هي المصالح بين الدول.
إن الاعتراف العربي بتلك المكانة المصرية وقتها، يجب ألا يفهم على انه كان تفويضاً مفتوحاً للقاهرة بأن تقود الامة العربية على هواها؛ أي الى اتجاهات متضاربة ومتغايرة احياناً؛ فتلغي حقوق الاخرين المشروعة مقابل مصالحها الذاتية. فقيادة الامة العربية مثلاً لا تتفق وخروج مصر من دائرة العمل العربي القومي، وابرام أول وأخطر اتفاق للسلام مع إسرائيل، والذي شكل بداية الوهن والانهزام العربي تجاه القضية المركزية في المنطقة. كما انه لا يعني بحال من الأحوال تهميش وتهشيم قاعدة المساواة بين الدول العربية والتي نصّ عليها ميثاق الجامعة والمتضمن عيناً لا حصراً حق الدول في ترشيح أمناء عامين للجامعة العربية وهذا هو الغرض من هذا المقال.
تنص المادة الثانية عشرة / ب (٥) من الميثاق: على القرارات التي تحتاج لموافقة اغلبية ثلثي أعضاء مجلس الجامعة، ومنها منصب الأمين العام، حيث وردت حرفياً كلمة (تعيين) ولم تذكر كلمتي انتخاب أو/واختيار إما سهواً او قصداً! فانطباع هذه المادة الصريح والضمني يُبرز للقارئ أن الأمين العام يتم اختياره وليس تعيينه؛ بدليل الثلثين الواجب تحقيقهما والا لما كان هناك حاجة لان يقوم المُشرع بالتأكيد على أن صلاحية المنصب تستوجب حجماً محددا ً من الأصوات.
خلال عمر الجامعة على مدى ٧٦ عاماً تولى الأمانة العامة ثمانية أمناء، سبعة منهم مصريون وهم: عبد الرحمن عزام، عبد الخالق حسونة، محمود رياض، أحمد عصمت عبد المجيد، عمرو موسى، نبيل العربي واحمد أبو الغيط – الأمين العام الحالي. وامين عام واحد فقط لم يكن مصرياً وهو التونسي الشاذلي القليبي من عام ١٩٧٩ تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد (مصر-إسرائيل) والذي انتقل به مقر الجامعة الى تونس حتى عام ١٩٩٠ تاريخ حرب الخليج الثانية، حيث عاد مقر الجامعة مرة أخرى الى القاهرة، وعادت سيطرة مصر على منصب الأمين العام بعودة احمد عصمت عبد المجيد.
والسؤال هنا: ما مدى شرعية هذا الاحتكار المصري لمنصب امين عام جامعة الدول العربية؟
ينطلق البعض من قاعدة العُرف والتي ان توافرت أركانها المادية والمعنوية فإنها تكتسب الصفة القانونية، وبالتالي تُصبح ُملزمة لأعضاء المجتمع والمقصود هنا الدول العربية بشخصياتها الاعتبارية. لن اخصص هذا المقال للخوض عميقاً في العُرف واركانه والزاميته وشروط تحققه؛ ولكن سنذكر دليلاً على عدم الزامية هذا النوع من (العُرف) لإخلاله بالركنين المادي والمعنوي. فاذا تحق مبدأ التواتر لفترة من الزمن وتحديداً من ١٩٤٥-١٩٧٩ ثم انقطاع من ١٩٧٩-١٩٩٠ فان هذا ينسف الركن المادي من ناحية الثبات والاستقرار. كما ان ترشيح السودان لشخصية سودانية لمنصب الأمين العام عام ١٩٦٨ إلى جانب ترشيح قطر اميناً عاماً قطرياً عام ٢٠١١ من شأنه ان يقوض ما تبقى من شروط تحقق الركن المادي ذو الصلة بالقبول العام للسلوك الى جانب العمل به بطريقة موحدة من قبل الأعضاء.
وهذا ما يقودنا إلى ضرورة تحقق الركن المعنوي لإلزامية العُرف والذي لا يتسق والحالة محل النقاش. فالركن المعنوي مؤداه ان يتأصل شعور (بإلزامية) هذا السلوك بين الأعضاء وان عليهم اتباعه وعدم مقاومته. وهذا لم يتحقق في المثالين السابقين السوداني والقطري والذين يدعمان عدم استقرار الإلزامية في اذهان الأشخاص الاعتباريين ولم يتصرفا بمبدأ الإلزامية. ثمة بون شاسع بين سلوك المُجاملة والتوقير، وبين السلوك المدفوع بشعور الإلزامية التي لا تقبل المقاومة؛ على اعتبار ان المقاومة ُتعد انتهاكا للقانون ويترتب عليها عقوبة، وهو ما لم يحصل في الحالتين السابقتين؛ أي عدم التعرض لأي عقوبة.
بالإضافة الى ذلك ان ليس بالضرورة ان يكون الأمين العام من بلد المقر؛ فمقر الأمم المتحدة في أمريكا ولم يستأثر الامريكيون بالمنصب، كما تنتشر مقار العديد من هيئاتها في العالم ولم تستأثر به دول المقر ايضاً: من اليونسكو في فرنسا، الى المنظمة البحرية في بريطانيا، الى منظمة الصحة العالمية في سويسرا، الى المنظمة الدولية للطيران المدني في كندا وغيرها. وليس فقط المنظمات الدولية، بل إن المنظمات الإقليمية تختار امنائها العامين خارج قاعدة (دولة المقر) كالاتحاد الافريقي، والاتحاد الأوروبي، والآسيان الذي يختار الأمين العام بشكل دوري، واتحاد دول أمريكا الجنوبية والذي اختار ارجنتينياً ليكون اول سكرتير للاتحاد في دولة المقر الاكوادور، والامثلة على ذلك كثير.
والسؤال المُهم هنا: الى أي درجة يُعتبر منصب الأمين العام حاسماً حتى تهتم به الدول، وكيف من الممكن ان يساهم في إعادة بث الروح العربية الحقيقية بالجامعة؟ قد يبدو منصب الأمين العام لوهلة منصباً شرفياً وبالأخص للدولة التي ينتمي اليها الأمين العام، الا ان له دوراً لا ينحصر في الجانب الاداري فحسب، بل يمتد لدورٍ سياسي وقيادي لا يمكن تجاهله في تقريب وجهات النظر المُتباعدة وحشد الجهود لما فيه خيرا للامة.
وسؤال آخر مُلح هنا، يتصل بدرجة التوفيق بين ثنائية ان الجامعة كمنظمة إقليمية تُعتبر ضرورة عربية ولكنها بنفس الوقت غير فاعلة اوتم نزع فعّاليتها؟ إن المتأمل سيجد أن العالم حولنا يتجه نحو التكتلات والعمل الجماعي؛ سواءً السياسي او الاقتصادي او الأمني، ولك ان تتخيل عندما تندمج الدول المتقدمة اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً في روابط جماعية تضمن لها امنها ونموها، فإنك تدرك أهمية وجود مثل هذه المنظمة؛ لتَنظُم حبات الدول العربية في خيطها الرفيع، ولكن على الرغم من وهنه، الا انه يحفظها من التبعثر والتشظي. ولكن في المقابل ستجد بخيبة امل اين وصلت درجة رضا المواطن العربي عن أداء الجامعة وماذا تبقى من شرعيتها ومدى وجاهة الهدف الذي أنشئت من اجله في ضوء الدور الخجول الذي أصبح يُمارس من قبلها والذي أصبح للأسف يستعظم هذا الخجل ويتلاشى ببطئ. اذكر انه في فترة من الفترات كنا نقول ان جامعة الدول العربية هي منظمة الشجب والاستنكار حتى اصبناها بمقتل فأضحت اليوم لا تشجب ولا تستنكر.
إن ما يدلل على ضحالة الدور والتأثير- والذي يمكن تفعيله بتوفر الإرادة - هو نمو كيانات ذات صيغ تكتلية دون إقليمية تقول بعدم صلاحية النموذج، فمجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، والاتحاد العربي بين مصر والعراق واليمن والأردن جميعها بغض النظر عمن بقي منها او تعثر، لا شك دليل واضح على عدم تلبية الجامعة العربية لطموحات العرب وتدلل على قصور دورها؛ إما بسبب جمود ميثاقها العتيق او لضغوطات داخلية وخارجية تمارس عليها لتحد من دورها.
ما المخرج اذاً؟ لماذا لا تفكر الدول التي تعتبر نفسها ذكية بطريقة مختلفة؛ وتنظر بجدية في حقها في تولي منصب الأمين العام من جهة، ومن جهة أخرى تدرس مخرجات عملية تدوير المنصب او تفعيل مبدأ الانتخاب وبماذا يمكن ان يعود عليها. إن تدوير أو انتخاب الأمين العام من شأنه ان يقلل من حجم الانتقادات والضغوط للدولة التي ينتمي اليها الأمين العام سواءً على الأداء العام للجامعة بالمجمل أو على ردود الأفعال الباهتة تجاه القضايا الطارئة وبالأخص ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. الجامعة العربية في اشد الحاجة الان الى إعادة تفعيلها، وهذا لا يقتصر فقط على طريقة اختيار الأمين العام والذي يمتثل لإرادات الدول ولكن تغيير طريقة اختيار الأخير قد تكون الخطوة الأولى نحو اصلاح الجامعة العربية. العمل العربي المشترك الان في أدنى درجاته والقضية الفلسطينية على طريق التصفية، وقطار التطبيع مع إسرائيل لا يعرف الكوابح وينتقل سريعاً من محطة تلو الأخرى.
لا بد للجامعة العربية من ان تنقذ نفسها، وتحتفظ بما تبقى من شرعيتها؛ عن طريق رفع وتيرة العمل العربي والاقتراب أكثر من بوصلة العرب والمسلمين من خلال دعم حقوق الشعب الفلسطيني؛ بطريقة تكسب ود ودعم الجميع، وتنتج واقعاً مغايراً لما هو حاصل الان. ليس المطلوب قفزة في الظلام تُثير البعض وتخلق لديهم الشك والريبة؛ ولكن المطلوب خلق حالة من التوازن بين مصالح الدول الذاتية من جهة ومصالح المجموع العربي من جهة أخرى، والتي تتحقق من خلال طرف موثوق، ويملك خيوط متسقة من التوازنات بين مجموع الدول العربية، وذو تاريخ مُلتحم مع فلسطين ويزن من الحكمة والدبلوماسية ما يؤهله لذلك. هل عرفتموه؟ إنه الأردن.
aaah507@york.ac.uk