المساد يكتب: المناهج والذكاء الاصطناعي
بقلم: الدكتور محمود المساد
أصدرت الحكومة سياستها في الذكاء الاصطناعي، ولا شك في أنها خطوة تُسجّل لها أولًا؛ لأنها أدركت الدور الرائد والمستقبل الحتمي لتقنيات الذكاء الاصطناعي في تشكيل الوعي العام وتحديث الثقافة باتجاه المستقبل المفضي إلى الازدهار والرفاه، وثانيًا لتلمسّها الطريق الصحيح للتنمية الاقتصادية القائمة على تفوق الموارد البشرية عماد الدولة وثروتها المستدامة، وثالثًا لإظهارها الحيوية الكافية لتسخير الثورة التكنولوجية ومنتجاتها المتجددة في خدمة الفئة الأكثر من مجتمع الصغار في التعليم العام.
وهذا قد ينذر الجميع بجدية البدء بمرحلة إصلاحية ناضجة؛ كونها أشرت في محور السياسة الخامس إلى مدخل بناء القدرات الذي يبدأ بتشكيل الوعي المجتمعي ويستمر بالتعليم العام كتأسيس منطقي وينتهي بالتعلم العالي. وهنا حرصت السياسة على تأكيد لزوم إعادة التوجيه للتعليم المدرسي (الأساسي والثانوي) بضرورة اكتساب الطلبة للمهارات الأساسية التي تنمي معرفتهم وتطور مهاراتهم التي تقودهم لإنتاج المعرفة وإبداع الأفكار، وابتكار ما يعالج القضايا ويقفز على التحديات وينهض بمستوى الفكر وحسن الاختيار وترشيد القرارات.
وفي هذه الفرصة التي أتاحتها السياسة ما يوضح الطريق للمراجعة الهادفة لتمكين المشتغلين في مجال التعليم من اكتساب المهارات اللازمة، لتمكين الطلبة من متطلبات الذكاء الاصطناعي لغاتٍ وتطبيقاتٍ في كل ركن من بيئاتنا التعليمية وفي كل سلوك وفكر يصدر عن الطلبة في أثناء تعلمهم وفي مجال ممارساتهم المدرسية والحياتية، وهنا لا بد من وقفة تأمل لقيادات المؤسسات التربوية الفنية والإدارية للإجابة عن السؤال الكبير: كيف لنا أن نترجم غايات هذه السياسة على أرض الميدان التربوي بشكل شمولي منجز؟
فعلى صعيد المناهج وما يتصل بها من كتب مدرسية ومصادر تعلم متنوّعة، ينبغي للمنهج الخاص بمبحث الحاسوب أن يأخذ بمسارين: الأول ما يغطي الموقف التعليميّ لمبحث الحاسوب ذاته من الصف الأول وحتى الثاني عشر.
وثانيًا: مسار عابر للمواد الدراسية ومحتوى التعلم في المباحث والصفوف جميعها، بحيث يوظف المعلم جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأدواته كافّةً في خدمة تعلم الطلبة، انطلاقًا من توجهات الفكر للكوادر البشرية العاملة في الميدان وقناعاتهم بهذا التوجه الحديث.
والمكون الأهم من مكونات المناهج هو المعلم وتدريبه وتمكينه من كل ما يلزم له ليكون منتجًا للمعرفة متعلمًا باستمرار يدفع بطلبته نحو التعلم وإنتاج المعرفة وممارستهم لمهاراتهم المكتسبة في مجال الذكاء الاصطناعي في كل مواقفهم الحياتية.
أما الدور الأكبر والأكثر كلفة هو توفير بيئات التعلّم الحاضنة لمثل هذا التوجه وخاصة الاحتياجات التكنولوجية والدعم التربوي والتقني والاجتماعي الضامن لتعزيز الطلبة في إنجازهم للتعلم المطلوب.
ويعمل المركز الوطني لتطوير المناهج بالتنسيق التامّ مع وزارة التربية والتعليم والشركاء جميعهم على ترجمة توجهات الحكومة على طريق إعداد جيل المستقبل الكفيل بتحقيق تطلعات الدولة بالازدهار والرفاهيّة والريادة.