الرحامنة يكتب: كورونا أيضاً.. وقفة سريعة بعد عام بطيء ثقيل
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/28 الساعة 10:43
بقلم: علي أحمد الرّحامنة
يصعب في الواقع الخوض في أي باب من أبواب جائحة مرض كورونا (كوفيد-19) دون أن التساؤل عمّا سيُطرح، وعن كيفية الطرح؛ لكثرة ما أحدثه الفيروس اللئيم من آثار، كادت لا تعفي دولة أو جماعة أو فردًا من وقعها وتبعاتها.
ولأن ما تعجّ به وسائل الإعلام والاتصال والتواصل من اجتهادات وقراءات وتحليلات حول الجائحة يفوق ربّما ما "حظي" به أي حدث آخر، صار مجرّد الخوض في مسائل الجائحة مشوبًا بالتردّد والحيرة، لكلّ باحث عن الاتزان والموضوعية في الطرح. ويزيد في التردّد كثرة الدّلاء والمُدلين، عن علم أو جهل، وعن اختصاص أو بدونه، ولغرض أو آخر... وهذه الحال في مقاربة الجائحة ليست "حكرًا" على بقعة دون أخرى، على امتداد هذا الكوكب. ولكن بعض التأنّي والقبول بما يقبل به العلم والعقل والمنطق، قد يسمح بمقاربة الجائحة دون الوقوع في "إثم" عدم تبيّن ما يأتي من هنا وهناك. والتبيّن هنا ذو ضروب وأشكال يعزّ امتلاكها في كثير من الأحيان. فماذا تقول لمن "أنكر" وجود المرض؟ وبعد الوصول إلى المطاعيم: ماذا تقول لمن يقسم لك أن هناك "أجهزة استخبارات" سيُدخلونها إلى جسمك؟! وماذا تقول لعُشاق "نظرية المؤامرة" حتى ولو وصل الأمر لاتهام العالم -كل العالم، بالتآمر على العالم -كل العالم!! غريب فعلاً، ولكن "هذا هو الموجود"...
وبعيدًا عن مثل هذا التطرّف والشطط، ولو أخذنا ما يقول به الحسّ السليم والمنطق والعقل فحسب، فإن مقاربة موضوعية للمسألة ممكنة، ولو في حدود العموميّات. ومن هذا المدخل البسيط، يمكن استنتاج أن العالم أُخِذ على حين غرّة، وداهمته الجائحة، فأصبح الكل يبحث عن حلول، أمام أخطار من نوع جديد غير مسبوق، وهي أخطار اقتحمت ميادين الحياة دونما استثناء، وخاصة ميادين الصحة والاقتصاد، واللذين جرّا معهما مختلف ميادين الحياة الاجتماعية-الاقتصادية والسياسية (أيضًا)، وصولاً إلى الحياة النفسية للأفراد والمجتمعات.
واختلفت المقاربات، وتزاحمت الاجتهادات، وما كان هناك من حل نموذجي. وبعض الّذين يستقوون على الماضي وتجاربه عبر "الحكمة بأثر رجعيّ" ربما ما كانوا ليأتوا بأحسن ممّا أتى به غيرهم لو كانوا في موقع صانع القرار. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن أخطاء كثيرة وهامة وقعت، وهذه لا تحتمل إلاّ التوقف عندها، وتحديدها، خدمة للحاضر والمستقبل، وليس فقط في موضوعات الجائحة. وإذا كان هناك من رأى أن تلك أخطاء، قبل وقوعها، وهذ نادرًا ما حصل، فله الحقّ الأدبي باعتراف غير منقوص. أمّا من اجتهد ولم يُصب، وكان صادق النيّة حسنها، فإن له شرف المحاولة في ما لم يُصب به، وله شرف المحاولة والنجاح، فيما أصاب، حاله حال المجتهد في الإسلام: إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.
ينطبق هذا المنطق على جهود حكومة الدكتور عمر الرزاز، ومعها المؤسسات الوطنية الأردنية المختلفة، والشعب الأردني الذي حاول أبناؤه في غالبيتهم الساحقة، العضّ على جرح العوز والضائقة والمرض، بأمل الوصول إلى برّ الأمان، ولو بعد حين. وهنا، يتوقف كثيرون بالنقد أمام قرارات الإغلاق الشامل وآثارها القاسية.. ويبدو أن نظرة فيها بعض التمعّن تقول إن مداهمة الجائحة حدت باتجاه أولوية "مطلقة" هي منع النظام الصحي من الانهيار، بانتظار فرج علاج أو مطعوم، حفاظًا على صحة المواطنين وأرواحهم، فيما يقول آخرون، إن الإغلاقات "الكاملة الشاملة" كانت غير ضرورية صحيا، وضارة اقتصاديا واجتماعيا، فيما كان يمكن الاكتفاء بإغلاقات مدروسة ومحددة ومحدودة، بالتزامن مع عمل موازٍ على جبهة بنية المنظومة الصحية، منشآت وكوادر وعاملين، وهو ما تحقق مؤخرا، بالمستشفيات الميدانية، وبرفد النظام الصحي بمئات الأطباء والكوادر والعاملين.
ويندرج في الإطار نفسه تخمة الكمّ والنوع و"التنوّع" في القرارات وأوامر الدفاع والمصفوفات و"الفتوحات" والإغلاقات، والتي أصبحت بحاجة إلى "دروس خصوصية" لاستيعابها، ناهيك عن نجاح المعنيين في ممارستها.. وهنا، يبدو أن الرسالة وصلت، فاقتصدت في الأمر حكومة بشر الخصاونة، ما أمكنها، ومعها عدد من مؤسسات الدولة الأهم، ويبدو أنها تسعى إلى الحدّ من ظاهرة التأرجح التي طغت على المشهد العام لفترات. ولكن الأعباء لا تكتفي بهذا "الثبات النسبيّ"... والضغوط مستمرّة، وبعضها مرشح للتزايد، كما أن بعض الممارسات ذات "الصبغة الأمنية" المبالغ في ترجمة مقتضياتها أصبحت تتطلّب وقفة، وخاصة لجهة حرية الرأي والتعبير التي طالما اعتززنا أن سقفها السماء، بكلمات جلالة الملك.. والتحديات الاقتصادية والتعليمية، بعد الصحية، ماثلة، وتبعاتها لا تسمح بإجراءات جامحة، ولا أدلّ على ذلك من "بشائر" حبس الغارمين، الذين وصل أو سيصل عددهم إلى مئات الألوف حسب بعض التقديرات، والذين سيحتاجون إلى سجون "أين منها متطلبات كورونا نفسها!!".. والأمثلة كثيرة من وجوه يصعب حصرها، ولكن السهر على أن يصل الدعم لكل محتاج في هذا الظرف الاستثنائي، يجب أن يبقى الشغل الشاغل على ما يُؤمل، واسألوا عمّال المياومة! وإن كان من درس، فإن جوهره يقول: الدور المركزيّ للقطاع الحكومي (العام) في بعض المجالات، مثل الصحة والتعليم، ليس خيارا، بل ضرورة.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/28 الساعة 10:43