العجلوني يكتب: الأردن.. جوع أم سخط.. النُخب والشارع.. من يقود
بقلم: د. ابراهيم سليمان العجلوني
تتصدر الساحة الاردنية الكثير من الاخبار غير الموثقة (ليتبن لاحقاً أن أغلبها صحيح)، في زمن إختفت فيه الشفافية والمصداقية وزادت الهوة بين الشعب والحكومة (الخوف أن يصل للدولة)، مع تصدر واضح للتواصل الاجتماعي للمشهد الاعلامي (مع إصرار حكومي على اسلوب تقليدي بالاسلوب والخطاب بالتعامل إعلامياً)، نعم إنه التواصل الاجتماعي؛ الكم الكبير من المعلومات السريعة التي اصبحت متاحة للجميع.
تقف الحكومة مكتوفة اليد أمام هذا الكم من المعلومات المتوافرة شعبياُ، الشعوب لم تعد تعترف بأي إعلام رسمي، بسبب الفجوة التي تكبر يوماً بعد يوم، حيث الثقة أصبحت شبه معدومة، لان ما يقال غيرما يرى أو ينفذ، وقد إعترف رئيس الحكومة السابق عمر الرزاز من خلال الطرفة التي سردها في إحدى الندوات عن المواطن الذي ذهب الى مستشفى البشير (أكبر مستشفى حكومي) وطلب عرضه على طبيب عيون وأذن وأخبر انه لا يوجد هكذا إختصاص طبي .... الى آخر الطرفة ليقول أنه يسمع شيء ويرى شيء آخر، ليؤكد الرزاز هذا الامر، الغريب أن يصدر هكذا أمر من مصدر عالٍ في الدولة بدون معالجة، ليتم الاستمرار بنهج عقيم، بأدواته وشخوصه وفكره، مبني على وعي أعمى.
النخب السياسية الاردنية هي نتاج حكومي؛ فالاردن لم يشهد نُخباً سياسية ذات فكر أو تنتمي لمدرسة واضحة المعالم، النخب السياسية الاردنية هم الموظفون المتقاعدون أو العاملون في مناصب عليا، ولنكون واضحين هم أصحاب الامتيازات والمكتسبات التي تم تفصيلها منهم خلال توليهم المناصب، بالمقابل الشارع الاردني غير منظم بمن فيهم المعارضة وحتى الاحزاب مع تصنيفها يسار ووسط ويمين، فلا تلتقي فيما بينها سوى بالتصنيف الذي أختير قصريا، باستثناء ثلاثة أو اربعة.
أتت جائحة كورونا، لتكشف الغطاء وورقة التوت عن النخب السياسية الاردنية، حيث تمادوا في إنكار انهم جزء من المجتمع الاردني، وراقت لهم جلساتهم واستمتاعهم في قصورهم ومزارعهم، والاستمتاع بعدم حضور الآخرين ليزعجوهم بطلبات سخيفة من توظيف إبن أفنى والده كل ما يملك وحرم البقية الباقية من الاسرة من كل شيء حتى يتخرج هذا الولد ليحن عليه اصحاب الفضل بوظيفة بمعدل 400 دينار لتكون كفاف له.
لقد أقنعت فئة معينة نفسها ومن تنصح أن الشارع الاردني يغضب قليلا ثم ينسى، وأخرى أن الخبر في الاردن مفعوله 72 ساعة فقط، وجاء طرف ثالث أن الشارع الاردني يصحى بالربيع وينشط بالصيف (يتم السيطرة عليه) ثم يرجع للسبات الشتوي – وأصبحت هذه ظاهرة سنوية – كانها دورة حياة، يا من تنصحون ومقتنعون بما تُخرفون: إنتبهوا هذا وطن ولا تُبنى الامور على توقعات وتكهنات شخصية مبنية على فكر شخصي لا أصل له.
سياسة الشارع من أخطر أنواع السياسات، وخاصة مع إختلاط المفهوم الاقتصادي بالسياسي في بلد الخطاب فيه أغلبه يتم بالكولسات وفي الخفاء، خطاب يُوصف بأنه خطاب الشيوزفرينيا ، ولكنها الشيزوفرينيا المتعددة المتقدمة، فكثر ممن يتصدرون المشهد رسمياُ وشعبياً يُصرحون بخطابات وبعد قليل في الجلسات الشخصية والاجتماعية يظهرون مواقف متضاربة ومعاكسة وليست فقط مختلفة، وخاصة من يُجيدون لغة اللعب بالكلمات، ومن هنا فالاردن متوجه نحو سياسة الشارع.
الوضع الاقتصادي والسياسي متشابك في الحالة الاردنية، وقد وصل الامر الى ذروته خلال الاشهر القليلة الماضية وبتخبط حكومي في كل الملفات (مع عدم وجود تنسيق حكومي داخلي أو تحرك لمن يسمون أنفسهم نخباً)، فأصبحت الصورة العامة للادارة الحكومية بأنها تدار على البركة والعفوية، والسبب واضح لعدم وجود خطط حقيقية مبنية على مشروع وطني متكامل في كل النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وشخوص ليس لهم هم سوا مكتسبات شخصية آنية.
المجتمع الاردني مجتمع متنوع، وهذه ميزة وليست سيئة لمن يعرف كيف يحرك الادوات، المشكلة أن التعامل مع المكونات قي المجتمع الاردني تُدار بأنها مكونات سياسية مع أن الاصل هي مكونات إجتماعية، والولاء والسيادة للهوية الوطنية الاردنية بدون منازع مع الاحتفاظ والرقي والافتخار بالهويات الفرعية، بل للاسف وصل الامر الى هويات فرعية من الدرجة الرابعة والخامسة، وهنا مشكلة عميقة في حالة أن سيطرت سياسة الشارع على الساحة الاردنية، وهذا دور دولة وحكومة وليس دور شعبي، لان من أولويات الدول الوعي والتنظيم والحماية بكل أنواعهم ضمن عدالة مجتمعية حقيقية.
من أين نبدأ؟.. هذا هو السؤال الاهم: نبدأ من أساس العلاقة بين الدولة والشعب؛ الدستور هو البداية والاساس الذي يجب البداية به، ولكن كيف ومتى؟، من الامس وليس اليوم، وكيف؟، بشخوص مقبولين من جميع الاطراف من حيث وطنيتهم وسمعتهم الطيبة النظيفة، نعم الدستور ليس كتاباً مقدساً، بل هو العقد الاساسي وهذا العقد لابد أن يكون عصريا يخاطب شعب المستقبل الشباب والاطفال حالياً، هناك أمور كثيرة في الدستور سيادية آن الآوان أن تكون واضحة ومحصنة وثابتة ويمنع تغييرها أو تعديلها، والجانب الاقتصادي والاداري المهمشين في الدستور لابد أن يكون واضحاً ولا يسمح الشك او الافتاء، يجب أن يعطي الدستور إرادة تامة للتوجه نحو ديمقراطية ناضجة محمية بالقيادة الشرعية التي لا مجال ولا مكان لغيرها، البعد الآخر بعد الدستور هو البعد الاقتصادي (التركيز على الاستثمار في كل أشكاله)، من خلال اولاً العدالة المجتمعية القائمة على المساواة في كل شيء المغرم والمكسب، والقيادة يجب أن تكون في هذه المرحلة للخبرة وفريق العمل يجب أن يكون شاباً بمعنى الكلمة في كل مؤسسات الدولة، شباب من رحم الشعب ومن يوصوفوا بأبناء الحراثين الحقيقين وليس المدلليين الذين لهم من هذا الوصف فقط الجينات والاصول، آن الآوان لمشروع دولة مدنية عصرية مبني على كل الاختصاصات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يحاكي المستقبل الذي سيتغير به كل شيء بوعي وخطوة ثابتة مبنية على الحريات الفردية والمؤسسية وخضوع أجهزة الدولة لمفهوم حماية حقوق المواطن وعدم الاستقواء عليه بالقوانين، فلم يعد مقبولاً التعيينات والقرارات التنفيعية التي تؤدي الى سخط شعبي، مع شعب جائع يحلل الكثيرين أنه متوجه لثورة جياع، إنني من هذا المقال ادعو كل الاذان أن تسمع وتصغي، فالسكوت لم يعد مقبولا، فانا كغيري من الالوف التي تكتب همنا وطن وننصح مما نرى ونحلل بناء على خبرات ودراسات، فهل من ملتقط، آن الآوان لعدم وجود تابوهات (محرمات) في النقاش في أمور الوطن، حمى الله الاردن وشعبه العظيم وقيادته الشرعية.
* إستشاري وباحث إدارة مشاريع/ كاتب اردني