أبو زيد يكتب: العودة إلى المدارس بين الحاجة والواقع الوبائي
بقلم : زيد أبو زيد
في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبعض دول العالم المتقدم تجارب مخبرية بشأن سلالة كورونا الجديدة، وفي الوقت الذي تشهد فيه بريطانيا وبعض دول العالم قفزة هائلة في عدد الإصابات بمرض تسبب فيه فيروس كورونا المستجد، وفي الوقت الذي تعقد فيه منظمة الصحة العالمية والحكومات اجتماعات متواصلة بشأن السلالة الجديدة وآليات التعامل معها والحد من أخطارها على مجتمعاتهم، واتخاذ قرارات بإغلاقات جديدة ومنع للسفر وإغلاق للحدود في كثير من دول العالم يخرج علينا نشطاء مؤسسات مجتمع مدني ونشطاء مواقع تواصل اجتماعي بحملات عودة التعليم الوجاهي بدلا من التعليم عن بعد في الأردن من دون دراسة حقيقية لأثر الجائحة الصحي في حالة العودة المتسرعة، ومن دون بيانات ودراسات حديثة تراعي الحالة الوبائية في بداية الفصل الدراسي الثاني الذي يفصلنا عنه شهران.
إن الواقع الوبائي يقول: إنه لا يمكن الحكم على وضعنا الوبائي في ظل المستجدات الحالية، وهذا ما يمنع من اتخاذ قرار الآن بشكل متسرع بعيدا عن الواقع الصحي في وقته المناسب على الرغم من أهمية ومشروعية المطالبة بعودة التعليم الوجاهي، ولذلك كان تصريح وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي بأن هذا الموضوع لم يُناقش ولم يتم اتخاذ قرار فيه لأن القرار والدراسة يجب أن يستندان إلى معطيات غير متوافرة حاليًا، ولأن التصريح بأي سيناريو أو مسار في غير وقته سيكون مربكًا للجميع.
إن المطالبات بعودة التعليم الوجاهي في حال استقرار الحالة الوبائية مشروع، بل وضرورة لا ينكرها أحد، ولكن ما يتم الآن هو مطالبات ذات صبغة شعبوية غير قائمة على أسس علمية ومؤشرات حقيقية، فقد توقفت مؤسسات التعليم في معظم دول العالم عن تقديم خدمات التعليم الوجاهي نتيجة تفشي الوباء مجتمعيًّا، واتُّخِذت قرارات أممية وليس فقط محلية للحد من انتشاره حفاظًا على حياة المواطنين، وحتى أنَّ بعض الدول التي استقرت فيها الحالة الوبائية في الأشهر الأخيرة عادت لاتخاذ قرار بالتعليق في ظل مستجدات الحالة الوبائية عالميًا.
إن وزارة التربية والتعليم تدرك تمامًا أن المكان الطبيعي للطلبة لتلقي التعليم هو داخل الغرف الصفية في المدرسة ومع أقرانهم، وهي تولي أهمية كبيرة لعودة الطلبة إلى مدارسهم، وتواصل استعداداتها لهذا الأمر، غير أن هذه العودة ما زالت مرهونة بالوضع الوبائي في المملكة واستقراره، وعدم تطوره إلى مستويات قد تشكل خطورة على صحة الطلبة والهيئات التدريسية والإدارية فيها كما أنها مستمرة في تطوير أدوات المحتوى الإلكتروني للتعليم عن بُعد ومنهجياته ليكون داعمًا ومعزِّزًا للتعليم المدرسي، وفي هذا المجال فقد انطلقت الوزارة في توجهها منذ بدء الجائحة إلى أن الأولوية هي لسلامة الطلبة والكوادر التعليمية والإدارية وصحتهم، وكان لجوء الوزارة إلى خيار التعليم عن بعد ليس لأنه بديل عن التعليم المدرسي بل لأنه بديل عن خيار وقف التعليم.
كما أن وزارة التربية والتعليم كانت من الدول التي استجابت للجائحة حفاظًا على حق الطلبة في التعليم وديمومته، وأنها عملت ما يجب عمله من أجل ذلك، وستستمر في التطوير والتحديث بشكل مستمر، وستستفيد من خبرات وتجارب العالم والتغذية الراجعة من المعلمين والطلبة والمجتمع بكل ما فيه خبرات.
ان وزارة التربية والتعليم ومنذ بداية جائحة وباء كورونا قد تعاونت على وجه السرعة مع مؤسسات وطنية في القطاعين العام والخاص، لتوفير منصات لبث المحتوى التعليمي عليها، وقد جندت لذلك فرقًا من كوادرها في مركز الوزارة وفي الميدان لتصوير دروس متلفزة غطت المحتوى التعليمي في زمن قياسي، ولم تترك وسيلة إعلامية إلا استخدمتها لحث الطلبة على التفاعل مع هذه الدروس، ودعت أولياء الأمور إلى مشاركتها في هذه المهمة في هذا الظرف الحساس والوقوف عند حدود مسؤولياتهم في هذا المجال ولا زالت تعمل على ذلك.
إن وزارة التربية والتعليم لا تنكر وجود تحديات وعقبات في التعليم عن بعد، وهي تحديات وعقبات تواجهها كل دول العالم التي لجأت إلى هذا النوع من التعليم، وليست خاصة بالأردن، والوزارة تراجع حيثيات عملية التعليم عن بعد في الأردن بكل أبعاده، وتتلقى التغذية الراجعة من المعنيين، وتعدل وتصوب من سياساتها وإجراءاتها في ضوء ذلك أوّلًا بأول بما فيها اتخاذ كافة الإجراءات من أجل إيصال التعليم إلى معظم الطلبة على مساحات الوطن، وكذلك تعويض الفاقد التعليمي كان من بينها إصدار ملازم تعليمية لتعزيز المفاهيم والمهارات الأساسية لدى الطلبة، كما وفرت تدريبًا متخصصًا للمشرفين التربويين والمعلمين لبناء كفاياتهم بما يتناسب مع هذا النوع من التعليم.
لقد تعاونت وزارة التربية مع شركائها لتوفير برامج تعليمية تهدف إلى توفير تعليم نوعي للطلبة منها على سبيل المثال لا الحصر مشروع جسور التعلم الذي أطلقته الوزارة بدعم من اليونيسيف، وهو برنامج تعليم مدمج مبتكر لمساعدة مليون طالب على إنعاش عملية التعليم وتسريعها بهدف تعويض الطلاب عما فاتهم عن طريق مجموعة من الأنشطة تعطى للطلبة أسبوعيًّا.
إن وزارة التربية والتعليم كانت سريعة الاستجابة في التعامل مع جائحة كورونا، وبناء خطة متكاملة تضمن استمرارية تعلم الطلبة، عن طريق إطلاق منصات التعليم عن بعد عبر شبكة الإنترنت والبث التلفزيوني لجميع الصفوف الدراسية، ونفذت من خلال المنصات التعليمية برنامجًا تدريبيًّا للمعلمين استجابة لمتطلبات برنامج التعليم عن بعد، فيما طورت آلية لتقييم الطلبة من خلال هذه المنصات، بعد أن كثفت حملاتها لنشر الرسائل التوعوية والتعريفية للطلبة وأولياء أمورهم، بما يضمن أكبر قدر من التفاعل والاستفادة من هذا البرنامج حرصًا منها على تحقيق مبدأ العدالة في إتاحة التعليم للجميع، عن طريق توفير سبل وصول التعليم للطلبة الذين لا يملكون الوسائل التكنولوجية اللازمة في بعض المناطق، ومجانية دخولهم إلى منصات التعلم.
إن وزارة التربية والتعليم تؤكد أن التحول للتعليم عن بُعد فرضته الظروف الاستثنائية؛ وقد أظهرت التجربة مستوى التزام المعلم الأردني والمهنية التي يتمتع بها في أداء دوره، وقدرته على التكيف، وامتلاك مهارات وأدوات العصر التي تمكنه من متابعة المستجدات والتطور في العملية التعليمية التعلمية، وتوظيف كل ذلك في أداء رسالته، وما أظهره المعلمون من استجابة لتحديات المرحلة من خلال تشكيل مجموعات للتعلم مع طلبتهم، وتقديمهم للدروس الإلكترونية التي تدربوا عليها عبر المنصات.
وأخيرا فإن وزارة التربية والتعليم أول من يعلم بأن الانقطاع عن التعليم الوجاهي له آثاره المعرفية والسلوكية وأول من سيبادر إلى اتخاذ القرارات الخاصة بسد الفجوة المفاهيمية والسلوكية عند الطلبة، وستبادر إلى اتخاذ جميع القرارات اللازمة لعودة الطلبة إلى التعليم الوجاهي بعد دراسة الأمر من جميع جوانبه في الوقت المناسب، آخذة بعين الاعتبار مستجدات الحالة الوبائية في ذلك الوقت حرصًا على سلامة الطلبة والمعلمين والعاملين والمجتمع، فدرهم وقاية خير من قنطار العلاج.