توتر على الحدود.. هل نشهد حربًا بين إثيوبيا والسودان؟
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/20 الساعة 14:06
مدار الساعة - يشهد الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا توترات كبرى في الفترة الأخيرة، خاصة في المنطقة الحدودية المتاخمة لولاية القضارف السودانية، بعد إقدام مليشيات وقوات إثيوبية على "احتلال" بعض الأراضي داخل السودان وقتل جنود هناك، بما احتمالية أن يتحول هذا التوتر إلى حرب بين البلدين؟
أراضي السودان تحت سيطرة الإثيوبيين
لا يمكن أن نجد بداية لهذا التوتر الحدودي، فله امتداد زمني كبير رغم أن الحدود بين البلدين مرسمة وفقًا للخط الحدودي الذي رسمه البريطاني ميجر قوين عام 1902، وتوجد خريطة بذلك لدى البلدين، مع ذلك يمكن لنا الحديث عن بعض حيثياته. قبل يومين، أعلن الجيش السوداني وقوع خسائر في الأرواح والمعدات وسط قوة عسكرية تعرضت لكمين من مليشيات إثيوبية في منطقة جبل أبو طيور، الواقعة في محلية القريشة بولاية القضارف على الحدود مع إثيوبيا. عدم رد السلطات السودانية على هذا الاعتداء على أراضيها، شجع مزارعين آخرين على دخول البلاد تحت حماية مليشيات أمهرية الجيش السوداني قال - في بيان له الأربعاء عن الحادثة-: "في أثناء عودة قواتنا من تمشيط داخل أراضينا تعرضت لكمين من القوات والمليشيات الإثيوبية داخل الأراضي السودانية، ونتيجة لذلك حدثت خسائر في الأرواح والمعدات"، وأفادت مصادر متطابقة أن الهجوم أدى لمقتل ضابط و3 جنود. قبل ذلك، تحديدًا في مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش السوداني أن مليشيات إثيوبية مسنودة بجيش بلادها اعتدت على أراضي وموارد البلاد، ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة نقيب وإصابة 7 جنود وفقدان آخر، إضافة إلى مقتل طفل وإصابة 3 مدنيين. وفي يونيو/حزيران الماضي، قتل جندي سوداني وأصيب 4، في هجوم لقوات إثيوبية على منطقة "الفشقة" الحدودية، بولاية القضارف شرقي البلاد، حيث هاجمت قوات إثيوبية بالأسلحة الثقيلة إحدى الدوريات العسكرية للجيش السوداني بالمنطقة. تغيير ديمغرافي تحت إشراف حكومي هذه الاعتداءات ليست استثنائية فقد أصبحت متكررة، وغالبًا ما يصدر الجيش السوداني بيانات تتعلق بتصديه لقوات إثيوبية تحاول اقتحام أراضي بلاده، خاصة أن فترات الإعداد للموسم الزراعي والحصاد بالسودان في المناطق الحدودية مع إثيوبيا، عادة ما تشهد اختراقات وتعديات من عصابات إثيوبية مسلحة، بهدف الاستيلاء على الموارد. اعتراف الحكومة الاتحادية في أديس أبابا بسودانية هذه الأراضي الحدودية لم يحمها من تعديات مليشيا "الشفتا" التابعة لقومية الأمهرا الإثيوبية المتاخمة لأراضي الفشقة السودانية بولاية القضارف (تبلغ مساحتها 251 كيلومترًا). هذه الاعتداءات ليست جديدة، فإثيوبيا ذات التضاريس الجبلية، كانت تسعى دائمًا للاستحواذ على أراضي زراعية مسطحة داخل السودان عبر تشجيع المسلحين والأهالي الإثيوبيين على اقتحام الأراضي السودانية. سنة بعد استقلال السودان، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تتأهب لبناء أسس الدولة الحديثة، استغل مزارعون إثيوبيون الفراغ على الحدود فتوغلوا نحو الأراضي السودانية واحتلوا مساحة شاسعة من الأراضي الخصبة وزرعوها. عدم رد السلطات السودانية على هذا الاعتداء على أراضيها، شجع مزارعون آخرون على دخول البلاد تحت حماية مليشيات أمهرية، وبعد أن كان عدد المزارعين قليلًا ويعدون على أصابع اليد أصبح عددهم بالعشرات، ثم المئات فالآلاف. ليس هذا فحسب، بل هجرت المزارعين السودانيين من منازلهم، وشيدت 30 قرية أشبه بالمدن (منها مدن سفارى وخورحمر وأبو طيور وبرخت) وتتمتع ببنية تحتية جيدة، في محاولة واضحة لتغيير التركيبة الديموغرافية في المنطقة السودانية، وفي سنة 2005 حصرت لجنة العمل الميداني المشتركة بين البلدين 754 ألف فدان استولى عليها مزارعون إثيوبيون، واستمر التوسع ليصل إلى نحو 895 ألف فدان من الأراضي عالية الخصوبة. صحيح أن هذه التطورات توحي بقرب اندلاع الحرب بين الطرفين، لكن انشغال البلدين بقضايا أخرى من شأنه أن يخفف هذا التصعيد في الملف تضم الفَشَقَة أخصب الأراضي الزراعية في السودان، وتقسم لثلاث مناطق: "الفَشَقَة الكبرى" وتمتد من سيتيت حتى باسلام، والفَشَقَة الصغرى وتمتد من باسلام حتى قلابات، والمنطقة الجنوبية وتشمل مدينتي القلابات وتايا حتى جبل دقلاش. وزاد وضع منطقة الفشقة - المعزولة عن بقية السودان - من معاناة الأهالي هناك، فقد مكن هذا الوضع الإثيوبيين من إحكام سيطرتهم عليها، إذ إن الفشقة الكبرى (شبه جزيرة بين أنهار ستيت والعطبراوي وباسلام) والصغرى (شبه جزيرة بين نهري العطبراوي وباسلام) معزولتان عن السودان لانعدام الطرق الممهدة التي تربطهما ببقية القطر. التمدد الإثيوبي الذي وصل بين 9 و22 كيلومترًا داخل الأراضي السودانية، قيد حركة المواطنين السودانيين وحركة الجيش السوداني حتى في الحالات التي تتطلب تدخلًا عاجلًا، مثل مقتل مواطنين أو اختطافهم من عصابة الشفتة المنتشرة في المنطقة. الحرب أم الحوار؟ قال الجيش السوداني، أمس الجمعة، إن الحدود الدولية مع إثيوبيا معروفة ولا جدال فيها، ولن نفرط في شبر من أرض بلادنا، وقد بدأ فعليًا في تحركاته لاستعادة أراضيه المحتلة، خاصة بعد ازدياد وتيرة الحرب التي تشنها الحكومة الفيدرالية بإثيوبيا على جبهة تحرير تيغراي. من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن حكومته "تتابع عن كثب" الحادث على الحدود مع السودان، وأكد آبي أحمد - في تغريدة عبر حسابه في تويتر - أن مثل هذه الحوادث لن تكسر الروابط بين البلدين، ومن الواضح أن "أولئك الذين يثيرون الفتنة لا يفهمون قوة روابطنا التاريخية". لكن قديمًا كان المزارعون يدخلون إلى الأراضي السودانية بمفردهم، أما في السنوات الأخيرة، فقد أصبحوا يدخلون بأعداد كبيرة ويتوغلون بكثافة وفي عمق أكبر، كل ذلك بدعم من قوات نظامية تستخدم سلاحها في مهاجمة المواطنين، ثم تطور الأمر إلى توجيهه لعناصر عسكرية سودانية. هذه التطورات تؤكد أن تحركات المزارعين لم تعد فردية وطوعية بل أضحت تتم بموافقة من الحكومة المركزية في أديس أبابا، حتى إن الحكومة الإثيوبية توفر لهؤلاء جميع الخدمات اللوجيستية المطلوبة من ماء وكهرباء، بما فيها المعاملات المتعلقة ببيع وشراء الأراضي. كل ذلك من أجل الضغط على السودان بهدف مساعدة حكومة آبي أحمد في حربها ضد أقلية التيغراي التي تنازعها السلطة في إقليم تيغراي، وأيضًا مساندة حكومة السودان للتوجهات الإثيوبية في خصوص قضية سد النهضة. صحيح أن هذه التطورات توحي بقرب اندلاع الحرب بين الطرفين، لكن انشغال البلدين بقضايا أخرى من شأنه أن يخفف هذا التصعيد في الملف، فالحرب ستكون مكلفة لكلا الطرفين لذلك وجب عليهما الجلوس إلى طاولة الحوار. في هذه الجلسات، سيحاول السودان فرض شروطه على إثيوبيا، أبرزها احترام سيادته على أراضيه، خصوصًا أن الاتفاق المعقود بين الرئيس المستقيل عمر البشير والإثيوبيين بإطلاق يدهم في الفشقة، مقابل ملاحقة العناصر المعارضة لنظامه، انتهى، وهنا على السودان فرض سيادته على المنطقة عمليًا بتنميتها وربطها بالطرق والجسور على أنهارها. لكن في حال إصرار حكومة آبي أحمد على عدم متابعة المعتدين، خاصة أنها تبحث عن دعم داخلي لمواجهة تحديات الخارج، فسنكون أمام صراع عسكري ممتد على وتيرة الحرب الإثيوبية - الإريترية التي جرت في بداية الألفية، بما يعرض كلا البلدين إلى مخاطر كثيرة.
لا يمكن أن نجد بداية لهذا التوتر الحدودي، فله امتداد زمني كبير رغم أن الحدود بين البلدين مرسمة وفقًا للخط الحدودي الذي رسمه البريطاني ميجر قوين عام 1902، وتوجد خريطة بذلك لدى البلدين، مع ذلك يمكن لنا الحديث عن بعض حيثياته. قبل يومين، أعلن الجيش السوداني وقوع خسائر في الأرواح والمعدات وسط قوة عسكرية تعرضت لكمين من مليشيات إثيوبية في منطقة جبل أبو طيور، الواقعة في محلية القريشة بولاية القضارف على الحدود مع إثيوبيا. عدم رد السلطات السودانية على هذا الاعتداء على أراضيها، شجع مزارعين آخرين على دخول البلاد تحت حماية مليشيات أمهرية الجيش السوداني قال - في بيان له الأربعاء عن الحادثة-: "في أثناء عودة قواتنا من تمشيط داخل أراضينا تعرضت لكمين من القوات والمليشيات الإثيوبية داخل الأراضي السودانية، ونتيجة لذلك حدثت خسائر في الأرواح والمعدات"، وأفادت مصادر متطابقة أن الهجوم أدى لمقتل ضابط و3 جنود. قبل ذلك، تحديدًا في مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش السوداني أن مليشيات إثيوبية مسنودة بجيش بلادها اعتدت على أراضي وموارد البلاد، ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة نقيب وإصابة 7 جنود وفقدان آخر، إضافة إلى مقتل طفل وإصابة 3 مدنيين. وفي يونيو/حزيران الماضي، قتل جندي سوداني وأصيب 4، في هجوم لقوات إثيوبية على منطقة "الفشقة" الحدودية، بولاية القضارف شرقي البلاد، حيث هاجمت قوات إثيوبية بالأسلحة الثقيلة إحدى الدوريات العسكرية للجيش السوداني بالمنطقة. تغيير ديمغرافي تحت إشراف حكومي هذه الاعتداءات ليست استثنائية فقد أصبحت متكررة، وغالبًا ما يصدر الجيش السوداني بيانات تتعلق بتصديه لقوات إثيوبية تحاول اقتحام أراضي بلاده، خاصة أن فترات الإعداد للموسم الزراعي والحصاد بالسودان في المناطق الحدودية مع إثيوبيا، عادة ما تشهد اختراقات وتعديات من عصابات إثيوبية مسلحة، بهدف الاستيلاء على الموارد. اعتراف الحكومة الاتحادية في أديس أبابا بسودانية هذه الأراضي الحدودية لم يحمها من تعديات مليشيا "الشفتا" التابعة لقومية الأمهرا الإثيوبية المتاخمة لأراضي الفشقة السودانية بولاية القضارف (تبلغ مساحتها 251 كيلومترًا). هذه الاعتداءات ليست جديدة، فإثيوبيا ذات التضاريس الجبلية، كانت تسعى دائمًا للاستحواذ على أراضي زراعية مسطحة داخل السودان عبر تشجيع المسلحين والأهالي الإثيوبيين على اقتحام الأراضي السودانية. سنة بعد استقلال السودان، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تتأهب لبناء أسس الدولة الحديثة، استغل مزارعون إثيوبيون الفراغ على الحدود فتوغلوا نحو الأراضي السودانية واحتلوا مساحة شاسعة من الأراضي الخصبة وزرعوها. عدم رد السلطات السودانية على هذا الاعتداء على أراضيها، شجع مزارعون آخرون على دخول البلاد تحت حماية مليشيات أمهرية، وبعد أن كان عدد المزارعين قليلًا ويعدون على أصابع اليد أصبح عددهم بالعشرات، ثم المئات فالآلاف. ليس هذا فحسب، بل هجرت المزارعين السودانيين من منازلهم، وشيدت 30 قرية أشبه بالمدن (منها مدن سفارى وخورحمر وأبو طيور وبرخت) وتتمتع ببنية تحتية جيدة، في محاولة واضحة لتغيير التركيبة الديموغرافية في المنطقة السودانية، وفي سنة 2005 حصرت لجنة العمل الميداني المشتركة بين البلدين 754 ألف فدان استولى عليها مزارعون إثيوبيون، واستمر التوسع ليصل إلى نحو 895 ألف فدان من الأراضي عالية الخصوبة. صحيح أن هذه التطورات توحي بقرب اندلاع الحرب بين الطرفين، لكن انشغال البلدين بقضايا أخرى من شأنه أن يخفف هذا التصعيد في الملف تضم الفَشَقَة أخصب الأراضي الزراعية في السودان، وتقسم لثلاث مناطق: "الفَشَقَة الكبرى" وتمتد من سيتيت حتى باسلام، والفَشَقَة الصغرى وتمتد من باسلام حتى قلابات، والمنطقة الجنوبية وتشمل مدينتي القلابات وتايا حتى جبل دقلاش. وزاد وضع منطقة الفشقة - المعزولة عن بقية السودان - من معاناة الأهالي هناك، فقد مكن هذا الوضع الإثيوبيين من إحكام سيطرتهم عليها، إذ إن الفشقة الكبرى (شبه جزيرة بين أنهار ستيت والعطبراوي وباسلام) والصغرى (شبه جزيرة بين نهري العطبراوي وباسلام) معزولتان عن السودان لانعدام الطرق الممهدة التي تربطهما ببقية القطر. التمدد الإثيوبي الذي وصل بين 9 و22 كيلومترًا داخل الأراضي السودانية، قيد حركة المواطنين السودانيين وحركة الجيش السوداني حتى في الحالات التي تتطلب تدخلًا عاجلًا، مثل مقتل مواطنين أو اختطافهم من عصابة الشفتة المنتشرة في المنطقة. الحرب أم الحوار؟ قال الجيش السوداني، أمس الجمعة، إن الحدود الدولية مع إثيوبيا معروفة ولا جدال فيها، ولن نفرط في شبر من أرض بلادنا، وقد بدأ فعليًا في تحركاته لاستعادة أراضيه المحتلة، خاصة بعد ازدياد وتيرة الحرب التي تشنها الحكومة الفيدرالية بإثيوبيا على جبهة تحرير تيغراي. من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن حكومته "تتابع عن كثب" الحادث على الحدود مع السودان، وأكد آبي أحمد - في تغريدة عبر حسابه في تويتر - أن مثل هذه الحوادث لن تكسر الروابط بين البلدين، ومن الواضح أن "أولئك الذين يثيرون الفتنة لا يفهمون قوة روابطنا التاريخية". لكن قديمًا كان المزارعون يدخلون إلى الأراضي السودانية بمفردهم، أما في السنوات الأخيرة، فقد أصبحوا يدخلون بأعداد كبيرة ويتوغلون بكثافة وفي عمق أكبر، كل ذلك بدعم من قوات نظامية تستخدم سلاحها في مهاجمة المواطنين، ثم تطور الأمر إلى توجيهه لعناصر عسكرية سودانية. هذه التطورات تؤكد أن تحركات المزارعين لم تعد فردية وطوعية بل أضحت تتم بموافقة من الحكومة المركزية في أديس أبابا، حتى إن الحكومة الإثيوبية توفر لهؤلاء جميع الخدمات اللوجيستية المطلوبة من ماء وكهرباء، بما فيها المعاملات المتعلقة ببيع وشراء الأراضي. كل ذلك من أجل الضغط على السودان بهدف مساعدة حكومة آبي أحمد في حربها ضد أقلية التيغراي التي تنازعها السلطة في إقليم تيغراي، وأيضًا مساندة حكومة السودان للتوجهات الإثيوبية في خصوص قضية سد النهضة. صحيح أن هذه التطورات توحي بقرب اندلاع الحرب بين الطرفين، لكن انشغال البلدين بقضايا أخرى من شأنه أن يخفف هذا التصعيد في الملف، فالحرب ستكون مكلفة لكلا الطرفين لذلك وجب عليهما الجلوس إلى طاولة الحوار. في هذه الجلسات، سيحاول السودان فرض شروطه على إثيوبيا، أبرزها احترام سيادته على أراضيه، خصوصًا أن الاتفاق المعقود بين الرئيس المستقيل عمر البشير والإثيوبيين بإطلاق يدهم في الفشقة، مقابل ملاحقة العناصر المعارضة لنظامه، انتهى، وهنا على السودان فرض سيادته على المنطقة عمليًا بتنميتها وربطها بالطرق والجسور على أنهارها. لكن في حال إصرار حكومة آبي أحمد على عدم متابعة المعتدين، خاصة أنها تبحث عن دعم داخلي لمواجهة تحديات الخارج، فسنكون أمام صراع عسكري ممتد على وتيرة الحرب الإثيوبية - الإريترية التي جرت في بداية الألفية، بما يعرض كلا البلدين إلى مخاطر كثيرة.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/20 الساعة 14:06