يوم حزين في «الصريح»
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/11 الساعة 01:18
كنت بالأمس ضمن وفد وطني كبير جاء من مختلف محافظات المملكة حيث أمّ مدينة الصريح، من أجل مشاركة «آل الشياب» الكرام في مصابهم الجلل بفقدان أحد أبنائهم وأحد الكفاءات الوطنية المحترمة وهو الدكتورالمهندس «قتيبة الشياب» المدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا على إثر مشاجرة اجتماعية، لم يكن للدكتور قتيبة فيها ناقة ولا بعير، ولكنه ضحية طيش بعض الأفراد الذي تعدت تصرفاتهم حدود التعامل الإنساني وتعدت جملة الأعراف والتقاليد العربية والأردنية بحدها الأدنى، ما أدى إلى اقتراف جريمة بشعة، وحدوث مصيبة فاجعة أصابت عائلة أردنية وادعة، وأدت إلى رؤية أطفال صغار أيتام لم يتجاوز أكبرهم سن التاسعة، لا ذنب لهم ولا جريرة؛ لأن يتذوقوا مرارة اليتم على مذبح عنجهية بشعة وجاهلية مقيتة وتصرفات عنفيّة بدأت تتسرب إلى مجتمعنا الأردني، وتكاد تصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة تستحق التوقف والمعالجة من أصحاب المسؤولية بالتعاون مع أصحاب العقل والحكمة والنظرة البعيدة والهم الوطني .
فداحة المصيبة وعظم الجريمة يتجاوز عظم الجرح الذي ألمّ بآل الشياب وحدهم وبلدة الصريح وحدها إلى القول إنها جريمة أصابت المجتمع الأردني كله، بل إن الجريمة لها أوجه عديدة وجوانب مختلفة كما قال أحد شباب العشيرة بالأمس الذي نطق بوعي كبير تحت مطارق الحزن الذي يفطر الأكباد ويشيع ظلالا من الكآبة والبؤس على مستقبل الأجيال القادمة إذا لم يتم معالجة الأمر بطريقة صارمة وعلى أسس علمية سليمة.
الوجه الأول للجريمة يتمثل بذلك التساهل في استعمال السلاح، والتساهل في الاقدام على القتل بدون سبب مقنع، ودون وجود دافع قوي يدعو إلى اقتراف هذه الجريمة النكراء، فهو مجرد خلاف على وقوف سيارة تعطلت بالشارع العام أمام أحد البيوت أدى إلى حدوث ملاسنة ورفع أصوات، فكيف يخطر على بال أحدهم أن يقدم على حمل سلاحه وإطلاق النار بهذه السهولة! فهو شيء يدعو إلى الدهشة الممزوجة بالذهول، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تطور الأمر إلى حمل السلاح بشكل جماعي وضرب النار بشكل عشوائي.
الوجه الثاني للجريمة الأكثر بشاعة والأشد خطورة أن القاتل والمقتول من أصحاب الدرجات العلمية، حيث قيل لنا أن القاتل يحمل شهادة الطب، وربما طب الأسنان على وجه أكثر دقة، ما يجعلنا جميعاً نقف أمام حقيقة مذهلة أن القائمين على الجريمة من المتعلمين وليس من الجهلة والأميين، وهذا أمر مرعب يسلط الضوء على أثر التعليم فينا ووضع علامة استفهام كبيرة على مجمل العملية التعليمية والتربوية، وأن نسبة التعليم المرتفعة في مجتمعنا ليست ضماناً للمدنية والتحضر لدينا، وهذا يؤدي إلى القول إن هناك أخطاء كبيرة وفادحة في منهجية تعليمنا وتربيتنا.
الوجه الثالث للجريمة يتمثل بالخطر الكبير الذي أصاب منظومة القيم المجتمعية لدى جموع الشباب، الذي يهدد المجتمع كله ويهدد الأجيال القادمة، ويهدد الوطن بكل تفاصيله، وهذا ما نلحظه في أسلوب التعامل في الأسواق، وفي قيادة السيارات وفي المدارس والجامعات والأندية الرياضية، وفي مقدار العنف المكبوت في صدور الشباب واليافعين المقبلين على الحياة بعصبية جاهلية وبعنهجية وكبر واستعلاء مقيت، يبعد كل البعد عن أخلاق التسامح والتغافر والتعامل المتحضر والاحترام المتبادل وامكانية التعايش، ولكن الأمر الذي يستحق التوقف العميق هو الالتفاف العشائري حول المخطئ ومحاولة حماية المجرم من منطلق عصبوي بحت، وهذا أمر له عواقب وخيمة عندما يشعر المجرم بالحماية غير المشروعة، ما يحتم علينا جميعا أن نقف مع القانون وأن نتعاهد على انفاذ القانون واحترام سيادته ولو على أقرب الناس إلينا.
لقد فجرت هذه الجريمة معاني القلق والحيرة تجاه المستقبل وتجاه مناهجنا ومدارسنا وجامعاتنا، وأعتقد أن المسألة لا ينفع فيها الوعظ والكتابة وتدبيج المقالات، بل إن الأمر أخطر من ذلك، حيث يستدعي تداعي المجتمع كله لتدارس المسألة بعزيمة وجدية كافية من قبل الحكومة أولاً، ومن قبل جميع مؤسسات المجتمع المدني من أجل تحقيق تضامن مجتمعي عميق حول ضرورة المعالجة الصارمة، ووضع حد لهذا الانهيار وهذا التصدع الذي أصاب منظومة القيم لدينا، وأصاب أعرافنا وتقاليدنا بطريقة مفزعة.
الدستور
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/11 الساعة 01:18