الطاهات يكتب: منصات التواصل وصناعة الوعي الزائف
بقلم د. خلف الطاهات
كشفت حادثة تداول بعض من يدّعون انهم نُشطاء ومؤثري منصات التواصل الإجتماعي لصورة ورقة مزعومة بانها تعود لرئيس مجلس النواب الجديد عبدالمنعم العودات عن الأثر السلبي الكبير الذي يقوم به مثل هؤلاء في نشر الاشاعات وصناعة الوهم وفن التضليل وتشكيل وعي زائف للمتابعين!!
بالتأكيد حادثة الورقة المزعومة التي إنتشى البعض ظناً انهم حقّقوا انتصاراً غير مسبوق على سمعة الدولة ومؤسساتها بتداولها في العالم الإفتراضي؛ لم تكن الحادثة الأولى التي يَختلِق منها مثل هؤلاء مساحات لاستمالة الناس بصورة ممنهجة والتلاعب بعقولهم،لضرب سمعة المؤسسات والاجهزة وإضعاف روح الإنتماء للدولة وتكريس السلبية والعدمية على اطلاقها!!
ليس سراً وفي ظل تراجع الإعلام التقليدي ودوره في بناء رأي عام حقيقي ومتماسك ان فراغا معلوماتيا حصل، سارعت منصات التواصل الإجتماعي الى سده، ولنا ان نتخيّل ان من يملأ هذا الفراغ هم من الدُخلاء والنشطاء الذين يدّعون وحدهم دون غيرهم امتلاك الحقيقة المطلقة وتقديمها للرأي العام حتى لو كانت من مصادر تبيّن لاحقا انها ماتت منذ سنوات بعيده!!!!
دورة حياة إشاعة الورقة المزعومة عاشت يوماً كاملاً تم تداولها داخليا وخارجيا عبر العالم الافتراضي، وبعض الإشاعات أخذت وقتا أطول في تداولها حتى ظن البعض ان غياب الرد عليها يجعلها حقيقة مقدسة غير قابلة للتشكيك بها.
وتلاشت إشاعة الصورة وصَمَتَ منتجوها صمتْ أهل القبور، ولم تصمد حالة استغبائهم للجمهور الأردني طويلا، وسقطت فرحتهم في تحقيق شعبوية زائفة افتراضية مع قراءة الحروف الأولى للبيان الإعلامي الصادر عن مجلس النواب، بالإضافة لمنشور نفى فيه المصور أية علاقة للعودات بالصورة مثار الجدل!!
مؤسف جدا في ظل غياب ثقافة استخدام منصات التواصل الإجتماعي ان هناك من يستغل حالة الأردنيين ويدّعي انه يتحدث بلسانهم ويعبر عن أحاسيسهم ومشاعرهم، لا بل هناك من يعتاش على جراحنا والآمنا وبُؤسنا، وينتظر بفارغ الصبر مصائبنا ونوائبنا ومآسينا، ويعتبر ان فرحنا ووحدتنا وصمودنا خسارة له وضربة موجعه لحضوره وشعبيته على منصات التواصل الإجتماعي، بل يقيناً يراها كالشيطان أُخنسه الحق والحقيقة.
نعيش في الأردن، وهو ليس استثناءا في مشاكله وطبيعة قضاياه المستمده من طبيعة المرحلة وضغوطاتها وتحدياتها، أشكال مختلفة من المشاكل والجرائم والاختلالات المجتمعية والحياتية تأخذ شكل جرائم وفساد وكسر القانون وتعدي على الحقوق، وهذه أمراض مجتمعية لا تخلو منها اية دولة بما فيها الأكثر تحضّرا، وإلاّ لما وجِدت أجهزة الشرطة والمحاكم لفرض سيادة القانون وضمان الأمن المجتمعي فيها، لكن في الحالة الأردنية استثمر شياطين السوشيال ميديا ودخلاء الإعلام حالة الإحباط العام وتراجع مستوى الثقة بالاداء الحكومي المتراكم عبر سنوات مضت، محاولين تقديم انفسم أنهم حُرّاس الحقيقة وسدنة الكلمة وهم من تلك الأوصاف براء!!
تكررت أشكال التصّيُد للاخطاء ونهش متعمد لأجهزة ومؤسسات الدولة العتيدة التي تُعتبر أركان الدولة، وأصبح واضحا ومكشوفا ان بعض ادعياء الإعلام والدخلاء ومن يُطلق عليهم معارضة لا يخفون أجندتهم في الإستثمار بإدارة مشاعر الناس خاصة في أوقات الأزمات، بعضهم لأغراض تصفية حسابات ضيقة جدا وخدمة لأجندة ومصالح أطراف داخلية وخارجية، والبعض الآخر اعتبر ان أزمات الدولة الأردنية السياسية والاجتماعية هي فرصة "استثمارية" لتحقيق مردود مادي ونسبة أرباح من خلال بيع المتابعين ولايكاتهم الى إدارة الفيسبوك وغيرها، وثمة من بينهم من يسعى للتسلية والاستعراض والتهريج لا أكثر ولا أقل ، لذا لا غرابة ان نجد ان بعضهم يطلب باستمرار من متابعيه بوضع الاعجاب على صفحته ومشاركة منشوراته وفيديوهاته لتصل الى ارقام كلما زاد عدد المتابعين زادت نسبة أرباح وعمولة هذا التاجر بأوجاع وآهات وألآم أبناء وطنه!!!
نعم سقطت أقنعة أدعياء الوطينة وسماسرة العالم الإفتراضي وتجار الآراء والمواقف، ومروجو الأوهام و صناع الفتنة والتضليل، فالقصة أكبر من صورة مزعومة، ولا هي مسألة غيرة وحرص على وطن يدخل بثبات وقوة وعزيمة مئويته الثانية!!
البعض توّهم انه يهيمن على أراء الاردنيين وتوجيههم ، ويقودهم حيثما واينما يشاء وقتما يشاء، وانه وصي على احلامهم وطموحاتهم ومشاعرهم، ولا يمانع ان يطعن وطنا او يشوه تاريخا او يجتزأ حقيقة او يستخف بعقول البسطاء ويتلاعب بمزاجهم لاجل هذا الدور الواهم!!
وجع الأردنيين ليس وسيلة تكسب، والطعن بتاريخ الدولة وقيادتها ليس عملا بطوليا يستحق الإشادة، والإستخفاف بمشاعر البسطاء ليس مسرحا يستحق الفُرجه، وشتم الأبرياء والصاق التُهم ليس رجولة تستحق الاعجاب، نعم لدينا ملاحظات كثيرة على أداء الحكومات ومجالسها النيابية والسياسات العامة نقولها بكل شجاعة ووضوح و إتزان واحترام، دون ان نجلد مؤسسة ولا نتنمّر على افراد ولا نستخف بعقول الأبرياء ولا نخلط اوراق لاجل شعبويات او استعراض او استرزاق، ننتقد باخلاق ونعتذر ان اخطائنا بلا تكبر او استمراء في الباطل، فالوطن لنا جميعا بخيره وشره، وإصلاح بيتنا الداخلي مسؤولية الكبير والصغير، فلسنا دولة وليدة اللحظة، تاريخ من التضحيات للاباء والاجداد سجلت، ومواكب من الشهداء قدمت، وضغوطات ومؤمرات علينا طويت، ليبقى هذا الاردن عزيزا منيعا صامدا!!