عن الذهب في وسط عمان

مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/15 الساعة 00:32

رأينا كيف انتشر خبر لا يستند لأي مصدر موثوق عن اكتشاف آثار تحت شارع الجيش الواقع في نهايات المدينة القديمة للعاصمة عمان، ونشر أحدهم صورا لأصناف عديدة من الحلّي والسبائك الذهبية، ولا يمكن لعين خبير في معالجة الصور أن تخطئ زيف ادعائها، فهي متعددة المصادر عبر مواقع الصور العالمية، ولكن بقيت قضية ذهب عمان تشغل الناس، وثارت العديد من الروايات والقصص حولها، فلماذا يأخذ الهوس بالذهب عقول الناس وينسون آثارهم،وهل وصل الفقر للكفر بالحقائق،يبدو ذلك.

خبراء الآثار يقولون ان عمان القديمة، أو ربوة عمون،أو فيلادلفيا التاريخية تم بناؤها على فترات زمنية متباعدة وبشح الآلات وأدوات البناء، فإن البناء الأجدد بُنيّ على الأقدم، وإن صحت الرواية فإن عمان التي نراها اليوم لا يمكن أن نحفر فيها لزراعة شجرة، فالتخطيط البدائي للمدينة القديمة جعلها تظهر بشكل عشوائي حول جبل القلعة، وشوارعها سلكت مجرى السيل المتعرج إذ ليس فيها طريق واحد مستقيم لأكثر من نصف كيلو متر.

عندما استقر الملك عبدالله الأول ابن الحسين في جبل القصور، كان هناك الجامع العمري غير مكتمل البناء نتيجة وقوع هزة أرضية، وكان سيل عمان ما زال يهدر متجها للشمال عبر وادي قرية عمان، ويمر بآثار تاريخية لا يزال بعضها شاهدا كسبيل الحوريات الذي تم إهمال قلعته الصغيرة حتى قامت استاذة الكيمياء د.عبير البواب باستقطاب دعم مالي أميركي،وخبراء آثار لإعادة تأهيله بتعاون من أمانة عمان، وعاد المكان مشعا، وبالعودة إلى جامع عمان، فقد أمر الملك المؤسس حينها باستخدام حجارة أطلال كنيسة قديمة جدا لبناء المسجد بمساحة أكبر، وأصبح اسمه المسجد الحسيني الكبير.

كان أول مدير للآثار في الأردن وفلسطين تحت الانتداب الإنجليزي «جورج هورسفيلد» وقد تم تأسيس دائرة الآثار الاستعمارية نظرا للأهمية التاريخية للضفتين الأردنية والفلسطينية، وقد أخذ الخبراء آنذاك العديد من القطع التاريخية، تماما كما نقل الألمان واجهة قصر المشتى المعروضة اليوم في متحف «بيرغمون» ببرلين المهداة للأمبراطور فيلهيلم 1903، ولم يبحثوا عن الذهب بل استولوا على الآثار الأموية الرائعة.

يذكر وزير الدفاع الإسرائيلي الراحل موشيه ديان، كيف أنه تجمد عندما رأى رأس تمثال فرعوني لدى تاجر الآثار المقدسي حاج عمر، وسأله عن مصدره فأخبره أنه من رفح غزة، وسرد قصته بعد أن ابتاعه بخمسة آلاف ليرة إسرائيلية، وبعد فحصه تبين أنه لملك فرعوني منذ عهد بني إسرئيل، وقد وضعه ضمن خزانة القطع الأثرية الخاصة به، ولكن هل عندنا من يهتم بشراء قطعة حجرية ليضعها في متحف يعلم أولادنا بتاريخهم العربي العظيم.

هناك الكثير من لصوص الآثار التاريخية الذين يسرقون ما تصل إليه أيديهم ويسلكون طريقا ملتويا لبيعها خفية، وكثيرا ما أحبط الأمن العام مثل هذه العمليات، وهناك خطر آخر وهو سرقة التاريخ الأصلي وطمس وجود وآثار البشر الذين أخلصوا في الحفاظ على الإرث الوطني وبناء الدولة، ولم يأخذوا ذهبا ولم يفوزوا بالإبل..!.

ذهب عمان ليس تحت الأرض بل فوقها، فالذهب هم جيش الموظفين والعسكر والعمال، وهم الناس الذين يحرسون الذاكرة ويكدحون لإعمار الوطن ويعالجون المرضى ويحرسون حياة الناس، ويدفعون الضرائب ويحملون في عقولهم تاريخ هذا الشعب ويعلمون أولادهم ويصبرون على الفقر الذي نخرهم.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/15 الساعة 00:32