سلام الأسعد تكتب: قصيدة السلام
بقلم سلام الأسعد
إلى سعيد..
ها قد حان موعد الفراق..
وهذا الوداعُ ليس فيه رجوعٌ ولا لقاءْ
ما عدت اليوم مصباحي و عكازي لكنه القضاء..
اليوم يومك يا عزيزي فلتفرح بالرجوع إلى السماء
إنتهت إقامتكَ فوق الأرض، ولطالما كنت ضيفاً ودوداً بشوش الوجه ذات عيون ضاحكة
وابتسامة عريضةٌ مرحةٌ، مشاغبةٌ، ذكيةٌ، محتالةٌ
ثائرةٌ، غاضبةٌ، مؤمنةٌ، منتصرةٌ، قويةٌ ذاتُ أنيابْ..
طويلُ القامةِ.. مرفوعَ الرأسِ يزينهُ تاجُ حريرٍ لؤلؤي ناصعُ البياضِ، يعكس ذكرياتَ الشبابِ آنذاكْ.. لاجئٌ عشرينيٌ مغامرٌ جريئٌ مفعمٌ بالأملِ والحياةْ..
يضحكُ و يرقصُ و يغني و يحلم، رغمَ الحروبِ والآهات..
يجري مسرعاً بإتجاه تحقيق الأهدافْ..
ليصل قممَ الجِبالْ..
وما أن وصلَ.. لينتهي العمرُ، ويسقطُ إلى الوديانْ..
فإذ بهِ يستيقظُ على صوتِ
ولي العهدِ يسألُ :
هل حانَ موعدُ تسليم الراياتْ؟
لقد ضاعَ العمرُ بينَ التفكيرِ والخوفِ والقلقِ..
إذهب ها أنتَ اليومُ حرٌ طليقٌ سعيدٌ في السماءْ..
فلتودعُ هذهِ الحياةُ ..ولا نعلمُ ماذا بعدَ الحياةْ..
لكني أعلمُ أنَّ هناكَ ربٌ رؤوفٌ رحيمٌ بالناسْ..
هادئٌ حامدٌ راضخٌ مستسلمٌ للحقِ والقدرِ والمماتْ..
أوصيكِ يا بنيتي بالسترِ في هذهِ البلادْ..
فالسترُ فيها أفضلُ من إطعامِ طفلٍ
بالحربِ مصابٍ ،جائعٌ لا مأوىً له ولا زادْ..
يتيمُ الأبِ والأمِ، وحيدٌ بين الأنقاضْ..
فاتركيهِ وأمضي، ولا تنظري ورائك
لا تحاربي لأجله..
سيحاولون قتلكِ لأنكِ تحاربينَ الظلمَ والإرهابْ..
اذهبي يا بنيتي مالكِ أنتِ ومالُ العربْ
أنتِ السلامْ، والسلامُ والعربُ كالزيت والنارْ..
وتزوجي قبلَ أن يفوتكِ القطار واعرفي الى اين وجهتكِ، واختاري رجلاً حقيقاً حراً أبياً يسندكِ ويحمي ظهركِ ويحفظُ كرامتكِ ويصون عقلكِ والدارِ
إن وجدتي...
وإن لم تجدِ، هاجري ولا تتزوجي ولا تفصحي..
فإني أخافُ عليكِ يا بنيتي من غدر الزمان..
وأنتِ طفلةٌ بريئةٌ..
وإن طعنكِ يوماً احدهم بسيفِ غدرٍ في ظهركِ
قفِ وانظري إليه باستخفافٍ وقهقهي،
وإياكي ان تنحني
هل لكَ من طلبٍ أخيرٍ يا أبي؟
أريدُ قلماً وورقةً، أريد أن أكتبْ
أكتب عن الحبِ وعن الحياةْ
عن العدلِ والمساواةْ
أريدُ أن أكتبَ عنكِ و عني..
عن الفقيرِ والغني.. الضعيفِ والقوي
عن المحُتالْ..وعن وطني ..
أكتب وأكتب وأكتب..
عن الأديانِ والرُسلْ
عن الفضائلِ والرذائل
عن زهرة المدائن
عن قدسي وعدني
عن عروبتي وأسفي
عن سوريا ولبنان
عن العراقِ والسودان
وعن ليبيا والجولان
عن عكا ويافا وحيفا
أكتبَ عن رسولنا ومدينتنا و كعبتنا
عن عيسى وموسى، وعن كنيستنا
عن لحمنا ودمنا
عن أرضِ جدودنا
عن عقولنا ونقودنا
سوفَ أكتبُ يا بنيتي، بخطٍ عربيٍ شرقيٍ كبير
عن العزيمةِ والإصرار
عن العقلِ والأفكار
عن الجنةِ والنار
أكتبُ رسالةً عمرها ثمانيةِ وستين عاماً
على هيئةِ حمامةِ السلام،
ترفرفُ عالياً في السماءِ
راسخةٌ متينةٌ في الأرضِ كالجبال
خضراءُ مثمرةٌ،
حاميةٌ ساطعةٌ كالشمسِ مشتعلةٌ، كلهبِ النارْ
تسقط كالأمطار
فوقَ السدودِ و الأنهارْ
لتترنم كالشلالِ فوقَ الياقوتِ والمُرجان
لتنبتَ الورودَ والأزهار، لتحيا عدنَ وبيروتَ وبغدادْ
كنسمةِ ريحٍ شماليةٍ،جنوبيةٍ، غربيةٍ، شرقيةٍ
قدسيةٍ محسيريةٍ..
رسالةٌ عربيةٌ شرقيةٌ
جميلةٌ، صغيرةٌ، كبيرةٌ، قويةٌ، ضعيفةٌ، قيمةٌ، نادرةٌ،
قديمةٌ، غاليةٌ، جديدةٌ، نادمةٌ متأسفةٌ، حامدةٌ شاكرة
وأقولُ في مطلعها السلام..