العفو الذاتي ثغرة قد تنجي ترامب.. عودة إلى التاريخ المربك للعفو الرئاسي الأمريكي
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/12 الساعة 11:25
مدار الساعة - طبق الرئيس دونالد ترامب سلطته في العفو الرئاسي، في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن الديك الرومي "كورن"، في تقليد سنوي مُتّبع منذ عقود في عيد الشكر. لكن صلاحيات الرأفة الممنوحة لرئيس الولايات المتحدة تمتد إلى ما هو أبعد من قرارات الرأفة عن ديك رومي.
وهذا ما يفكر فيه ترامب قبل مغادرة المنصب، أي أن يمنح العفو الاستباقي لصهره وأبنائه الثلاثة الكبار ومحاميه الشخصي، رودولف جولياني، وفقاً لصحيفة New York Times.
تعد سلطة العفو الممنوحة للرئيس الأمريكي قديمة قدم المنصب نفسه، لكن الجدل حول كيفية ممارسة الرئيس لهذا الامتياز مستمر منذ تأسيس الدولة.
على الرغم من التاريخ الزاخر بقرارات العفو عن شخصيات مثيرة للجدل بعد -وحتى قبل- إدانتهم بارتكاب جرائم فيدرالية، لا يزال هناك نوع واحد من العفو لم يتطرق إليه أي رئيس، ألا وهو العفو الذاتي.
جدال واضعي الدستور بشأن العفو الرئاسي
في المؤتمر الدستوري عام 1787، اقترح ألكسندر هاميلتون منح الرئيس سلطة العفو عن مرتكبي جرائم أو تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، موضحاً في وقتٍ لاحق، أنَّ هذا العفو الرئاسي قد يساعد في "استعادة هدوء دول الكومنولث" خلال أوقات التمرد. لم تكن سلطة العفو مفهوماً جديداً، إذ أعطت القوانين الإنجليزية الملوك منذ زمنٍ طويل، الحق في منح الرأفة لرعاياهم، وامتدت تلك الممارسة إلى حُكّام المستعمرات البريطانية في أمريكا. اتفق معظم واضعي الدستور الأمريكي مع هاميلتون وصوّتوا لاحقاً ضد مشروع قانون يمنع الرئيس من العفو في قضايا الخيانة، حسبما نشر موقع National Geographic الأمريكية. تمنح المادة الثانية من الدستور الأمريكي الرئيس سلطة إرجاء تنفيذ الأحكام ومنح العفو في مخالفات ترتكب ضد الولايات المتحدة. كان الاستثناء الوحيد المنصوص عليه في الدستور هو أنَّه لا يجوز للرؤساء استخدام سلطة العفو لتحصين أنفسهم أو مسؤولين آخرين من العزل في الكونغرس. يتمتع الرئيس الأمريكي بـ4 أنواع من سلطات العفو الرئاسي التي يمكن تطبيقها فقط في ما يتعلق بالجرائم الفيدرالية، وليس في الجرائم الخاصة بالولاية. قد يصدر الرئيس عفواً: يمحو الجريمة تماماً
أو يُخفّف عقوبة جنائية
أو يلغيها
أو يعفي شخصاً من تنفيذ التزام قانوني مثل دفع غرامة مالية أو يرجئ تنفيذ عقوبة.
لطالما كانت سلطة العفو غير المحدودة التي يتمتع بها الرئيس مسألة مثيرة للجدل لدرجة أنَّها أخذت بعين الاعتبار قرار جورج ماسون، مندوب بنسلفانيا في الاجتماع الدستوري الأمريكي لعام 1787، الامتناع عن التوقيع على الدستور، حيث حذَّر ماسون من أنَّ منح الرئيس سلطة العفو في جرائم الخيانة قد يقوده إلى استغلالها "في استخدامات خطيرة" كجرائم الخيانة التي كان شريكاً متآمراً فيها، الأمر الذي اعتقد ماسون أنَّه قد يؤدي إلى تدمير الجمهورية الأمريكية. قرارات عفو رئاسي عبر التاريخ
كما تبيَّن، كان العفو الرئاسي الأول قد منح الرأفة لرجال ارتكبوا جريمة الخيانة. في عام 1795، عفا الرئيس جورج واشنطن عن رجلين كانا قد نظما الاحتجاجات المعروفة باسم "تمرد الويسكي" عام 1794 في غرب بنسلفانيا رداً على قرار الحكومة الفيدرالية فرض ضريبة مكلفة على المشروبات الكحولية. احتاج جورج واشنطن ميليشيا قوامها 13 ألف رجل لقمع هذا التمرد، وأصدر فيما بعد عفواً عن آخر ما تبقى من المتمردين المقبوض عليهم، في اليوم الأخير من ولايته الثانية عام 1797، مشيراً إلى "رغبته في النظر بعين الرحمة عند تطبيق العدل". استمر تقليد العفو عن المحتجين والشخصيات المستقطبة على مر السنين. بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في عام 1800، أصدر توماس جيفرسون عفواً عن جميع المدانين بموجب قانون إثارة الفتنة الصادر عام 1798، وهو قانون صدر خلال فترة ولاية سلفه يُجرَّم تشويه سمعة الحكومة. ثم أصدر خليفتا جيفرسون، جيمس ماديسون وجيمس مونرو، قرارات عفو رئاسية عن القراصنة. في عام 1833، أصدر الرئيس أندرو جاكسون عفواً عن شخص يُدعى جورج ويلسون، كان قد حُكم عليه بالإعدام لسرقته أحد مكاتب البريد الأمريكي وتعريض حياة ساعي البريد للخطر. رفض ويلسون قرار العفو عنه من دون أسباب واضحة، وقضت المحكمة العليا بحق الشخص في رفض العفو، لينفذ لاحقاً حُكم الإعدام شنقاً الصادر بحق ويلسون. العفو الجماعي
بدوره، أصدر الرئيس أبراهام لينكولن في عام 1862 ،عفواً آخر مثيراً للجدل -وإن كان غير رسمي- عندما رفض التصديق على إعدام 265 رجلاً من داكوتا، إحدى مقاطعات ولاية مينيسوتا. حاول هؤلاء الرجال، الذين كانوا يعانون من الجوع والانتهاكات المتكررة للمعاهدة القائمة، طرد المستوطنين البيض من أراضي أجدادهم الأصليين من خلال حرق المستوطنات وقتل المدنيين، في مجزرة بشعة راح ضحيتها ما بين 600 و700 مستوطن. رداً على ذلك، قتل المستوطنون ما يتجاوز 500 من الأمريكيين الأصليين. شعر الرئيس لينكولن بالفزع جراء المحاكمات الجائرة التي أدانت العديد من الرجال الأبرياء، قائلاً إنَّه "لا يستطيع شنق أشخاص لمجرد مطالبتهم بحق التصويت". لكن بسبب العداء العنصري طويل الأمد تجاه الأمريكيين الأصليين وحجم الجرائم المرتبكة ضدهم، لم يحظ قرار لينكولن بشعبية سياسياً. شُنق بالفعل 38 رجلاً داكوتياً عام 1862، في أكبر عملية إعدام جماعي بتاريخ الولايات المتحدة. في أعقاب الحرب الأهلية عام 1865، انخرط خليفة لينكولن، أندرو جونسون، في منطقة أكثر إثارة للجدل بإصداره عفواً شاملاً عن الكونفدراليين السابقين، باستثناء أولئك الذين ساعدوا شخصياً في تنظيم انفصال الجنوب عن الاتحاد (الولايات المتحدة) وشن حرب ضده. بدأ جونسون، بعد فترة وجيزة، في ممارسة سلطة الرأفة الخاصة به، حيث منح عفواً شخصياً عن أولئك المستثنين من العفو الشامل. في نهاية المطاف، أصدر جونسون عفواً عما يصل إلى 90% من المتقدمين بالتماسات للحصول على العفو الرئاسي -أكثر من 13 ألف شخص- من بينهم العديد من المسؤولين الكونفدراليين رفيعي المستوى. بحلول عام 1867، كتب المؤرخ جوناثان ترومان دوريس، أنَّ جونسون قد عفا أيضاً عن "86 عضواً من أعضاء مجلس نواب الكونغرس الكونفدرالي وعدد أقل من أعضاء مجلس الشيوخ الفيدرالي وربما عشرات من الحكام الكونفدراليين". أصبح العديد من هؤلاء القادة فيما بعد، مهندسي قوانين "جيم كرو"، وهي مجموعة القوانين العنصرية المُصمّمة لإعادة إرساء منظومة الفصل العنصري الوحشية في الكونفدرالية السابقة. العفو الاستباقي
تعرضت تلك السلطة الرئاسية للاختبار عند إصدار قرار العفو الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الأمة الأمريكية، وهو العفو عن رئيس سابق. في سبتمبر/أيلول 1974، بعد شهر من استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في أعقاب قضية التجسس الداخلي المعروفة باسم "فضيحة ووترغيت"، منحه الرئيس جيرالد فورد عفواً غير مشروط عن جميع المخالفات والجرائم التي ربما يكون قد ارتكبها. على الرغم من أنَّ نيكسون لم يواجه أي اتهام رسمي بارتكاب جرائم، فإنه أصبح مواطناً عادياً ويمكن مقاضاته لتورطه في التستر على محاولة التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت. كان فورد، الذي شغل منصب نائب الرئيس نيكسون، يعتقد أنَّ الولايات المتحدة لن تستطيع تحمّل تبعات الانقسام الناجم عن إقامة محاكمة جنائية محتملة ضد هذا الرئيس المتهم بارتكاب جريمة مخزية. لكن قراره أدَّى إلى نتائج عكسية، حيث أثار ردود فعل عنيفة على المستوى الشعبي وداخل الكونغرس. يُعتقد أيضاً أنَّ هذا القرار كلّف فورد مسيرته السياسية. أعقب عفوَ نيكسون عفو استباقي رفيع المستوى، فعندما تولّى الرئيس جيمي كارتر منصبه في يناير/كانون الثاني 1977، أصدر عفواً غير مشروط عن معظم الأشخاص الذين تهرّبوا من الخدمة العسكرية أثناء حرب فيتنام، من ضمنهم أشخاص لم يُقدّموا للمحاكمة القضائية حتى الآن. أدانت جماعات قدامى المحاربين قرار كارتر، على الرغم من أنَّ هذا العفو كان محاولة لرأب الصدوع العميقة الناجمة عن تلك الحرب. عندما يتعلّق الأمر بقرارات العفو الرئاسي، فلا يوجد سوى مسألة صغيرة لم تُختبر بعد، وهي ما إذا كان بإمكان رئيسٍ العفو عن نفسه. تثير احتمالية العفو الذاتي غير المسبوق جدلاً كبيراً مع محاولة حلفاء الرئيس ترامب تشجيعه على فعل ذلك. تعتبر هذه المسألة محل نزاع محتدم بين الخبراء القانونين، لأنَّها لم تحدث قط. لا توجد أي مادة صريحة في الدستور الأمريكي تحظر على الرئيس العفو عن نفسه، أو تمنع الرئيس من التنحي مؤقتاً حتى يستطيع نائبه إصدار قرار بالعفو عنه أثناء شغله منصب الرئيس المؤقت. يشير بعض الباحثين القانونيين إلى أنَّ عدم وجود نص دستوري مُحدّد يحظر صراحةً العفو الذاتي، يمكن تفسيره على أنَّ الرئيس لديه سلطة فعل ذلك. لكن يعتقد آخرون أنَّ العفو الذاتي سيكون غير قانوني بصورة واضحة، بالنظر إلى أنَّ الدستور يحظر على أي شخصٍ البت قانونياً في قضايا خاصة به. يشيرون أيضاً إلى سابقة تمنع الرئيس من عرقلة التحقيقات الجنائية الفيدرالية. يتشاطر هذا الرأي نائبة المدعي العام السابقة، ماري سي لوتون، التي بحثت في تلك المسألة عام 1974 بناءً على طلب ريتشارد نيكسون. إذا أصدر الرئيس عفواً عن نفسه، فمن المرجح أن يواجه هذا الإجراء طعناً قانونياً، لكن فقط إذا كان الرئيس السابق متهماً بارتكاب جريمة فيدرالية. العفو الرئاسي وإدارة ترامب
بدايةً من ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدر ترامب عفواً عن 27 شخصاً وخفَّف الأحكام الصادرة بحق 11 آخرين، من بينهم العديد من أصدقاء الرئيس ومؤيديه. على الرغم من أنَّ ترامب تعرَّض لانتقادات بسبب ذلك، لم يُشكّل هذا الإجراء سابقة فريدة من نوعها. في عام 2001، على سبيل المثال، أصدر الرئيس بيل كلينتون عفواً رئاسياً عن أخيه غير الشقيق، روجر كلينتون، بعد إدانته بحيازة الكوكايين عام 1985. أصدر ترامب عفواً عن عدد قليل من الأشخاص مقارنةً بأي من أسلافه المعاصرين. وكان الرئيس السابق، باراك أوباما، قد شجَّع الناس على التقدم بطلب التماس الرأفة، وأصدر عفواً عن 212 شخصاً، وخفَّف عقوبة 1715 حكماً قضائياً خلال فترة شغله المنصب طوال 8 سنوات. كان أغلب هذه الأحكام القضائية يتعلّق بارتكاب جرائم مخدرات منخفضة المستوى. ولكن في حالة ترامب، فحتى لو منح في نهاية المطاف شكلاً من أشكال الرأفة لأبنائه أو لنفسه، فإنَّ العفو الرئاسي لا يوفر حماية شاملة ضد الملاحقة القضائية، لأنَّ سلطة العفو تنطبق فقط على الجرائم الفيدرالية. وفي ضوء ذلك، لا تزال الولايات الأمريكية قادرة على توجيه اتهامات جنائية إلى أي شخص عُفي عنه، بغض النظر عن هوية هذا الشخص. عربي بوست
في المؤتمر الدستوري عام 1787، اقترح ألكسندر هاميلتون منح الرئيس سلطة العفو عن مرتكبي جرائم أو تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، موضحاً في وقتٍ لاحق، أنَّ هذا العفو الرئاسي قد يساعد في "استعادة هدوء دول الكومنولث" خلال أوقات التمرد. لم تكن سلطة العفو مفهوماً جديداً، إذ أعطت القوانين الإنجليزية الملوك منذ زمنٍ طويل، الحق في منح الرأفة لرعاياهم، وامتدت تلك الممارسة إلى حُكّام المستعمرات البريطانية في أمريكا. اتفق معظم واضعي الدستور الأمريكي مع هاميلتون وصوّتوا لاحقاً ضد مشروع قانون يمنع الرئيس من العفو في قضايا الخيانة، حسبما نشر موقع National Geographic الأمريكية. تمنح المادة الثانية من الدستور الأمريكي الرئيس سلطة إرجاء تنفيذ الأحكام ومنح العفو في مخالفات ترتكب ضد الولايات المتحدة. كان الاستثناء الوحيد المنصوص عليه في الدستور هو أنَّه لا يجوز للرؤساء استخدام سلطة العفو لتحصين أنفسهم أو مسؤولين آخرين من العزل في الكونغرس. يتمتع الرئيس الأمريكي بـ4 أنواع من سلطات العفو الرئاسي التي يمكن تطبيقها فقط في ما يتعلق بالجرائم الفيدرالية، وليس في الجرائم الخاصة بالولاية. قد يصدر الرئيس عفواً: يمحو الجريمة تماماً
أو يُخفّف عقوبة جنائية
أو يلغيها
أو يعفي شخصاً من تنفيذ التزام قانوني مثل دفع غرامة مالية أو يرجئ تنفيذ عقوبة.
لطالما كانت سلطة العفو غير المحدودة التي يتمتع بها الرئيس مسألة مثيرة للجدل لدرجة أنَّها أخذت بعين الاعتبار قرار جورج ماسون، مندوب بنسلفانيا في الاجتماع الدستوري الأمريكي لعام 1787، الامتناع عن التوقيع على الدستور، حيث حذَّر ماسون من أنَّ منح الرئيس سلطة العفو في جرائم الخيانة قد يقوده إلى استغلالها "في استخدامات خطيرة" كجرائم الخيانة التي كان شريكاً متآمراً فيها، الأمر الذي اعتقد ماسون أنَّه قد يؤدي إلى تدمير الجمهورية الأمريكية. قرارات عفو رئاسي عبر التاريخ
كما تبيَّن، كان العفو الرئاسي الأول قد منح الرأفة لرجال ارتكبوا جريمة الخيانة. في عام 1795، عفا الرئيس جورج واشنطن عن رجلين كانا قد نظما الاحتجاجات المعروفة باسم "تمرد الويسكي" عام 1794 في غرب بنسلفانيا رداً على قرار الحكومة الفيدرالية فرض ضريبة مكلفة على المشروبات الكحولية. احتاج جورج واشنطن ميليشيا قوامها 13 ألف رجل لقمع هذا التمرد، وأصدر فيما بعد عفواً عن آخر ما تبقى من المتمردين المقبوض عليهم، في اليوم الأخير من ولايته الثانية عام 1797، مشيراً إلى "رغبته في النظر بعين الرحمة عند تطبيق العدل". استمر تقليد العفو عن المحتجين والشخصيات المستقطبة على مر السنين. بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في عام 1800، أصدر توماس جيفرسون عفواً عن جميع المدانين بموجب قانون إثارة الفتنة الصادر عام 1798، وهو قانون صدر خلال فترة ولاية سلفه يُجرَّم تشويه سمعة الحكومة. ثم أصدر خليفتا جيفرسون، جيمس ماديسون وجيمس مونرو، قرارات عفو رئاسية عن القراصنة. في عام 1833، أصدر الرئيس أندرو جاكسون عفواً عن شخص يُدعى جورج ويلسون، كان قد حُكم عليه بالإعدام لسرقته أحد مكاتب البريد الأمريكي وتعريض حياة ساعي البريد للخطر. رفض ويلسون قرار العفو عنه من دون أسباب واضحة، وقضت المحكمة العليا بحق الشخص في رفض العفو، لينفذ لاحقاً حُكم الإعدام شنقاً الصادر بحق ويلسون. العفو الجماعي
بدوره، أصدر الرئيس أبراهام لينكولن في عام 1862 ،عفواً آخر مثيراً للجدل -وإن كان غير رسمي- عندما رفض التصديق على إعدام 265 رجلاً من داكوتا، إحدى مقاطعات ولاية مينيسوتا. حاول هؤلاء الرجال، الذين كانوا يعانون من الجوع والانتهاكات المتكررة للمعاهدة القائمة، طرد المستوطنين البيض من أراضي أجدادهم الأصليين من خلال حرق المستوطنات وقتل المدنيين، في مجزرة بشعة راح ضحيتها ما بين 600 و700 مستوطن. رداً على ذلك، قتل المستوطنون ما يتجاوز 500 من الأمريكيين الأصليين. شعر الرئيس لينكولن بالفزع جراء المحاكمات الجائرة التي أدانت العديد من الرجال الأبرياء، قائلاً إنَّه "لا يستطيع شنق أشخاص لمجرد مطالبتهم بحق التصويت". لكن بسبب العداء العنصري طويل الأمد تجاه الأمريكيين الأصليين وحجم الجرائم المرتبكة ضدهم، لم يحظ قرار لينكولن بشعبية سياسياً. شُنق بالفعل 38 رجلاً داكوتياً عام 1862، في أكبر عملية إعدام جماعي بتاريخ الولايات المتحدة. في أعقاب الحرب الأهلية عام 1865، انخرط خليفة لينكولن، أندرو جونسون، في منطقة أكثر إثارة للجدل بإصداره عفواً شاملاً عن الكونفدراليين السابقين، باستثناء أولئك الذين ساعدوا شخصياً في تنظيم انفصال الجنوب عن الاتحاد (الولايات المتحدة) وشن حرب ضده. بدأ جونسون، بعد فترة وجيزة، في ممارسة سلطة الرأفة الخاصة به، حيث منح عفواً شخصياً عن أولئك المستثنين من العفو الشامل. في نهاية المطاف، أصدر جونسون عفواً عما يصل إلى 90% من المتقدمين بالتماسات للحصول على العفو الرئاسي -أكثر من 13 ألف شخص- من بينهم العديد من المسؤولين الكونفدراليين رفيعي المستوى. بحلول عام 1867، كتب المؤرخ جوناثان ترومان دوريس، أنَّ جونسون قد عفا أيضاً عن "86 عضواً من أعضاء مجلس نواب الكونغرس الكونفدرالي وعدد أقل من أعضاء مجلس الشيوخ الفيدرالي وربما عشرات من الحكام الكونفدراليين". أصبح العديد من هؤلاء القادة فيما بعد، مهندسي قوانين "جيم كرو"، وهي مجموعة القوانين العنصرية المُصمّمة لإعادة إرساء منظومة الفصل العنصري الوحشية في الكونفدرالية السابقة. العفو الاستباقي
تعرضت تلك السلطة الرئاسية للاختبار عند إصدار قرار العفو الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الأمة الأمريكية، وهو العفو عن رئيس سابق. في سبتمبر/أيلول 1974، بعد شهر من استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون في أعقاب قضية التجسس الداخلي المعروفة باسم "فضيحة ووترغيت"، منحه الرئيس جيرالد فورد عفواً غير مشروط عن جميع المخالفات والجرائم التي ربما يكون قد ارتكبها. على الرغم من أنَّ نيكسون لم يواجه أي اتهام رسمي بارتكاب جرائم، فإنه أصبح مواطناً عادياً ويمكن مقاضاته لتورطه في التستر على محاولة التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت. كان فورد، الذي شغل منصب نائب الرئيس نيكسون، يعتقد أنَّ الولايات المتحدة لن تستطيع تحمّل تبعات الانقسام الناجم عن إقامة محاكمة جنائية محتملة ضد هذا الرئيس المتهم بارتكاب جريمة مخزية. لكن قراره أدَّى إلى نتائج عكسية، حيث أثار ردود فعل عنيفة على المستوى الشعبي وداخل الكونغرس. يُعتقد أيضاً أنَّ هذا القرار كلّف فورد مسيرته السياسية. أعقب عفوَ نيكسون عفو استباقي رفيع المستوى، فعندما تولّى الرئيس جيمي كارتر منصبه في يناير/كانون الثاني 1977، أصدر عفواً غير مشروط عن معظم الأشخاص الذين تهرّبوا من الخدمة العسكرية أثناء حرب فيتنام، من ضمنهم أشخاص لم يُقدّموا للمحاكمة القضائية حتى الآن. أدانت جماعات قدامى المحاربين قرار كارتر، على الرغم من أنَّ هذا العفو كان محاولة لرأب الصدوع العميقة الناجمة عن تلك الحرب. عندما يتعلّق الأمر بقرارات العفو الرئاسي، فلا يوجد سوى مسألة صغيرة لم تُختبر بعد، وهي ما إذا كان بإمكان رئيسٍ العفو عن نفسه. تثير احتمالية العفو الذاتي غير المسبوق جدلاً كبيراً مع محاولة حلفاء الرئيس ترامب تشجيعه على فعل ذلك. تعتبر هذه المسألة محل نزاع محتدم بين الخبراء القانونين، لأنَّها لم تحدث قط. لا توجد أي مادة صريحة في الدستور الأمريكي تحظر على الرئيس العفو عن نفسه، أو تمنع الرئيس من التنحي مؤقتاً حتى يستطيع نائبه إصدار قرار بالعفو عنه أثناء شغله منصب الرئيس المؤقت. يشير بعض الباحثين القانونيين إلى أنَّ عدم وجود نص دستوري مُحدّد يحظر صراحةً العفو الذاتي، يمكن تفسيره على أنَّ الرئيس لديه سلطة فعل ذلك. لكن يعتقد آخرون أنَّ العفو الذاتي سيكون غير قانوني بصورة واضحة، بالنظر إلى أنَّ الدستور يحظر على أي شخصٍ البت قانونياً في قضايا خاصة به. يشيرون أيضاً إلى سابقة تمنع الرئيس من عرقلة التحقيقات الجنائية الفيدرالية. يتشاطر هذا الرأي نائبة المدعي العام السابقة، ماري سي لوتون، التي بحثت في تلك المسألة عام 1974 بناءً على طلب ريتشارد نيكسون. إذا أصدر الرئيس عفواً عن نفسه، فمن المرجح أن يواجه هذا الإجراء طعناً قانونياً، لكن فقط إذا كان الرئيس السابق متهماً بارتكاب جريمة فيدرالية. العفو الرئاسي وإدارة ترامب
بدايةً من ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدر ترامب عفواً عن 27 شخصاً وخفَّف الأحكام الصادرة بحق 11 آخرين، من بينهم العديد من أصدقاء الرئيس ومؤيديه. على الرغم من أنَّ ترامب تعرَّض لانتقادات بسبب ذلك، لم يُشكّل هذا الإجراء سابقة فريدة من نوعها. في عام 2001، على سبيل المثال، أصدر الرئيس بيل كلينتون عفواً رئاسياً عن أخيه غير الشقيق، روجر كلينتون، بعد إدانته بحيازة الكوكايين عام 1985. أصدر ترامب عفواً عن عدد قليل من الأشخاص مقارنةً بأي من أسلافه المعاصرين. وكان الرئيس السابق، باراك أوباما، قد شجَّع الناس على التقدم بطلب التماس الرأفة، وأصدر عفواً عن 212 شخصاً، وخفَّف عقوبة 1715 حكماً قضائياً خلال فترة شغله المنصب طوال 8 سنوات. كان أغلب هذه الأحكام القضائية يتعلّق بارتكاب جرائم مخدرات منخفضة المستوى. ولكن في حالة ترامب، فحتى لو منح في نهاية المطاف شكلاً من أشكال الرأفة لأبنائه أو لنفسه، فإنَّ العفو الرئاسي لا يوفر حماية شاملة ضد الملاحقة القضائية، لأنَّ سلطة العفو تنطبق فقط على الجرائم الفيدرالية. وفي ضوء ذلك، لا تزال الولايات الأمريكية قادرة على توجيه اتهامات جنائية إلى أي شخص عُفي عنه، بغض النظر عن هوية هذا الشخص. عربي بوست
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/12 الساعة 11:25