الأقليات المسلمة تحت مجهر العلمانية
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/10 الساعة 11:50
مدار الساعة - بعد تمرير إساءة صحيفة شارلي إيبدو لنبي الإسلام الكريم من أعلى مراكز صنع القرار الرسمية في فرنسا، بحجة احترام حرية التعبير والرأي، أثارت العلمانية جدلا واسعا بين التيارات السياسية والدينية المختلفة، فقد فتح التعصب الفرنسي ضد الأديان بابًا للكثير من التساؤلات عن مفهوم العلمانية وتطبيقاتها وأشكالها وتصوراتها سواء في أوروبا أو في البلدان التي اقتبست واستنسخت أصولها ومعتقداتها لاحقا.
ولعل السؤال الأبرز في هذا النقاش هو ما إذا كانت العلمانية تعادي الدين الإسلامي على وجه الخصوص أم أن القضية متعلقة بحيادية الدولة من الدين، وهذا ما دفعنا إلى فتح ملف "مسارب العلمانية" الذي نطرح فيه أهم المحاور المتعلقة بالعلمانية ومواقفها تجاه المسلمين، وتأثيرها على مستقبلهم.
العلمانية
تتعدد تعريفات العلمانية، لكن أكثرها اتساقًا واتفاقًا في أغلب بلدان العالم، تعريفها على أنها فصل للدين عن الشؤون المدنية، وهذا يعني بالتبعية عدم تدخل الجماعات الدينية في شؤون الدولة، وبالمقابل لا تتدخل الدولة في الشؤون الدينية. لكن فصل الدين عن الدولة جعل الفكرة في بعض بلدان العالم وعاءً يصلح لإظهار العداء لرجال الدين والمتلزمين دينيًا ونفيهم تمامًا من المجال العام وإنكار أي حق لهم في الوجود، خاصة أن العلمانية كفلسفة عند تطبيقها من دولة ما، يعني أنها ستفسر الحياة على أساس مبادئ مأخوذة فقط من العالم المادي ودون اللجوء إلى تعليمات الدين، حتى تبقى اهتمامات الناس متعلقة بالزمنية والمادية. ساهمت عملية بناء الدول القومية بعد معاهدات وستفاليا عام 1648، التي حسمت حرب الثلاثين عامًا، في تحديد مفهوم جديد كامل للسيادة الوطنية، إذ اعترفت المعاهدات بالوجود الشرعي والقانوني لثلاث طوائف مسيحية مختلفة فقط في أوروبا، الكاثوليكية واللوثرية والكالفينية، وكان الإنجاز الأهم هو إعطاء الأمراء الحق في إدارة المجال الديني لدولهم بل وفرض خيارهم الديني على جميع رعاياهم، وكانت هذه أولى مقدمات التحرر من سلطة الكنسية والتمهيد للعلمنة. مع الوقت وتطور الأفكار، عرف العالم المصطلح عام 1851 من خلال الكاتب البريطاني جورج هوليوك الذي روج آنذاك لفهم حديث لمجتمع منفصل عن الدين، لكن دون رفض أو انتقاد المعتقدات الدينية، وبهذه الطريقة كان هوليوك يحاول ربط مصالح الناس بالفكرة، فالعلمانية هنا ليست حجة ضد المسيحية، لكنها طريقة في التفكير مستقلة عنها، لا تشكك في ادعاءات الدين، لكن تُعدد الخيارات أمام الناس وتحترمها. المعنى الجاذب للكاتب، لم يمنع تطور العلمانية في طريقين، أحدهما صلب للغاية، والآخر ناعم ولا يتصادم مع العقائد، الأول تشدد في موقفه من الدين وسعى إلى إنكار افتراضاته تمامًا، بل والقضاء على أي وجود له، بما اشتبك أحيانًا مع مساحة المعتقدات الشخصية للأفراد مثلما يحدث في فرنسا الآن، التي ترفض حتى الحجاب العادي وليس النقاب في الأماكن العامة، كما ترفض الصلبان والقلنسوة اليهودية وكل مظاهر التدين الأخرى، أما العلمانية الناعمة فارتبطت تاريخيًا بما يعرف بالتسامح الليبرالي، الذي يفرق بين العام والخاص لكنه يحترم بشدة كل منهما. يعرّف المنظرون السياسيون الليبراليون في أوروبا العلمانية على أنها حياد الدولة، التي يجب أن لا تمنح امتيازًا لبعض الأديان على غيرها، وتعامل الجميع على قدم المساواة وترفض الانحياز لأي منها. بعض التفسيرات الليبرالية وخاصة النمط الكلاسيكي ـ وهو أقرب الأنظمة إلى الفلسفة الليبرالية ـ تشددت في الحياد وفق مفاهيم دولة الحد الأدنى، والفصل الصارم بين العام والخاص، وأكدت في الوقت نفسه ضرورة أن تبذل الدولة جهدًا معقولًا لتلبية احتياجات الهويات الجنسية والعرقية والدينية، وإعادة صياغة الفضاء العام للدول بشكل عادل للجميع. يزيد الموقف صعوبة للمسلمين في دولة مثل الصين وهو نمط مختلف عن الغرب تمامًا رغم قرب الثقافات الأوروبية، لم تعرف العلمانية حتى الآن تطبيقًا موحدًا، صحيح أن العرف السائد في أوروبا الغربية على وجه التحديد هو نمط العلمانية المعتدلة التي تعتبر الدين أحد موارد الوطنية والهوية، وخاصة بريطانيا وألمانيا والدنمارك، ففي بريطانيا على سبيل المثال الكنيسة معترف بها ككيان وطني ومؤسسة ضمن مؤسسات الدولة. لكن الأمر ليس كذلك في الدنمارك، كما لا يوجد مفهوم بهذا المعنى عن الكنيسة الوطنية في ألمانيا، لكن كلا الطائفتين من البروتستانت والكاثوليك على وجه التحديد تدفع الدولة الألمانية الضرائب نيابة عنهم بجانب تمويلها أنشطة الرعاية المختلفة للكنيسة مثل رعاية المسنين. كل هذه المشاهد التسامحية، لا يمكن مشاهدتها في العلمانية الرديكالية الفرنسية، التي لا ترفض بشدة استيعاب الدين فقط، بل ترغب دائمًا في فضاء وطني جمهوري لا يوجد فيه أي مساحة للدين، مع ضمان الحرية الدينية الشخصية خارج الفضاء المدني، أي أن المؤسسات العامة بكل أنواعها وأشكالها وفقًا للتطبيق على أرض الواقع، بما في ذلك الشوارع والحدائق والمتاجر، يجب أن لا يكون لأي مظهر ديني أي وجود فيها. يزيد الموقف صعوبة للمسلمين في دولة مثل الصين وهو نمط مختلف عن الغرب تمامًا، إذ تشدد حكومتها من رقابتها وتزيد من اضطهادها للمسلمين بحجة العلمانية الضامنة للهوية الوطنية وخوفًا من النزعات الانفصالية. يتناقض ذلك مع الازدهار الاقتصادي للصين والتحديث السريع والثراء، الذي يحتاج بحسب خبراء إلى ظهير روحي يحفز المؤمنين بالديانات ويلهمهم الرشد والحكمة في استخدام الثروة، لا سيما أتباع الإسلام والمسيحية والجماعات الدينية الصينية التقليدية، لكن هذا الطريق يبقى رؤية تقدمية ستقف أمامها التزامات أيديولوجيا الحزب الشيوعي الصيني، الذي يواجه المختلف عنه بالقمع والاضطهاد. الإسلام واختبار العلمانية
كما أسلفنا لم تكن أبدًا طريقة التعامل واحدة مع العلمانية في البلدان المختلفة ما انعكس على المسلمين، فتسعى دولة مثل بريطانيا لإضافة العديد من القوانين التكميلية بما يتناسب مع زيادة عدد المسلمين على أراضيها، وبما يضمن إيجاد مساواة دينية تتماشى مع المساواة العرقية التي تتبعها الدولة بصرامة، بينما تظهر السياسات على الأرض الكثير من المظالم، وربما ما يحمد لإنجلترا سعيها دائمًا إلى التنسيق مع وسطاء ينوبون عن المسلمين من أجل تحديد هذه المظالم ومعالجتها. لكن فرنسا وهي النموذج الرئيسي الذي يمثل رأس حربة التصورات العلمانية الراديكالية، تقيد حرية المسلمين الدينية مقارنة بكل دول أوروبا الغربية الأخرى، ونتج عن تشددها المتزايد تحالف جديد بين العلمانيين وخصوم المهاجرين من المسلمين على وجه التحديد، ونجح هذا التحالف في فرض المزيد من التشريعات المقيدة للحريات الدينية، لا سيما تشريع حظر ارتداء الحجاب في المدارس العامة. تقف اليوم العلمانية في طريق المسلمين إذا أرادوا الاستمرار بهذه المجتمعات، خاصة مع تمكن الإسلام السياسي في أوروبا وتوغله في كثير من سياقات حياة المسلمين هناك، وانعكاسات ذلك على التوترات الأمنية وتصاعد الكراهية والإسلاموفوبيا. بحسب تقرير لمركز بيو للأبحاث تزايد تعداد المسلمين وأصبحت نسبة تمثيلهم في أوروبا وفق آخر تعداد عام 2016 نحو 4.9% من إجمالي عدد السكان بنسبة ارتفاع بلغت نحو 1% عن تعداد عام 2010، الذي كان نسبة تمثيل المسلمين فيه نحو 3.8% من إجمالي عدد السكان. هذه المؤشرات تفرض - من وجهة نظر المركز الذي يتمتع بحضور كبير في الأوساط البحثية الغربية - إيجاد سيناريوهات واتباعها مع المسلمين على وجه التحديد، الذي يحتمل أن يزيد عددهم الحاليّ إلى ما يقارب 14% من إجمالي عدد السكان عام 2050. ترتكز السيناريوهات على مطالبة المسلمين بالانتماء لهويتهم الجديدة، والتفوق كمجتمع إسلامي قوي ومتميز في أوروبا، وهذا يترجم عمليًا أن كل مسلم أصبح مطالب بتتبع طريق المسيحي الأوروبي، كثير من العلمانية قليل من الانحياز لإظهار التدين والانحياز للدين، ورفض اتباع أي تعاليم تتعارض مع الافتراضات العلمانية، بما يساهم في خلق مسلم علماني بعمق، لكنه إسلام يراه الإسلاميون شاحبًا يتم تقييده داخل المساجد على غرار الكنائس التي قبلت هذه المساحة وآمنت بها. هذه المطالبات بغض النظر عن قبول المسلمين بها أم لا، تحتاج أولًا معرفة مستوى تطبيق المساواة على أرض الواقع بين المسلمين وغيرهم، والوقوف على تفاصيل حياة المسلم في فضاء العلمانية، خاصة إذا عرفنا أن هناك اعترافًا أوروبيًا بتهميش مجموعات وأقليات على رأسهم المسلمون بالطبع، في ظل جدل لا ينقطع عن مكانة الإسلام في أوروبا، دون إيجاد فرص حقيقية للاستماع لوجهة نظر المسلمين وبحث إمكانية الوصول لحلول وسط، باتت هي أعقد ما في الدنيا والواقع الذي نعيشه من الجميع ضد الجميع. نون بوست
تتعدد تعريفات العلمانية، لكن أكثرها اتساقًا واتفاقًا في أغلب بلدان العالم، تعريفها على أنها فصل للدين عن الشؤون المدنية، وهذا يعني بالتبعية عدم تدخل الجماعات الدينية في شؤون الدولة، وبالمقابل لا تتدخل الدولة في الشؤون الدينية. لكن فصل الدين عن الدولة جعل الفكرة في بعض بلدان العالم وعاءً يصلح لإظهار العداء لرجال الدين والمتلزمين دينيًا ونفيهم تمامًا من المجال العام وإنكار أي حق لهم في الوجود، خاصة أن العلمانية كفلسفة عند تطبيقها من دولة ما، يعني أنها ستفسر الحياة على أساس مبادئ مأخوذة فقط من العالم المادي ودون اللجوء إلى تعليمات الدين، حتى تبقى اهتمامات الناس متعلقة بالزمنية والمادية. ساهمت عملية بناء الدول القومية بعد معاهدات وستفاليا عام 1648، التي حسمت حرب الثلاثين عامًا، في تحديد مفهوم جديد كامل للسيادة الوطنية، إذ اعترفت المعاهدات بالوجود الشرعي والقانوني لثلاث طوائف مسيحية مختلفة فقط في أوروبا، الكاثوليكية واللوثرية والكالفينية، وكان الإنجاز الأهم هو إعطاء الأمراء الحق في إدارة المجال الديني لدولهم بل وفرض خيارهم الديني على جميع رعاياهم، وكانت هذه أولى مقدمات التحرر من سلطة الكنسية والتمهيد للعلمنة. مع الوقت وتطور الأفكار، عرف العالم المصطلح عام 1851 من خلال الكاتب البريطاني جورج هوليوك الذي روج آنذاك لفهم حديث لمجتمع منفصل عن الدين، لكن دون رفض أو انتقاد المعتقدات الدينية، وبهذه الطريقة كان هوليوك يحاول ربط مصالح الناس بالفكرة، فالعلمانية هنا ليست حجة ضد المسيحية، لكنها طريقة في التفكير مستقلة عنها، لا تشكك في ادعاءات الدين، لكن تُعدد الخيارات أمام الناس وتحترمها. المعنى الجاذب للكاتب، لم يمنع تطور العلمانية في طريقين، أحدهما صلب للغاية، والآخر ناعم ولا يتصادم مع العقائد، الأول تشدد في موقفه من الدين وسعى إلى إنكار افتراضاته تمامًا، بل والقضاء على أي وجود له، بما اشتبك أحيانًا مع مساحة المعتقدات الشخصية للأفراد مثلما يحدث في فرنسا الآن، التي ترفض حتى الحجاب العادي وليس النقاب في الأماكن العامة، كما ترفض الصلبان والقلنسوة اليهودية وكل مظاهر التدين الأخرى، أما العلمانية الناعمة فارتبطت تاريخيًا بما يعرف بالتسامح الليبرالي، الذي يفرق بين العام والخاص لكنه يحترم بشدة كل منهما. يعرّف المنظرون السياسيون الليبراليون في أوروبا العلمانية على أنها حياد الدولة، التي يجب أن لا تمنح امتيازًا لبعض الأديان على غيرها، وتعامل الجميع على قدم المساواة وترفض الانحياز لأي منها. بعض التفسيرات الليبرالية وخاصة النمط الكلاسيكي ـ وهو أقرب الأنظمة إلى الفلسفة الليبرالية ـ تشددت في الحياد وفق مفاهيم دولة الحد الأدنى، والفصل الصارم بين العام والخاص، وأكدت في الوقت نفسه ضرورة أن تبذل الدولة جهدًا معقولًا لتلبية احتياجات الهويات الجنسية والعرقية والدينية، وإعادة صياغة الفضاء العام للدول بشكل عادل للجميع. يزيد الموقف صعوبة للمسلمين في دولة مثل الصين وهو نمط مختلف عن الغرب تمامًا رغم قرب الثقافات الأوروبية، لم تعرف العلمانية حتى الآن تطبيقًا موحدًا، صحيح أن العرف السائد في أوروبا الغربية على وجه التحديد هو نمط العلمانية المعتدلة التي تعتبر الدين أحد موارد الوطنية والهوية، وخاصة بريطانيا وألمانيا والدنمارك، ففي بريطانيا على سبيل المثال الكنيسة معترف بها ككيان وطني ومؤسسة ضمن مؤسسات الدولة. لكن الأمر ليس كذلك في الدنمارك، كما لا يوجد مفهوم بهذا المعنى عن الكنيسة الوطنية في ألمانيا، لكن كلا الطائفتين من البروتستانت والكاثوليك على وجه التحديد تدفع الدولة الألمانية الضرائب نيابة عنهم بجانب تمويلها أنشطة الرعاية المختلفة للكنيسة مثل رعاية المسنين. كل هذه المشاهد التسامحية، لا يمكن مشاهدتها في العلمانية الرديكالية الفرنسية، التي لا ترفض بشدة استيعاب الدين فقط، بل ترغب دائمًا في فضاء وطني جمهوري لا يوجد فيه أي مساحة للدين، مع ضمان الحرية الدينية الشخصية خارج الفضاء المدني، أي أن المؤسسات العامة بكل أنواعها وأشكالها وفقًا للتطبيق على أرض الواقع، بما في ذلك الشوارع والحدائق والمتاجر، يجب أن لا يكون لأي مظهر ديني أي وجود فيها. يزيد الموقف صعوبة للمسلمين في دولة مثل الصين وهو نمط مختلف عن الغرب تمامًا، إذ تشدد حكومتها من رقابتها وتزيد من اضطهادها للمسلمين بحجة العلمانية الضامنة للهوية الوطنية وخوفًا من النزعات الانفصالية. يتناقض ذلك مع الازدهار الاقتصادي للصين والتحديث السريع والثراء، الذي يحتاج بحسب خبراء إلى ظهير روحي يحفز المؤمنين بالديانات ويلهمهم الرشد والحكمة في استخدام الثروة، لا سيما أتباع الإسلام والمسيحية والجماعات الدينية الصينية التقليدية، لكن هذا الطريق يبقى رؤية تقدمية ستقف أمامها التزامات أيديولوجيا الحزب الشيوعي الصيني، الذي يواجه المختلف عنه بالقمع والاضطهاد. الإسلام واختبار العلمانية
كما أسلفنا لم تكن أبدًا طريقة التعامل واحدة مع العلمانية في البلدان المختلفة ما انعكس على المسلمين، فتسعى دولة مثل بريطانيا لإضافة العديد من القوانين التكميلية بما يتناسب مع زيادة عدد المسلمين على أراضيها، وبما يضمن إيجاد مساواة دينية تتماشى مع المساواة العرقية التي تتبعها الدولة بصرامة، بينما تظهر السياسات على الأرض الكثير من المظالم، وربما ما يحمد لإنجلترا سعيها دائمًا إلى التنسيق مع وسطاء ينوبون عن المسلمين من أجل تحديد هذه المظالم ومعالجتها. لكن فرنسا وهي النموذج الرئيسي الذي يمثل رأس حربة التصورات العلمانية الراديكالية، تقيد حرية المسلمين الدينية مقارنة بكل دول أوروبا الغربية الأخرى، ونتج عن تشددها المتزايد تحالف جديد بين العلمانيين وخصوم المهاجرين من المسلمين على وجه التحديد، ونجح هذا التحالف في فرض المزيد من التشريعات المقيدة للحريات الدينية، لا سيما تشريع حظر ارتداء الحجاب في المدارس العامة. تقف اليوم العلمانية في طريق المسلمين إذا أرادوا الاستمرار بهذه المجتمعات، خاصة مع تمكن الإسلام السياسي في أوروبا وتوغله في كثير من سياقات حياة المسلمين هناك، وانعكاسات ذلك على التوترات الأمنية وتصاعد الكراهية والإسلاموفوبيا. بحسب تقرير لمركز بيو للأبحاث تزايد تعداد المسلمين وأصبحت نسبة تمثيلهم في أوروبا وفق آخر تعداد عام 2016 نحو 4.9% من إجمالي عدد السكان بنسبة ارتفاع بلغت نحو 1% عن تعداد عام 2010، الذي كان نسبة تمثيل المسلمين فيه نحو 3.8% من إجمالي عدد السكان. هذه المؤشرات تفرض - من وجهة نظر المركز الذي يتمتع بحضور كبير في الأوساط البحثية الغربية - إيجاد سيناريوهات واتباعها مع المسلمين على وجه التحديد، الذي يحتمل أن يزيد عددهم الحاليّ إلى ما يقارب 14% من إجمالي عدد السكان عام 2050. ترتكز السيناريوهات على مطالبة المسلمين بالانتماء لهويتهم الجديدة، والتفوق كمجتمع إسلامي قوي ومتميز في أوروبا، وهذا يترجم عمليًا أن كل مسلم أصبح مطالب بتتبع طريق المسيحي الأوروبي، كثير من العلمانية قليل من الانحياز لإظهار التدين والانحياز للدين، ورفض اتباع أي تعاليم تتعارض مع الافتراضات العلمانية، بما يساهم في خلق مسلم علماني بعمق، لكنه إسلام يراه الإسلاميون شاحبًا يتم تقييده داخل المساجد على غرار الكنائس التي قبلت هذه المساحة وآمنت بها. هذه المطالبات بغض النظر عن قبول المسلمين بها أم لا، تحتاج أولًا معرفة مستوى تطبيق المساواة على أرض الواقع بين المسلمين وغيرهم، والوقوف على تفاصيل حياة المسلم في فضاء العلمانية، خاصة إذا عرفنا أن هناك اعترافًا أوروبيًا بتهميش مجموعات وأقليات على رأسهم المسلمون بالطبع، في ظل جدل لا ينقطع عن مكانة الإسلام في أوروبا، دون إيجاد فرص حقيقية للاستماع لوجهة نظر المسلمين وبحث إمكانية الوصول لحلول وسط، باتت هي أعقد ما في الدنيا والواقع الذي نعيشه من الجميع ضد الجميع. نون بوست
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/10 الساعة 11:50