المدرسة والمجتمع والشراكة في التعليم

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/10 الساعة 10:52
منذ ظهرت المدرسة عبر تاريخ الامم والشعوب صرحاً تعليمياً شامخاً ومنارةً للعلم والمعرفة، ومؤسسة تربوية تهدف وتحرص على اكمال دور الاباء والامهات في تربية الابناء وتنشئتهم النشأة الصالحة والسليمة وفق فلسفة التربية التي يتفق عليها المجتمع اساساً لغرس القيم ومحطة لاعداد الابناء اعداداً خاصاً لمواجهة المستقبل الذي تغير ويتغير عبر التاريخ بتسارع تارة وببطء تارة اخرى، وتغيرت معه طبيعة التعلم وطبيعة التربية ولكن بقيت ثوابت الشراكة دائماً بين المدرسة والمجتمع أساساً للتغيير الذي يسعى اليه المجتمع، ومدرسة اليوم في عصر الثورة المعلوماتية وثورة المعرفه لا بد ان تحافظ على ادوارها في ترجمة الأهداف العامة للتربية والتعليم، وتوفر متطلبات تحقيق النمو الشامل للطلبه معرفياً وجسمياً واجتماعياً، وبما يرضي الله باتباع اوامره وتجنب نواهيه، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، والحرص على قول الصدق وتجنب الكذب ومعاملة الناس معاملة حسنة، واحترام الكبير، وطاعة الوالدين، واكتساب صفات حميدة مثل: الشجاعة والجرأة والكرم والرحمة بالآخرين والابتعاد عن العنف ، والتعاون والمحبة وتجنب الكراهية والبغضاء والنميمة والحسد وحب الخير للناس، وهي قيم وسلوكيات تؤسس لها الاسرة ثم تأخذ المدرسة دورها في تعميقها والانتقال بها الى واقع عملي معزز بالوسائل والاساليب ضمن مفاهيم علمية حديثه تأخذ بتجربة الغير مع الحفاظ على خصوصية وطنية لبناء الشخصية المتكاملة والمتوازنة للطلبة وفقاً لأسس المواطنة الصالحة ومعايير وقيم المجتمع والولاء والانتماء في أجواء الانفتاح والتسامح والحريه والحداثه. وهنا فلا شك عندي وعند الاخرين أن المدرسة يجب ان تكون مركزاً حضارياً لنشر الثقافة والفكر ، وتوجيه الأبناء الوجهة الاجتماعية الصحيحة كي يكتسبوا من العادات الفكرية والعاطفية والاجتماعية ما يساعدهم على التكيف الصحيح في المجتمع، بل وتقدم المجتمع، فالمدرسة والأسرة هما إذن المؤسستان التي أوجدهما المجتمع للإشراف على العملية الاجتماعية كما أوجد السلطه لتنظيم العلاقة بين الافراد ضمن مفهوم الحقوق والواجبات في اطار الحفاظ على الامن والاستقرار وتحقيق العداله للجميع. و نظراً لدورالمدرسة والمجتمع الفعال في العمل الهادف والمنظم تبعاً لأهداف المجتمع وفلسفته ككل ليتحقق فيما بعد دور كبير للافراد في رفعة المجتمع عبر المشاركة السياسية التي تعاني اليوم احجاماً واستنكافاً من الشباب للانخراط فيها ومما يبرر لوزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز هذه الاندفاعه نحو منح الامل لكل الطلاب للمشاركة تحت شعار التعليم حياه ولا وجود للفشل مع نظام تعليمي يمنح الفرصه لكل الافراد كي يساهموا في بناء الوطن وتعزيز اقتصاده وكيانه. وفي اطار دور المدرسة يظهر جلياً للعيان دور المعلم القائد للتغير والمحفز للابداع والشريك للمجتمع في اعداد الطلبه للمشاركة في حياة بلدانهم ، وهذا القائد المحرك للتغيير وفي ظل انطلاقة وزارة التربية لطرح استراتيجيات تعليم جديده، تتناسب ومعطيات العصر في بلد ثروته مورده البشري يجب ان يمر باعداد افضل للمعلمين وبخاصة المعلمين المكلفين بتدريس الفئة العمرية الصغيرة من الطلبه ابتداءاً من مرحلة ما قبل المدرسة اي رياض الاطفال، فالمعرفه والعلم والتعلم قضايا بنائية تراكمية ، وما يتم تعلمه في الصغر نقش في حجر، وما يتجاوزه المرء في التعلم المبكر يصبح من الصعب عليه تداركه الا وفق خطط علاجيه خاصة ، فالمعلم صلب العملية التعليمية و عليه ان يتحلى بأعلى درجات الامانة و يقظة الضمير و عظيم المسؤولية و أعلى درجات الانتماء للوطن و ترابه و قيادته وان يكون متوقد الذهن يعد مذكرته بكل دقة و اوراق عمله بكل عناية متضمنة قصر المادة و تعليم التفكير و اعطاء الحرية للطالب ليفكر و يبحث للوصول الى النتائج سواءٌ بجهده الذاتي او بالتعاون مع الجماعة وينتقل دائماً من المجرد الى المحسوس والى التعلم باللعب، وأن يقيس نتائج عمله باستمرار فيعرض للمشكلات الطارئة و يتخيل المشكلات المستقبلية . ان المعلم الحاذق لابد ان يكون مثقفاً مطلعاً على أحدث الاساليب وما يطرأ على العملية التعليمية التعلمية من تطور في عالم يشهد متغيرات كثيرة، وان يدرك انه لا يقوم بدور واحد فهو المعلم و المتعلم و الصديق للطالب و الاب للضعيف و القائد و القدوة للطلاب في سلوكه و لباسه و ثقافته و الممثل للادوار الكثيرة التي تتطلبها العملية التعليمية كما يقول (بيرجر) في كتابه التربية و المجتمع لا ان يتقولب تفكيره و مهارته في المنهاج و هنا يبرز دور الحرية التي يدعو لتطبيقها معالي وزير التربية و التعليم لدى المعلم و الطالب وما يتعلق بها من المنهاج و مساهمة المجتمع. ان المعلم الذي يراعي كل هذه المعطيات لا يمكن ان يكون معلماً فاشلاً ولا يمكن ان تكون مخرجات التعليم لدى طلبته منخفضة او يشوبها القصور, و بما ان العملية بنائية كما قلنا فلا بدّ من الاستمرار في عمل المعلم في السنوات التالية، و هنا اقترح ان يصعد المعلم مع طلابه من صف الى اخر حتى تقيّم نتيجة نجاحه او فشله واذا وجد نفسه انه غير قادر على تحقيق الاتقان فمن الافضل ان يبحث عن لقمة عيشه في مجال اخر غير التعليم لان بناء الجيل معقود على عاتقه و التخريب فيه يعني ضياع الامة لا سمح الله لانه لا مجال ان يعمل في هذا الميدان الا المبدعين. فالعبث في مصير الجيل جريمة اجتماعية لابدّ ان تخضع للمحاسبة في ضوء رسالة المدرسة التي تعد الاجيال للحياة الكريمة القائمة على الاخلاص و خدمة الامة و بناء الاوطان، وهو ما يتطلب ايضاً تحسين أوضاع المعلمين بشكل يكفل لهم حياة كريمة . أما المجتمع فقد تضمنت برامج التطوير التربوي أبعاداً جديدة كان من أهمها إعطاء دور أكبر لأولياء الأمور والمجتمع المحلي للمساهمة في دعم العملية التعليمية من خلال المساندة والمتابعة المستمرة والشراكة، وكذلك دعم دور المدرسة في المجتمع المحلي، فالمدرسة لا تستطيع تطوير عملها وتحقيق أهدافها والمضي قدما في هذا الطريق دون عمل مخطط وجهد منظم ومشترك مع أولياء الأمور ومؤسسات المجتمع المحلي عبر تبادل الرأي والمشورة بشأن نمو الطلاب ومستوى تحصيلهم، ومدى تقدمهم والصعوبات التي تعترض طريقهم، وكيفية التغلب عليها عبر اجتماعات لجان المدرسة والمجتمع الدورية، وإسهام افراد المجتمع المحلي ولجان المدرسة والمجتمع في تدعيم برامج النشاط المدرسي وتعزيز الشراكة المجتمعية عبر ورش العمل والندوات والمحاضرات المتخصصة، وتقديم الدعم المادي للمدارس الحكومية عبر دعم برامج الصيانة والنشاطات، وتحسين الأداء الدراسي للأبناء فالعديد من الدراسات والبحوث التربوية تؤكد علي وجود علاقة إيجابية بين مشاركة أولياء الأمور ومستويات تحصيل الطلبة وسلوكياتهم واتجاهاتهم. اما عملية التغيير التي اعلن عنها جلالة الملك عبد الله الثاني من اليوم الاول لتوليه مسؤولية الحكم في وطننا العزيز, فهي تقوم على نظرة فاحصة في كل ما يخص الامة و اجيالها من مفاهيم خاطئة بحاجه للتغيير و قيم ثابتة نحافظ على الصالح منها و ننبذ الطالح مع ان هذه القيم كما يجمع علماء الاجتماع تتغير ببطء ولا ضير في ذلك، و عادات تتغير بسرعة وفقا لتطور المجتمع وما يطرأ عليه من مؤثرات داخلية و خارجية و ما يحدثه عالم الصناعة و التكنولوجيا من مفاجآت غير محسوبة في كثير من الاحداث. هذه العادات و التقاليد يجب ان ينظر فيها بدقة، فنغير ما يضر و نطور الاحسن نحو الاحسن , ومن هنا يتطلب الامر تغييراً واضحاً في السلوك، و المدرسة هي المكان الاول لفعل ذلك لأن العملية التعليمية اصلاً هي عملية التغيير في السلوك، و هنا نعود للمعلم و الطالب , الطالب الذي كما قلنا هو محور العملية التعلمية التعليمية , فمنذ نعومة اظفاره نعلمه التفكير كما ذكرنا آنفا ونخلق أجواء من الحرية و الديمقراطية كي لا يكتفي بالمنهاج مهما كان دقيقاً و معداً بعناية, وان نخلق له اجواء من الدافعية القائمة على ان التعليم هو مستقبله و مستقبل الامة التي لا تنهض الا به, واذا ما وضعنا اللبنات الصحيحة للبناء فاننا نستطيع ان نقيم من التعليم صروحاً تقاوم الرياح و الاعاصير و حتى الزلازل، و هنا لا يجوز للمجتمع ان يبقى غافلاً عن ذلك فالمنزل و ولي الامر رجلاً كان او امراة عليه اي يتفهم سياسة التغيير، و ان لا ينظر لنفسه ان عليه و ظيفة واحدة هي توفير المأكل و المشرب و القوت و بيت الاقامة, فالابناء في اعناقهم امانة و الاهتمام بهم و متابعتهم ضرورة لا يجوز اغفالها , مع انه وللاسف يقصر اولياء في حق ابنائهم حين لا يتعاونون مع المدرسة, فالدراسات و الملاحظات تقول: ان من يراجعون المدارس لمتابعة ابنائهم فئة قليلة لا يقع في خانة الرضا. ان سلبيات كثيرة انعكست على ابنائنا و معلمينا فلنعمل جميعاً على تغييرها في جو من الحرية و الديمقراطية و الاخلاص الذي يرى ان الاستثمار في الانسان هو قمة نجاح الامم.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/10 الساعة 10:52