حرب الدراما المشروعة لمواجهة إيران
كتب .. د. نبيل العتوم
الكل يجمع ويدرك أهمية الأعمال الدرامية وتأثيرها في وعي المشاهد العربي باعتبارها تحوي قصصاً واقعية أو أحداثاً أو سيرة تاريخية مثيرة تجعل المشاهد يتفاعل معها ويعيش أحداثها، حتى أصبحت الدراما من أفضل الطرق للتقرب من المجتمعات وجذبها باتجاه قضية أو فكرة ما.، في الوقت الذي يمضي المشاهد العربي ما بين 2-3 ساعات يومياً جالساً أمام الشاشة هروباً من مشاكله وهمومه وأحزانه .
ساحة الدراما اليوم يتم توظيفها واستخدامها كسلاح فتاك لتشكيل الوعي وبناء المواقف ، وتشكل مادة خصبة للسجال على وسائل التواصل الاجتماعي .
باتت الحاجة ملحة اليوم لإنتاج عمل درامي تاريخي يبرز مسار العلاقات العربية الفارسية كما تستحق على هذا الصعيد، مع وجود ممثلين قديرين من الذين اشتهروا بأدوار أثرت في المجتمع العربي، أعتقد جازماً ، قلة من العرب إن صح القول من يعرف تفاصيلها، إلا أن الجمهور العربي استعاد زخم القضية مع مسلسل قيامة أرطغرل الذي شكل نقطة تحول اجتماعي في إعادة الألق للبعث العثماني ، وللمأساة العربية بعد أكثر من تسعين عاماً على انهيار الخلافة .
نعم بات من الضروري العمل على صياغة وعرض مسلسل تاريخي قوي يحمل رسالة للشعوب العربية تسبر كُنه العلاقات العربية والإسلامية مع إيران عبر المحطات التاريخية ، بصورة درامية واقعية وحقيقية لتصل إلى الجميع .
نعم نحن بحاجة إلى دراما تستقطب عاطفة الشعوب ، وتحاكي إنسانيتها للتفاعل بشكل جدي لفهم إيران ، إمبراطوريتها ، و مفاصلها التاريخية ، ومعاناة الفتح الإسلامي ، وصفويتها ، وملكيتها التوسعية ، وثورتها العنصرية .
نعم نريد أن ننتقل ونخرج من مربع الأبحاث والمقالات والتحليلات واللقاءات التلفزيونية والإذاعية …. التي ملها العامة …. ، إلى الشارع والمواطن القابع في منزله وحانوته البسيط ، حين يتفاعل مع الصورة و الكلمة التي تجسدها الحركة، والحدث والمشهد ، فتغرس في نفسه فهم إيران غرسا ، وتصنع رأياً عاماً يتمترس ويجمع الأمة .
لاشك بأن الدراما السياسية والتاريخية لا زالت تُشكل جزء من الإعلام العام الذي يرتبط بالأنظمة الحاكمة وسياساتها ارتباطا وثيقاً ، و عادة تحكم العلاقة بين السلطة وبين الإعلام، أما آن لهذه النظرية السلطوية المترددة ، أن تدعم نشر دراما اعرف عدوك، وترفع الحظر عنها ، كما تفعل إيران الدولة والثورة التي تحالفت مع الدراما وثورتها .
لاشك بأنه وفي ظل هذه السيطرة السياسية “المزاجية ” على الإعلام العربي، باءت محاولات تقديم الفن الهادف بالفشل، وغاب النموذج الداعم لتنمية القيم بمختلف أشكالها عن الساحة، فانتقلنا باعلامنا نحو “طاش ما طاش” ” وحلاوة الروح”وباب الحارة بنسخة النظام السوري .
لكن لماذا هذا التراخي السياسي عن مواجهة إيران درامياً ؟ .
نعتقد أن تقديم الدراما الهادفة لابد أن يكون على قائمة اهتمامات مؤسسات صنع القرار السياسية والأمنية في ظل ما تُعانية الأمة من ويلات ومصائب ، وتفسخ العلاقة بين القيادات العربية وشعوبها ، وصعوبة توجيه الرأي العام الشعبي تجاه أهداف الدولة ومشروعها ، وهكذا يمكن صياغة وبناء الشخصية العربية من خلال العمل الدرامي الهادف والبناء .
ولكن السؤال المطروح ، ما دور الحكومات والأنظمة السياسية الرسمية العربية في دعم العمل الادرامي الهادف ؟ وهل تخشى هذه الحكومات من المواجهة الدرامية مع إيران ؟
وهل هناك أزمة تمويل فعلية بهذا الاتجاه ، كما هو الحال في إعداد الدراسات والأبحاث الهادفة التي تشخص من خلاله المشروع الإيراني بشكل علمي هادف ؟
لا شك بأن هناك العديد من المستثمرين أصحاب الملايين والمليارات لهم توجهات هادفة، فلماذا لا يتم التنسيق معهم للعمل بهدف تمويل مشاريع درامية قوية في مجال توضيح الحقيقة التاريخية لإيران منذ إمبراطوريتها الكسروية حتى ثورتها اليوم ؟.
من وجهة نظري، فإن المشكلة تتمثل في عدم وجود الإيمان الكافي بهذه الفكرة، ما بين شخصيات سياسية وأمنية لا ترغب في مواجهة إيران ، وتحذر من عواقبه ،وبين نخب إعلامية مسيسة بتوجهات دول بحد ذاتها ، وهذا ما قاله لي أحد المسئولين في قناة عربية مرموقة بعد أن اعتزلت استضافتي لأنني عرضت على شاشتها كتابي ” صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية : ” ، أم لجهة شخصيات ونخب فقهية دينية مرموقة متنفعة – كم التقيت بهم – مستفيدين من بقاء السجال مع إيران ضمن الدائرة المذهبية الضيقة، حتى يستمروا في التكسب المالي والسياسي ، تحت غطاء النصب الشرعي لمواجهة إيران ، أم من علمانيين ليبرالين ، يعتقدون أن الدراما التاريخية متخلفة جامدة لا تراعي متطلبات العصر، وقد عاف الزمن عليها .
لو استطاع الإعلام التركيز على الدراما التاريخية وأفلام الكرتون ، و أفلام الانيميشن لتقديم أعمال هادفة للتعريف بإيران وبخطورتها ، فسيكون نقلة كبيرة في التوعية والتربية والتنشئة وصياغة الرأي العام العربي وغير العربي .
بالمقابل هذا الوجه من الحرب الدرامية وظفته إيران بقوة ، و إنقلب فيه الفن ببراعة تامة إلى أداة لبث روح العداء والتحريض ، وكان له مردود سلبي على بناء الذاكرة الشعبية للإيرانيين , حيث أجادوا بوعي استخدام الكراهية ، ودفعوا به نحو الصراع ، واستطاعوا تعبئة الرأي العام الداخلي والموجه بشكل محترف .
قد يقول البعض هل علينا أن نستحضر التاريخ ونوظف الدراما لمواجهة إيران ومشروعها ؟.
نعم يحق لنا ان نفخر بتاريخنا و بعظمائنا , لأن استذكارنا إيجابياً وغير مسيس, فعندما نسيس ونحرف الفن والسينما والمسرح والأمثال الشعبية والنشيد الحماسي والدين خدمة لأهداف مذهبية وتوسعية قبيحة نكون قد كرسنا ثقافة الحكم والثورة والتوسع والصراع والهيمنة , ووقعنا في شراكه وحبائله ، تماماً وهذا ما تفعله إيران .
علينا أن نؤسس لحالة درامية وفنية جديدة نحن صناعها ومبدعوها، نستحضر الماضي ، لتفسير الحاضر ؛ فحينما نستحضر على سبيل المثال قصة الثورة الليبية ، في الفيلم الرائع أسد الصحراء (Lion of the Desert) التي سميت النسخة العربية منه باسم “عمر المختار”، من بطولة أنتوني كوين والذي قام بأداء دور القائد (عمر المختار) جعلنا نشعر بالعزة والافتخار, لم يكن مصطفى العقاد يسأل عن شخص الممثل أو طائفته , وحينما وقع اختياره على أنتوني كوين ليقوم بدور عمر المختار أو اختيار المصور جاك هيلدريارد ،أو المنتج جون شيرلي لم يدخل في حساباته دين هؤلاء أو مذهبهم , ،وحينما أراد أن ينتج الفيلم كان أكثر عقلانيةً من الآخرين حينما حرص على عرض السيناريو بصورة درامية محايدة ، لذا جاء العمل متوازناً ومقبولاً ولاقى نجاحاً ، جعله يترسخ في العقلية الشعبية الجمعية العربية إلى يومنا هذا، ولم يتم اختلاق سيناريوهات ، أو حذف مقاطع أو تشويهها خدمة لأغراض مذهبية كما فعلت إيران في فيلم الرسالة الذي عرضته ، وكنت ممن شاهدوه أثناء دراستي هناك لتحذف مقاطع ، ولتلصق أخرى ، وليزور التاريخ فيرفع سيدنا بلال الآذان من فوق الكعبة ، وليشهد أن علياً هو ولي الله ، وليستغل الفيلم للتأسيس لفكرة ثنائية أهل الحق وأهل الظلال، أو ما يعرف بمعسكر الإسلام الحقيقي وغير الحقيقي ، وكأن الولاية قد نزلت بعد الهجرة إلى مكة مباشرة … ، كل ذلك لتزوير وعي الشعب الإيراني وذاكرته الجمعية ، وتشويه التاريخ وتزويره ، وحقنه بمصل الكراهية والحقد من خلال توظيف الدراما .
أن منتجي الدراما الطائفية والمذهبية الإيرانية التي نجحوا في تصديرها بعد دبلجتها إلى اللغة العربية ليتم بثها في لبنان والعراق وعلى القنوات المذهبية التي تزاحم الفضاء ، جعل إيران تتربع على قمة الدول المشاركة في الدمار المستقبلي لشعوبهم ولشعوب المنطقة ، بعد أن أصبحت ُتُخرج من طاحونة الدراما جنود ، هم بمثابة وقود لحربها الطائفية التي بتنا نعيشها اليوم .
نعم لقد أدخلت إيران الدراما المزيفة لتأجيج الصراع المذهبي في المنطقة، وقامت بإعادة تدوير وإنتاج التاريخ العربي الإسلامي بمنطقها القومي المتعصب . وكأنها تحاول أن تصنع من خلال الدراما تاريخاً للإسلام بنسخته الفارسية المبنية على العدوان والتعصب والرفعة والسمو على الأخر والتحريض ضده وقتله ، فلم يسلم العرب والكرد ، الملعونين من الله حسب ما تقول ، والترك المتآمرين على بعث ثورتها على حد سواء .
نعم كنت من المتابعين جبراً لهذه الدراما المزيفة التي كانت تروج لها إيران بحكم معايشتي للواقع الإيراني ودراستي هناك ، لأن البدائل معدومة أمام جبرية المحطات التلفزيونية الإيرانية ، وحجب الأخرى تحت حجة محاربة التغريب والهجمة الثقافية ، الهدف منها أن يشكك المشاهد في إيران في التاريخ الإسلامي ، والطعن في ثوابت الأمة والنيل من شخصياتها والفاعلين في الحضارة الإسلامية.
نعم تفسر إيران الدراما بمذهبية الحاضر وصراعاته. و تسعى إلى تسييس تاريخنا على نحو مفزع، وتستغله لمشروعها، على الرغم أنها ليست طرفاً في صناعة التاريخ ، بل كانت أحد الأدوات التي دمرت الأمة ، وأشغلت المسلمين عن استمرار الفتح الإسلامي لسنوات وسنوات ، بعد أن استنزفت المسلمين الفاتحين، فضلاً عن أن الدراما الإيرانية تشوه حتى صورة الشيعة العرب ، ولا تعترف بدورهم ولا بمرجعيتهم على حد سواء ، ولا زالت تعتبرهم أحد المصدات البشرية للدفاع عن إيران ، وبالمناسبة هنا حضرت فيلم إيراني عن الحرب العراقية الإيرانية تحت عنوان الحرب المقدسة ، حيث عرض في أحد مشاهده صورة بشعة للعراقيين ” الشيعية ” الذين انضموا للقتال إلى جانب الجيش الإيراني ، وتم تصويرهم بشكل مقزز ، وعزا انتصار إيران إلى إرادة وشجاعة الإيرانيين فقط .
نعم نحن بأمس الحاجة إلى مواجهة درامية نُعري فيها وجه إيران القبيح ، ونسقط عنها ورقة التوت ، لتنكشف سوأتها للعالم أجمع .