«بوليتكو»: ما نسيه ماكرون في قانون «الانفصالية الإسلامية»
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/07 الساعة 10:04
مدار الساعة - نشرت مجلة «بوليتكو» الأمريكية مقالًا للصحافي جون ليشفيلد، حول الوعود التي لم ينفذها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمعالجة التهميش الاجتماعي.
واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن ماكرون أدرك الأمر على نحو صحيح في المرة الأولى، موضحًا أن الرئيس الفرنسي وعد في خطابٍ ألقاه الشهر الماضي بقانون جديد ضد ما أسماه بـ«الانفصالية الإسلامية»، وقال إنه لا بد من وجود قوانين أقوى للدفاع عن القيم العلمانية والديمقراطية في فرنسا، ومنع الإسلام المتطرف من فصل 5 ملايين مسلم في فرنسا عن بقية البلاد.
وأضاف الكاتب أن مشروع القانون، الذي تسرَّب إلى الصحافة، سوف يُقدَّم في اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي في 9 ديسمبر (كانون الأول)، ولكن هناك مشكلة أخرى حدَّدها ماكرون في خطابه لن يعالجها مشروع القانون، وهي التهميش الاجتماعي للمسلمين الشباب.
وقال ماكرون في خطابه الذي ألقاه في بلدية ليه مورو غرب باريس في 2 أكتوبر (تشرين الأول): «لقد زرعنا النزعة الانفصالية بأنفسنا داخل أحيائنا، وأنشأنا أحياء الضواحي التي لم تعد تحافظ على مبادئ الجمهورية الفرنسية (الحرية والأخوة والمساواة)». وكان الرئيس يتحدث عن 1.500 مجمع سكني عام في الضواحي الداخلية لباريس وغيرها من المدن الفرنسية، والتي قد تصل معدلات البطالة فيها بين الشباب إلى 40%.
ولفت الكاتب إلى أن الظروف الاقتصادية في تلك الضواحي ازدادت سوءًا منذ أعمال الشغب التي وقعت في الضواحي في عام 2005، وخاصة بعد أن تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد في تدمير أو تعليق عديد من الوظائف المؤقتة منخفضة الأجر، مشيرًا إلى أن سكان هذه الأماكن ليس كلهم من المسلمين، ولكن عديدًا من المسلمين الفرنسيين البالغ عددهم 5 ملايين نسمة يعيشون في مثل هذه الأماكن.
ونوَّه الكاتب إلى أن ماكرون وعد في خطابه الذي ألقاه في ليه مورو بخطة عمل هذا الخريف من أجل إحداث «تغييرات جذرية» في الضواحي الداخلية، وخاصة للمسلمين الشباب. ووفقًا لماكرون، إذا لم تُتَّخذ إجراءات من هذا القبيل، فستظل هذه الضواحي «تربة خصبة» تنمو فيها الدعاية الإسلامية المتطرفة.
كما أعلن إنشاء «معهد إسلامي» فرنسي جديد لتعزيز فهم الفرنسيين لمساهمات العالم الإسلامي في العلوم والفلسفة والفنون والأدب. لكن، وفقًا للكاتب، لم يكن هناك صدى على الأرض لأي من الوعدين منذ ذلك الحين.
وتابع الكاتب: لقد سالتْ دماءٌ كثيرة، وتعالت أصواتٌ صاخبة، منذ خطاب ليه مورو؛ فبعد أسبوعين فقط من حديث ماكرون، نُحِرت رأس معلِّم التاريخ، صامويل باتي، بالقرب من مدرسته في ضواحي باريس الغربيَّة، وكان باتي قد عرض الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل للنبي محمد أمام طلابه في حصة التربية المدنية حول حرية التعبير والدولة الفرنسية العلمانية، وبعد أقل من أسبوعين من مقتله، قَتلَ مهاجر تونسي شاب ثلاثةَ أشخاصٍ داخل كنيسة في مدينة نيس.
وأثار مشروع قانون ماكرون الموعود بشأن «الانفصالية» جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يستند إلى حد كبير إلى تحريف متعمد.
وأكد الكاتب أن القانون المقترح «لتعزيز القيم الجمهورية» صِيغَ بطريقةٍ غير مُتقنَة في بعض مواضعه، وقد تستبعد هيئة الرقابة الدستورية في فرنسا (المجلس الدستوري) أجزاءً منه، ولكن من المؤكد أن المسودة ليست «هجومًا على الإسلام» كما صورته بعض التقارير في وسائل الإعلام الأمريكية والتعليقات على شبكة الإنترنت، بحسب الكاتب.
وسوف تحظر فرنسا التعليم المنزلي للأطفال الذين تزيد أعمارهم على 3 سنوات مع بعض الاستثناءات المستهدفة للغاية، وستمتد أرقام التسجيل التعليمي التي مُنِحت بالفعل لمعظم الأطفال في فرنسا إلى أولئك الذين يذهبون إلى المدارس الخاصة غير المرخَّصة.
ولكن الهدف ليس تقييد قدرة المسلمين على الوصول إلى التعليم كما ذهبت بعض التغريدات التحريضية في نهاية الأسبوع، بل ضمان أن لا ينفَضَّ فتيان المسلمين وفتياتهم عن النظام إلى المدارس التي تبشِّر بنسخة متطرفة من الإسلام.
وبالإضافة إلى هذه الإجراءات، فإن الجمعيات الدينية أو غيرها من الجمعيات التي تتلقى إعانات دعم عامة لا بد أن توقِّع على ميثاق بشأن احترام «القيم الجمهورية»، وتقوم حاليًا المجموعة الرئيسة للمسلمين الفرنسيين، مُمثلةً لتسعة منظمات، بوضع هذا الميثاق، والذي سينص، من بين أمور أخرى، على أن الإسلام «دين وليس حركة سياسية».
وأضاف الكاتب أن ماكرون، بعيدًا عن القانون الجديد، طلب أيضًا من القادة المسلمين الفرنسيين الموافقة على حوافز وإرشادات لتدرِيب الأئمة الفرنسيين والاعتراف بهم على مستوى البلاد، حيث يوجد 2.500 مسجد في فرنسا، لكن الجمعيات الإسلامية الرئيسة تعترف بـ800 إمام فقط، منهم 300 أجنبي، وبعضهم لا يتحدث الفرنسية.
وقد وُضِعت تلك المقترحات بالتشاور مع الأئمة «المعتدلين» أو «التيار السائد» وغيرهم من القادة والمفكرين المسلمين. بالطبع، لا يوجد تعريف بسيط لما هو معتدل أو سائد، لأنه لا توجد بنية مقبولة عالميًّا للإسلام في فرنسا، وهذا جزء من المشكلة التي يسعى ماكرون لمعالجتها، بحسب الكاتب.
ويرى الكاتب أن مشروع القانون ضروري، فقد شهدت فرنسا ثلاثين هجمة إرهابية خطيرة نفَّذها إسلاميون منذ ثمانية أعوام؛ إذ يعيش على أرض فرنسا 5 ملايين من المسلمين أو من خلفيات مسلمة، بأعداد أكثر نسبيًّا من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، ويقول عدد متزايد من المسلمين الشباب إنهم ينظرون إلى القوانين الفرنسية والمبادئ العلمانية بوصفها أدنى مرتبة وتتعارض مع قوانين الإسلام.
لكن غالبية المسلمين الفرنسيين، ثلثهم، لا يمارسون الشعائر الدينية أو نادرًا ما يمارسونها، كذلك لا يرى أكثر من 70% من المسلمين أي تهديد لحريتهم الدينية من الدولة العلمانية الفرنسية.
وبعبارة أخرى، يحاول ماكرون وضع قواعد جديدة للدفاع عن القيم العلمانية والديمقراطية لفرنسا، وكذلك للدفاع أيضًا عن حق الغالبية العظمى من المسلمين الفرنسيين في العيش والعبادة بعيدًا عن الدعاية المتطرفة المدعومة من الخارج.
وعلى الرغم من هذا، فإن القانون الجديد المقترح، وباعتراف ماكرون نفسه، قاصر وغير مكتمل. وكما أقرَّ الشهر الماضي في خطابه أن فرنسا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد ليشعر مواطنوها المسلمون بأنهم جزء لا يتجزأ من فرنسا، إذ قال إن الدعاية الراديكالية والتهميش الاجتماعي مشكلتان مزدوجتان يجب «معالجتهما بالتوازي على مدى سنوات وسنوات».
ووعد ماكرون ببذل جهود جديدة بشأن «تكافؤ الفرص» ومكافحة التمييز في سوق العمل والإسكان، وتعهد بأن «جزءًا من الشباب الفرنسي لن يُعامَل بعد اليوم بوصفه سلعة تُباع وتُشترى». لكن، وبحسب ما يستدرك الكاتب، وفي حين رأينا المقترحات التي تحارب الإسلام الراديكالي، ماذا عن الوعود المقطوعة بشأن تكافؤ الفرص والمُكابدات التي يعاني منها ساكنو الضواحي المتعددة الأعراق؟
بناء على طلب مئة بلدة محرومة في الضواحي، تعهدت الحكومة الفرنسية هذا الأسبوع بتأمين مليار يورو من برنامج إعادة إطلاق الاقتصاد ما بعد الجائحة الذي تبلغ تكلفته 100 مليار يورو، ومدته عامان، بيد أن هذا ليس جهدًا خاصًا أو الخطة طويلة الأجل الموعودة، فهو المال الذي كان من الممكن أن تتوقعه الضواحي المتعثرة وفقًا لحصتها على أي حال.
وتساءل الكاتب: ماذا عن «التغييرات الجذرية» في نهج فرنسا التي وعد بها ماكرون فيما يتعلق بالإسكان والوظائف والضواحي؟ ينصح المسؤولون الفرنسيِّون بالتحلي بالصبر ويُبشرون بقرب حدوثها، لكن هذا ليس ما وعد به ماكرون في خطاب ليه مورو. لقد قال حينها إن الفقر والتهميش لا يفسِّران أو يبرران التطرف العنيف، لكنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ويجب معالجتهما معًا، وأضاف أن التطرف والتربة التي ينمو فيها يجب «معالجتهما بالتوازي على مدى سنوات».
واختتم الكاتب تقريره بقوله إن ماكرون كان محقًّا في كل هذه الاعتبارات، وينبغي له أن يُعيد قراءة خطابه، وإذا ما نسيَ أو أجَّل ما وعد به مسلمي فرنسا إلى أجل غير مُسمَّى، فسوف يرتكب خطأً فادحًا.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/07 الساعة 10:04