اغتيال محسن فخري زاده.. ملاحظات عربية وإيرانية
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/03 الساعة 09:38
بقلم فراس ابو هلال
أثبتت عملية اغتيال قاسم سليماني في بداية العام الجاري هشاشة الوضع الإيراني، ومحدودية قدرة إيران على الرد على الاعتداءات الأمريكية و"الإسرائيلية"، ولكن عملية الاغتيال الجديدة تؤكد هذه الهشاشة والضعف بشكل أكبر كونها نفذت على أراض إيرانية.
كانت عملية اغتيال قاسم سليماني خارج الأراضي الإيرانية، ونفذت بواسطة طيران بدون طيار (درونز)، ولذلك يمكن فهم فشل إيران بالتصدي لها، ولكن ما لا يمكن فهمه هو عدم قدرة طهران على الحصول على معلومات استخبارية تحذرها من عملية الاغتيال مسبقا. أما عملية اغتيال زاده فهي تثبت فشلا أكبر، إذ إن العملاء الذين نفذوها تواجدوا داخل إيران، وربما تلقوا تدريبات داخلها وخارجها كما تشير وسائل إعلام فارسية، وكان المنفذون يعلمون تحركات زاده تماما، ما جعلهم يحيّدون إحدى سيارات الحماية الخاصة به قبل قتله بالرصاص!
لا يمكن فهم فشل دولة تطمح للعب دور إقليمي كبير في حماية شخصياتها المستهدفة من أعدائها، سواء بالخارج أم في الداخل. هذا الفشل يدل على أن قدراتها أقل بكثير من طموحاتها.
"المستنقع" السوري ومحدودية الرد
إضافة للهشاشة في الأمن الإيراني، وفشله في حماية شخصياته السياسية والعلمية والعسكرية الكبيرة من الاغتيال، فإن اغتيال سليماني قبل حوالي 11 شهرا أثبت محدودية قدرة طهران على الرد على الاعتداءات التي تشن ضدها من قبل الولايات المتحدة أو الاحتلال الصهيوني.
تتعرض المواقع الإيرانية والسورية وتلك التابعة لحزب الله في سوريا لغارات شبه مستمرة من قبل طائرات الاحتلال، بينما لم ترد إيران أو سوريا أو الحزب على هذه الاعتداءات إلا مرة واحدة أو اثنتين.
قد يكون مفهوما أن تمتنع أي دولة عن الرد المباشر على اعتداء خارجي نفذ ضدها بسبب حسابات الربح والخسارة سياسيا وعسكريا، ولكن ما لا يمكن فهمه هو أن تضع هذه الدولة نفسها في موقف الضعف بسبب خياراتها السياسية، وتهورها، ودخولها في معارك جانبية تستنزف قواها.
عندما اندلعت الثورة السورية السلمية كان الموقف في تل أبيب واضحا، ومبنيا على أساسين رئيسين: الأول هو الخوف من سقوط بشار الأسد من باب أن "العدو الذي تعرفه خير من العدو الذي لا تعرفه"، والثاني هو تمني استمرار الصراع وتحوله لحرب عسكرية تستنزف جميع أعداء الاحتلال، وهذا ما حدث فعلا بسبب الرد الدموي من النظام والمدعوم إيرانيا، ضد الثورة السلمية، حيث تحولت بسبب مقاربة النظام وحلفائها -ودعم قوى إقليمية مناهضة لإيران بالطبع- إلى صراع عسكري يضعف الجميع: النظام، إيران، حزب الله، القوى الثورية، وإلى حد ما تركيا. تحول الصراع في سوريا إلى "مستنقع" أمني وسياسي بالنسبة لإيران وحزب الله، وباتت قدرة الطرفين على الرد على الاحتلال محدودة أو شبه معدومة. استنزفت قوة طهران وحلفائها في محاولة وقف الثورة السورية، ثم في الصراع مع القوى العسكرية التي تشكلت بعد "عسكرة" الثورة، وبات ظهر طهران وحزب الله مكشوفا أمام الاحتلال.
كان يمكن لإيران أن تضغط على الأسد لتقديم تنازلات للشعب السوري، ولكنها دعمته في خيار القمع والدم، فتحولت سوريا إلى خاصرة ضعيفة، وغرقت طهران نفسها ومن خلفها حزب الله في حرب استنزاف لم يستفد منها سوى الاحتلال، وأمريكا. مشاريع إقليمية.. وعرب متفرجون! كما يحدث في كل حدث مشابه، انقسم العرب في النقاش حول عملية الاغتيال والاتهام شبه المؤكد للاحتلال الصهيوني بالمسؤولية عنه. وكما يحدث دائما، يفعل الآخرون، ويقتصر دور العرب على الاختلاف على ردة الفعل فقط! تقتل الولايات المتحدة أو الاحتلال الصهيوني، وقد ترد طهران أو لا ترد، ويبقى الطرفان (الاحتلال وحلفاؤه من جهة وإيران من جهة أخرى) في صراع بين مشروعين، فيما يكتفي العرب "بالفرجة" والتشجيع لهذا الطرف أو ذاك. ثمة مشروع إيراني وآخر صهيوني، ويوجد مشروع تركي أيضا في المنطقة، بينما لا يوجد أي مشروع عربي. معظم الدول العربية تعيش ضمن أزماتها الداخلية ولا تعتني بالوضع الإقليمي ولا تهتم به، فيما تقوم استراتيجية بعض أنظمتها على الارتماء في حضن المشروع الصهيوني والاستعماري الأمريكي.
وعندما يتحول دور العربي للمراقبة من صفوف الجمهور بدلا من اللعب، تصبح الصراعات الإعلامية والسياسية حول طريقة التشجيع، وليس حول محاولة البحث عن فرصة لبناء مشروع ذاتي يواجه أو ينافس أو يحالف بندية المشاريع الأخرى. الاغتيالات.. دولة مارقة و"مدللة"! لا يمارس الاغتيال كسياسة "دولة" كما يمارسها الاحتلال. للمستعمرة الصهيونية في فلسطين "حصانة" من النقد دوليا ضد ممارستها لأسلوب الاغتيالات الذي هو سياسة عصابات وليس دول. يوجد دول أخرى بالتأكيد تمارس هذه السياسة، ولكنها تواجه بإدانة دولية، كما حصل مع روسيا مثلا حينما اتهمت باغتيال معارض لبوتين في بريطانيا، أو كما حصل عند اتهام إيران عام 2011 بالمسؤولية عن محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن آنذاك عادل الجبير، أو حتى ما تعرضت له السعودية من إدانة بسبب عملية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي من قبل رجال مخابرات سعوديين في إسطنبول. ترتفع أصوات الإدانة الرسمية والشعبية ضد أي دولة تمارس سياسة الاغتيال، بينما تحظى دولة مارقة تمارس الاغتيالات باستمرار "بالدلال" من المنظومة العالمية. الموقف العربي الاستراتيجي الطبيعي هو إدانة إطلاق يد الاحتلال في الاغتيالات أين ما يشاء ومتى شاء، خصوصا أن هذا الاحتلال، إضافة لممارسته للعربدة دون حسيب ورقيب، فإنه يمثل عدوا للعرب وجدار صد ضد أي مشروع نهضوي عربي، وليس فقط عدوا للشعب الفلسطيني. ثمة موقف محق لدى جزء كبير من الشعب العربي ضد إيران بسبب جرائمها في سوريا والعراق وتدخلها وعبثها في اليمن، ولكن هذا الموقف لا يعني القبول بإطلاق يد الاحتلال في الاغتيالات، وهي اغتيالات لا تهدف سوى إلى الحفاظ على التفوق العسكري والاستراتيجي للاحتلال في المنطقة.
يمكن للعربي أن يتخذ، رغم الاستقطاب الحاد، موقفا دون أن يقع ضمن الثنائيات التي يحاول الكثيرون صناعتها، فكما أن كل من يقف ضد إيران وسياساتها بالتدخل في دول عربية لا يجب أن يصنف ضمن معسكر الاحتلال (مع أن بعضهم كذلك فعلا)، فلا يجب أن يصنف كل من يرفض إطلاق يد الاحتلال في المنطقة على أنه مع إيران بكل سياساتها (مع أن بعضهم كذلك بالفعل). عربي 21
تتعرض المواقع الإيرانية والسورية وتلك التابعة لحزب الله في سوريا لغارات شبه مستمرة من قبل طائرات الاحتلال، بينما لم ترد إيران أو سوريا أو الحزب على هذه الاعتداءات إلا مرة واحدة أو اثنتين.
قد يكون مفهوما أن تمتنع أي دولة عن الرد المباشر على اعتداء خارجي نفذ ضدها بسبب حسابات الربح والخسارة سياسيا وعسكريا، ولكن ما لا يمكن فهمه هو أن تضع هذه الدولة نفسها في موقف الضعف بسبب خياراتها السياسية، وتهورها، ودخولها في معارك جانبية تستنزف قواها.
عندما اندلعت الثورة السورية السلمية كان الموقف في تل أبيب واضحا، ومبنيا على أساسين رئيسين: الأول هو الخوف من سقوط بشار الأسد من باب أن "العدو الذي تعرفه خير من العدو الذي لا تعرفه"، والثاني هو تمني استمرار الصراع وتحوله لحرب عسكرية تستنزف جميع أعداء الاحتلال، وهذا ما حدث فعلا بسبب الرد الدموي من النظام والمدعوم إيرانيا، ضد الثورة السلمية، حيث تحولت بسبب مقاربة النظام وحلفائها -ودعم قوى إقليمية مناهضة لإيران بالطبع- إلى صراع عسكري يضعف الجميع: النظام، إيران، حزب الله، القوى الثورية، وإلى حد ما تركيا. تحول الصراع في سوريا إلى "مستنقع" أمني وسياسي بالنسبة لإيران وحزب الله، وباتت قدرة الطرفين على الرد على الاحتلال محدودة أو شبه معدومة. استنزفت قوة طهران وحلفائها في محاولة وقف الثورة السورية، ثم في الصراع مع القوى العسكرية التي تشكلت بعد "عسكرة" الثورة، وبات ظهر طهران وحزب الله مكشوفا أمام الاحتلال.
كان يمكن لإيران أن تضغط على الأسد لتقديم تنازلات للشعب السوري، ولكنها دعمته في خيار القمع والدم، فتحولت سوريا إلى خاصرة ضعيفة، وغرقت طهران نفسها ومن خلفها حزب الله في حرب استنزاف لم يستفد منها سوى الاحتلال، وأمريكا. مشاريع إقليمية.. وعرب متفرجون! كما يحدث في كل حدث مشابه، انقسم العرب في النقاش حول عملية الاغتيال والاتهام شبه المؤكد للاحتلال الصهيوني بالمسؤولية عنه. وكما يحدث دائما، يفعل الآخرون، ويقتصر دور العرب على الاختلاف على ردة الفعل فقط! تقتل الولايات المتحدة أو الاحتلال الصهيوني، وقد ترد طهران أو لا ترد، ويبقى الطرفان (الاحتلال وحلفاؤه من جهة وإيران من جهة أخرى) في صراع بين مشروعين، فيما يكتفي العرب "بالفرجة" والتشجيع لهذا الطرف أو ذاك. ثمة مشروع إيراني وآخر صهيوني، ويوجد مشروع تركي أيضا في المنطقة، بينما لا يوجد أي مشروع عربي. معظم الدول العربية تعيش ضمن أزماتها الداخلية ولا تعتني بالوضع الإقليمي ولا تهتم به، فيما تقوم استراتيجية بعض أنظمتها على الارتماء في حضن المشروع الصهيوني والاستعماري الأمريكي.
وعندما يتحول دور العربي للمراقبة من صفوف الجمهور بدلا من اللعب، تصبح الصراعات الإعلامية والسياسية حول طريقة التشجيع، وليس حول محاولة البحث عن فرصة لبناء مشروع ذاتي يواجه أو ينافس أو يحالف بندية المشاريع الأخرى. الاغتيالات.. دولة مارقة و"مدللة"! لا يمارس الاغتيال كسياسة "دولة" كما يمارسها الاحتلال. للمستعمرة الصهيونية في فلسطين "حصانة" من النقد دوليا ضد ممارستها لأسلوب الاغتيالات الذي هو سياسة عصابات وليس دول. يوجد دول أخرى بالتأكيد تمارس هذه السياسة، ولكنها تواجه بإدانة دولية، كما حصل مع روسيا مثلا حينما اتهمت باغتيال معارض لبوتين في بريطانيا، أو كما حصل عند اتهام إيران عام 2011 بالمسؤولية عن محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن آنذاك عادل الجبير، أو حتى ما تعرضت له السعودية من إدانة بسبب عملية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي من قبل رجال مخابرات سعوديين في إسطنبول. ترتفع أصوات الإدانة الرسمية والشعبية ضد أي دولة تمارس سياسة الاغتيال، بينما تحظى دولة مارقة تمارس الاغتيالات باستمرار "بالدلال" من المنظومة العالمية. الموقف العربي الاستراتيجي الطبيعي هو إدانة إطلاق يد الاحتلال في الاغتيالات أين ما يشاء ومتى شاء، خصوصا أن هذا الاحتلال، إضافة لممارسته للعربدة دون حسيب ورقيب، فإنه يمثل عدوا للعرب وجدار صد ضد أي مشروع نهضوي عربي، وليس فقط عدوا للشعب الفلسطيني. ثمة موقف محق لدى جزء كبير من الشعب العربي ضد إيران بسبب جرائمها في سوريا والعراق وتدخلها وعبثها في اليمن، ولكن هذا الموقف لا يعني القبول بإطلاق يد الاحتلال في الاغتيالات، وهي اغتيالات لا تهدف سوى إلى الحفاظ على التفوق العسكري والاستراتيجي للاحتلال في المنطقة.
يمكن للعربي أن يتخذ، رغم الاستقطاب الحاد، موقفا دون أن يقع ضمن الثنائيات التي يحاول الكثيرون صناعتها، فكما أن كل من يقف ضد إيران وسياساتها بالتدخل في دول عربية لا يجب أن يصنف ضمن معسكر الاحتلال (مع أن بعضهم كذلك فعلا)، فلا يجب أن يصنف كل من يرفض إطلاق يد الاحتلال في المنطقة على أنه مع إيران بكل سياساتها (مع أن بعضهم كذلك بالفعل). عربي 21
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/03 الساعة 09:38