العلاقات التركية-القطرية أو جيوسياسية الشمال-الجنوب مجددا

مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/01 الساعة 09:19
بقلم زكريا كورشون لقد جعلت زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى تركيا ومن ثمّ النقاشات التي بدأت بعدها، النظرَ إلى العلاقات التركية-القطرية مرة أخرى شيئًا لازمًا. تتم اليوم مناقشة هذه العلاقات من خلال الحديث عن شراء قطر 10 بالمئة من بورصة إسطنبول. طبعًا أنا لست رجل اقتصاد، ولن أناقش حول النتائج الاقتصادية لهذه الاستثمارات، مع احترامي للنقاشات حول هذا الموضوع. لكن على صعيد آخر لدي رأي وأعلم أنه سيواجه اعتراضًا من قبل البعض، هو أنّ حجم الاستثمارات القطرية في تركيا ليس بالمستوى المفترض. لأننا حينما ننظر إلى ثراء صندوق قطر السيادي وامتلاكها أقوى البورصات على مستوى العالم، والشراكات التي تملكها مع أكبر شركات العالم، نجد أنّ حجم استثماراتها في تركيا يعتبر حلقة صغيرة ضمن دائرة كبيرة.
على الرغم من المخاطر التي وضعتها تركيا أمامها منذ العام 2017، فإنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أنّ حجم الاستثمارات القطرية ليس كافيًا، ولا يمكن عدّ تلك الأسباب كلها، إلا أنني أعتقد أنّ من أبرز تلك الأسباب هو أنّ من يديرون صندوق السيادة القطري يقفون على مسافة من الاقتصاد التركي، على الرغم من العلاقات القوية بين البلدين. على الرغم من الأوضاع القاسية التي يمرّ بها العالم، وتراجع درجة الاستثمارات والإنتاج في كل مكان تقريبًا، والحديث عن أزمة حادة خلال العام 2021 أيضًا؛ على الرغم من كل ذلك ألا يعتبر توجّه صندوق قطر السيادي نحو تركيا أمرًا ذا مغزى؟ بالطبع لا يكفي القول بأن المؤشرات الاقتصادية الحالية ساهمت في ذلك. لا أعلم كيف أو إلى أي مدى سينعكس ذلك على اقتصادنا من حيث الكم والرقم، إلا أنه من الممكن القول بأنّ شراء قطر الأخير في بورصة إسطنبول، سيخلق ثقة سياسية، ويعزز من مكانة تركيا على صعيد رأس المال العالمي. يجب العمل على فهم العلاقات التركية-القطرية في ضوء المرحلة التي وصلت إلها اليوم.
ولقد شرحت في العديد من المقالات أو المحاضرات أو الكلمات السابقة على الدوام، أن العمق التاريخي لتركيا يعتمد على 3 ركائز أساسية. وأكدت أنّ على تركيا الحفاظ على وجودها ضمن تلك الركائز، أيًّا كانت الظروف. هذه الركائز الثلاثة التي أتحدث عنها، هي الخليج العربي، وليبيا، واليمن. وإنّ العلاقات التي انشأتها تركيا مع قطر منذ العام 2017 والتي بدأت مرحلة مختلفة، لهي إحدى الركائز الثلاثة تلك، سواء أسميتم تلك العلاقات بأنها نابعة عن علاقات تاريخية، أو نتيجة التهديدات التي شعرت بها تركيا ممّا حولها. وإن ذلك في الحقيقية إلى جانب التطورات التي سيشهدها المستقبل القريب، سيعزز من وجودها بشكل أكبر، وستُصبح الدولة التي لا يمكن الاسنغناء عنها على صعيد أمن المنطقة.
أما توقيع تركيا مع ليبيا على اتفاقية تحديد المنطقة الخالصة، يعتبر الركيزة الثانية من تلك الركائز الثلاث. أما الركيزة الثالثة فإنها تكمن في العلاقات التي ستعمل السعودية على تقويتها مع تركيا، مما يساهم في تحوّل مهم في المسألة اليمنية. يمكن أن تروا ذلك كحلم أحلم به. إلا أنني في أول مقال كتبته في صحيفة يني شفق، قدّمت اقتراحًا يعتمد على حقيقة أنّ الجيوسياسية الشمالية-الجنوبية التي استمرت لعصور، اختفت تمامًا خلال بضعة القرون الأخيرة، على حساب تأسيس الجيوسياسية الشرقية-الغربية. ولذلك السبب فإنّ العلاقات الموجودة اليوم مع قطر، والتي يمكن أن تنشأ غدًا مع دول أخرى في المنطقة والعالم الإسلامي كله، على أساس العقل والمنطق والعلم والسياسة الواقعية، ستخدم بدورها جيوسياسية الشمال-الجنوب التي يحتاجها العالم. إلا أنه يجب أن يكون الشمال الذي يمثل النقطة الثابتة للبوصلة خاليًا من جميع أنواع التهديدات والمخاطر والخلافات التي تلتهم الداخل. (عن صحيفة يني شفق) ترجمة عربي 21
مدار الساعة ـ نشر في 2020/12/01 الساعة 09:19