رفض فرنسا «للشعبوية» ارتداداته إيجابيةعلى قضايا المنطقة أيضاً
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/09 الساعة 01:22
صحيح ان الشعب الفرنسي عبر عن غضبه خلال المرحلة الماضية حيال المؤسسة والنظام السياسي التقليدي في بلاده بان اخرج الحزبين التاريخيين الاشتراكي والجمهوري من المشهد السياسي لاول مرة منذ عقود طويلة الا انه بالامس اكمل المهمة بالحاق (الشعبوية ) الى صفوف الخاسرين ولم يقبل بها ان تكون بديلا لفرنسا التي طالما حملت مشاعل الحرية والاخاء والمساواة وعبرت عن قيم الديمقراطية والحضارة الانسانية الرحبة بما فيها من تنوع وقبول للاخر وانتصار للانسانية وقضاياها اينما كانت.
ومع ان اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان الخاسرة في انتخابات الرئاسة الفرنسية يرى في نسبة التصويت التي حصل عليها بنحو اربعة وثلاثين ونصف بالمئة وقبل ذلك وصوله الى الجولة الثانية في الانتخابات الفرنسية هو انتصار بحد ذاته، الا ان الشعب الفرنسي في المقابل انتصر باغلبيته للقيم العالمية وفرنسا القوية التي تمثل هذه القيم ورفض الانعزالية والاحادية الضيقة والشعبوية التي علت موجتها في اوروبا وكان انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي مثالا صارخا عليها.
فوز ايمانويل ماكرون (39) عاما شكل ضربة قوية لليمين المتطرف وهذا الفوز هو خط دفاع صلب ليس عن اوروبا فقط باتحادها الذي انقذته ارادة الفرنسيين من الانهيار بل وايضا انتصار مؤزر للقيم العالمية كلها، التي تعلي قيم الديمقراطية والحرية والمساواة والشراكة والبناء ورفض التهميش والاقصاء والكراهية رغم ان الحالة الدولية تجاوزت في كثير من الاحيان تلك القيم لكنها لم تستطع محوها.
لو فازت مارين لوبان في الانتخابات الفرنسية بما تمثله من ( شعبوية) بابعادها وتداعياتها المختلفة لسددت ضربة في مقتل للاتحاد الاوروبي بانضمام فرنسا الى بريطانيا في رحلة المغادرة، وضربة قاصمة للنظام الدولي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية واخذت فيها اوروبا بشكل خاص دور الحاضن لهذا النظام خصوصا باوجهه الايجابية بل وتحملت كل الاعباء التي ترتبت على الايفاء بمسؤولياته في ظل الحرب الباردة وما بعدها وفي هذه المرحلة التي تعود فيه حالة صعبة من الاستقطاب الدولي على الساحات المختلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية.
كانت فرنسا امس الاول محط انظار العالم كله، لان انتخاباتها الرئاسية هذه المرة، لم تكن شأنا فرنسيا خالصا، بل شان عالمي لما تمثله هذه الانتخابات من حالة افتراق تاريخية بين مرحلة واخرى، فاما مضي حالة (الشعبوية) التي تجتاح الغرب، او رفع الشارة الحمراء بوجه هذه الموجه لتقف عند حدها اذ لا يمكن الجزم بانه تم هزيمتها نهائيا فلا زال في الطريق محطات للوصول الى هذه الغاية.
لكن بكل الاحوال كانت نتيجة الانتخابات الفرنسية إرادة الرفض القوية والحاسمة بوجه نزعة الانعزال والشعبوية الكارهة للمؤسسات والقيم السائدة والاخر، فقد قالت غالبية الشعب الفرنسي لها( لا كبيرة) نيابة عن العالم الذي كان يحبس انفاسه للوجهة والتداعيات والمسارات التي ستذهب اليها فرنسا والساحة الدولية لو فازت لوبان وجبهتها الوطنية بالرئاسة في فرنسا.
كان مثل تلك النتيجة لو حدثت لكانت الضربة الثانية في الراس للاتحاد الأوروبي بخروج بريطانيا ثم فرنسا وبالتالي اضعاف الامل الاخير بالمانيا ميركل التي ستخوض ايضا المعركة الفاصلة وربما النهائية في ايلول المقبل في الدفاع عن التوازن والمبادئ ونبذ الكراهية بل ولتهيئة الفرصة لاعادة قراءة اخطاء الحقبة التاريخية الماضية وتصحيح تداعياتها السياسية والاقتصادية والثقافية وكل اوجه العلاقات الدولية واذرعها ومنظوماتها.
وفيما يخص منطقة الشرق الاوسط ودولها وشعوبها وقضاياها فان صدى الحالة الفرنسية بعد الانتخابات الرئاسية سيكون لصالح دور قيادي اكبر لفرنسا وللاتحاد الاوروبي ايضا الذي يعد جارا للمنطقة ومتأثرا مباشرة بازماتها وحروبها وتداعياتها.
وهذا سيساعد ايضا في اعادة صياغة مقاربة مع المجتمع الدولي لاجل حلول عادلة لها هي اليوم اكثر امكانية وواقعية لما كان سيحدث لو تجذرت فيه (الشعبوية) وانتقلت من الشارع الى الحكم والسلطة في دول الثقل الاوروبية مثل فرنسا والمانيا ولذا فان نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية تؤشرعلى حالة امل بمصير افضل وارتدادات ايجابية على قضايا المنطقة التي يقع معظمها على الساحة العربية.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/09 الساعة 01:22