الحقيبة.. والوطن المثالي!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/09 الساعة 01:20

استيقظ الفرنسيون صباح أمس على رئيس جديد انتخبوه بإرادتهم ،بقناعتهم ،برغبتهم ،لأنهم يرونه القادر على حماية فرنسا و»السير الى الأمام» بها...ثم انصرف كل منهم الى عمله الذي يتقنه ، لا شان له بالآخر ،ولا يسرف وقته في «مشاحنة» و»مقاهرة» الطرف الخاسر...لحظة إعلان الفوز احتفل من احتفل وحزن من حزن...بعدها يجب أن تعود الحياة الى طبيعتها ،يجب ان تكبر وتزدهر فرنسا..

**

هنا ،مجرّد لعبة «شدّة» اذا فاز أحدهم لن تستطيع الخلاص منه لمدة شهر كامل ،يتّصل عليك أثناء العمل وقبل النوم وعند الإفطار ويرسل أغاني تتحدّث عن فوزه وصور «للبستوني» على الواتساب ، وكلما التقيته في مكان يذكّرك بتفوّقه الأخير: «وشلون واطرنب لك ع القص»؟؟ شهر كامل لم ينظف تفكيره من «طرنبة القص»؟!... هو عطش الانتصار والشعور بالتفوق حتى «بالطرنيب»..نحن جبلنا على المناكفة لأن أهدافنا في الحياة ضائعة ومشتّتة و إنتاجنا يراوح الصفر المئوي..لنكن أكثر صراحة نحن شعوب محبطة محطمة يائسة من التغيير تستغل الفوز بلعبة «شدّة « او لعبة كرة قدم لتفريغ كل شحنات الكبت ضد الآخر..

شعوب العالم تنتج قيادات جديدة ،صناعات جديدة ،أسلحة جديدة ،تكنولوجيا جديدة ، سلع جديدة، أسواق جديدة...ونحن لا ننتج الا «المداقرة» والكراهية ،تابعت الأسبوع الماضي عبارات بمنتهى الفوقية والاستفزازية مارسها بعض مشجعي إحدى الفرق–ولو فاز الخصم التقليدي بالدوري لسمعنا وقرأنا عبارات مثلها وربما أكثر استفزازية منها–أنا لا أتكلّم عن هنا فريق بعينه أنا أتكلّم عن حاله عامة وصل إليها الأردني..يريد أن يكون الأول والشيخ والكبير والزعيم وماردا وكبار البلد ودقّيق الخشوم..وهو العاطل عن العمل والمهمّش والمنسي ورجل الطاولة والمدقوق خشمه في السياسة والاقتصاد وفي كل شيء !!..

سؤال بسيط ، كم واحد فينا عندما يذهب الى محلّه او وظيفته أو تجارته او حرفته يرى الأردن بين عينيه..كم واحد فينا يفكر ولو للحظة عابرة ان الأردن بحاجة الى حبّات عرقه في الإنتاج ، وبحاجة إلى شحنات الاتزان و الوعي والحوار الحضاري والاختلاف الحضاري في سلوكه وعلاقاته مع الآخرين...إذا فزت في مباراة لا يعني أنك «دست» على كل من تحتك و»دقيت خشومهم»..اذا فزت في مباراة ذلك يعني انك تلعب بشكل جميل ومنظّم وراقٍ وذكي...الرياضة سمو ولياقة وليس دنو ومباطحة..

أخي الأردني..تصبح الأول والشيخ والكبير والزعيم والمارد ومن كبار البلد..عندما تفعل شيئاً مفيداً للبلد، عندما تشعر ان ارادتك حرّة في الاختيار السياسي ،تصبح شيخاً وكبيراً وزعيماً ومارداً ومن كبار البلد..عندما تسترجع أموالك واموال وطنك المنهوبة من الفاسدين الذين هم أنفسهم يحرّكون يديك بخيطان خفية مثل دمى القطن..

أحزّن عندما أرى دول العالم تتقدّم ،وتنمو ، وتمحو أخطاءها بممحاة الوعي...ونحن ما زلنا نجترّ فشلنا وضعفنا وتدجيننا لنستأسد به على الآخر..أحزن عندما أرى خط إنتاج الكراهية ما زال يعمل بكفاءة عالية ، فأول أمس فقدنا شاباً أكاديمياً متفوّقاً «دكتور مهندس» وأهديناه للموت..ويرقد على سرير الشفاء أكثر من 10جرحى من جيرانه وأقاربه في مشاجرة لا يعنيني ان كان سببها هبوط نادٍ أو اختلاف على موقف سيارة..ما يعنيني اننا خسرنا شباباً كانوا رصاص الوطن..ما يعنيني أننا ما زلنا لا نجيد الاختلاف الحضاري والحوار الحضاري وما زالت اليد أو البامبكشن هي وسيلة الاقناع والتفوق الوحيدة..

أحزن لأن عمري يتقدّم..ووطني يتأخر...وحماسي للتغيير بدأ يخفت..وصارت الحقيبة أقرب بكثير من الوطن المثالي!

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/09 الساعة 01:20