كيف يستخدم الإنسان اندفاع الأدرينالين لصالحه؟

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/29 الساعة 13:17
مدار الساعة - أحيانًا يكون استقبال الحياة بقدر صعوبة استقبال الموت، تلك الصرخة التي يصرخها الوليد عندما يشق الهواء صدره للمرة الأولى، هذا الهواء الذي لن يستطيع أن يعيش يومًا بدونه خارج رحم أمه، ولكن دخوله للمرة الأولى في جسده؛ يكون مؤلمًا وصادمًا. الانتقال من مرحلة لمرحلة في خط سير الإنسان عادة ما يكون مؤلمًا، سواء كانت المرحلة أسوأ أو أفضل، فإن كانت أسوأ فالحزن يقوم بدور البطولة في القصة، أما إذا كانت سعيدة؛ فيأتي دور الأدرينالين، والذي يشق طريقه في دم الإنسان؛ مخلفًا وراءه ألمًا قد يجعل المرء يتراجع عن دخول التجربة أو المرحلة الجديدة المبشرة بنتائج رائعة، ويجلس مكانه منعزلًا خائفًا من الحياة والسعادة التي تحاول اقتحام جسده، وإذا استسلم لهذا الألم للمرة الأولى سيجد أن الأمر ممتعًا لدرجة قد تصل حد الإدمان. جريان الأدرينالين فينا خطير ولكنه مهم أيضًا، فما هو الأدرينالين؟ وكيف نوازنه في أجسادنا مع تجنب الوقوع في فخ إدمانه؟ في البداية.. ما هو الأدرينالين؟
هل تتذكر المرة الأولى التي طاردك فيها كلب شرس في طريقك من المدرسة للبيت؟؛ وقتها ركضت في هذا السن بقوة ربما لم تكن تتخيل أنها موجودة في جسدك، وإذا حاولت الركض بنفس الدرجة دون وجود المطاردة وخطر أن يهاجمك الكلب؛ لن تستطيع. القدرة الخارقة أو الزائدة عن المعدل الطبيعي لجسم الإنسان، والتي تظهر في لحظات الخطر والخوف، يعود الفضل فيها لهرمون الأدرينالين. الأدرينالين هو هرمون تفرزه الغدة الكظرية، وهو أيضًا ناقل عصبي ومن أهم مكونات جسد الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض، لأنه الهرمون الذي يعزز غريزة البقاء في حالات الخطر والخوف المحتملين ويساعد في تنبيه الجسد وحثه على الحركة والهروب من الخطر المحتمل. ولكن ما قد لا يعرفه البعض، أن الأدرينالين ليس مرتبطًا بلحظات الخوف والخطر فقط، بل يفرزه الجسم أيضًا في لحظات الإثارة الشديدة أو السعادة، وأوقات ممارسة الرياضات المثيرة مثل سباق السيارات أو القفز بالمظلة من الطائرات، وباقي الرياضات التي قد تعرض ممارسيها للخطر. في تلك الأوقات سواء كانت حماسة أو خوفًا، يجري الأدرينالين في الجسم ويتسبب في تمدد الممرات الهوائية في الجسم، بغرض تزويد العضلات بالأكسجين، ما يعطي الجسم القدرة الزائدة على الركض أو أي أفعال جسدية أخرى عنيفة، ولكن أيضًا جريان الأدرينالين في الجسم له أعراض أخرى قد تكون موترة ومخيفة لمن يمر بها مثل: تسارع دقات القلب، والتعرق، وسرعة التنفس، والشعور بالتوتر والعصبية، وقد تتسبب زيادة إفراز الأدرينالين في الجسم عند حد معين بحالة فزع لصاحبها، ولكنها في المقابل تقلل من الشعور بالألم وتزيد من قدرة الجسم على الأداء. ماذا لو زاد الأدرينالين في الجسم؟
جريان الأدرينالين في الجسم مهم في لحظات بعينها، ولكن البعض يواجهون خللًا في عمل الغدة الكظرية، وفي هذه الحالة يكون هناك خلل في الكمية التي يفرزها الجسم من الأدرينالين والوقت الذي يفرزها فيه، فقد يذهب هذا الشخص إلى الفراش في محاولة للنوم، ويبدأ التفكير الزائد في مهاجمته، وعليه تبدأ الغدة الكظرية في إفراز كميات كبيرة من الأدرينالين، والتي قد تتسبب لهذا الشخص بنوبة فزع وبعض الأعراض الأخرى مثل زيادة ضربات القلب وسرعة التنفس وتقلصات في المعدة، وقد تستمر تلك الأعراض لمدة تزيد عن ساعة، وزيادة الأدرينالين في الجسم إذا لم يتم معالجته قد تتسبب لمن يعاني منها بالنوبة القلبية، أو السكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم. والشخص الذي يعاني من هجوم جريان الأدرينالين على جسمه فجأة، بسبب هذا الخلل الذي تعاني منه الغدة الكظرية، قد يظن أنه مصاب بأمراض جسدية كثيرة، لأن سرعة التنفس وانقباض العضلات قد يتسببان في آلام بجميع أنحاء الجسم، وقد يظن المصاب أنه يعاني أيضًا من أمراض في القلب أو الجهاز التنفسي. ولكن الواقع أن كل ما يحتاجه الشخص في هذه اللحظة هو بعض الاسترخاء وتمرينات التنفس حتى تمر تلك النوبة بسلام، لأن عدم السيطرة عليها قد يتسبب في آثار نفسية سلبية مثل نوبات الغضب، والقلق المزمن، ونوبات الفزع. خلل الغدة الكظرية.. ما تأثيره النفسي؟
الكثير من التقارير الطبية المعتمدة على الإنترنت قد تجدها تتحدث عن مخاطر زيادة إفراز الأدرينالين في الجسم وكيفية التخلص منها والمرور منها بسلام، ولكن مؤخرًا هناك بعض المدارس في علم النفس تخبرنا، أن نوبات جريان الأدرينالين المفاجأة التي تهاجم الإنسان، يمكن أن يروضها لصالحه. وفي دراسة أجراها الطبيب النفسي الأمريكي تشارلز مورجان الاستاذ في كلية الطب بجامعة ييل، بالاستعانة بالقوات الخاصة من الجيش الأمريكي، أكدت أن نوبات جريان أو اندفاع الأدرينالين المفاجأة إذا استطاع الإنسان ترويضها ترويضًا ناجحًا؛ تجعل منه شخصًا لديه قدرة أكبر على تحمل العمل تحت الضغط، والقدرة على السيطرة على النفس في المواقف التي تسبب التوتر أو القلق لمن يمر بها، كما أنها مع الوقت تصنع منه شخصًا جسورًا لا يهاب التجارب المخيفة. ولذلك اندفاع الإدرينالين في الجسم والذي ظل يعامل فترة طويلة على أنه شيء له جانب واحد سيئ، أظهرت وجهات النظر الطبية الجديدة أنه يمكن أن يكون مفيدًا لصاحبه، لأنه في بعض الحالات؛ مقاومة الأدرينالين المندفع في الجسم في كل مرة يحاول زيارته؛ تجعل من الإنسان مجرد شخص هارب من التجارب الجديدة أو أي تجربة قد تشعره بالحماسة أو السعادة، تجنبًا لتلك الآلام التي يشعر بها عندما يندفع الأدرينالين في جسمه، فكيف نروّض الأدرينالين ونتحمل ألمه؛ حتى نستغله في صالحنا. هل يمكن ترويض الأدرينالين؟
«الأفضل من أن تنتظر نوبة اندفاع الجريان في جسدك؛ هو أن تستفزه بنفسك وبمعدلات تصاعدية». في البداية عليك اختيار أي نشاط يثير اهتمامك، ولكنك تخاف من تنفيذه، وتشعر بمجرد التفكير فيه ببعض التوتر، وزيادة في ضربات القلب وتقلص المعدة، ويجب أن يكون هذا النشاط – في بداية الأمر – نشاطًا بسيطًا، على سبيل المثال، مشاهدة أفلام الرعب إذا كنت مقاطعًا لها، أو ركوب الألعاب المخيفة في مدن الملاهي، فلا تبدأ بنشاط كبير مثل الغطس أو القفز من أماكن عالية. اصنع لنفسك جدولًا مرقمًا من رقم واحد وحتى 10 واكتب تحت كل رقم نشاط، وتكون الأرقام تعبر عن نسبة الحماسة أو إفراز الأدرينالين من ممارسة النشاط، على سبيل المثال يكون مشاهدة فيلم الرعب تحت رقم واحد، والقفز من الأماكن العالية تحت رقم 10، وهكذا. ليس هناك أنشطة محددة يمكن النصيحة بها للعامة، فكل شخص يخاف من أشكال مختلفة، وقد يكون فيلم الرعب مضحكًا للبعض، ولكن التقرب من قطة أو كلب هو أكثر رعبًا من مشاهدة الفيلم المخيف، ولذلك عليك اختيار العشر نشاطات وفقًا لما تخشاه ولكنه في نفس الوقت يشعرك بالحماسة. عندما تبدأ في هذا النشاط، أول الأعراض التي ستواجهك هي ضربات القلب السريعة وسرعة التنفس، وقتها سيكون عليك أن تقوم بالخطوة الأولى في تدريبات ترويض الأدرينالين، أولًا لا تتوقف عن ممارسة النشاط، تحمل تلك الآلام التي ستهاجم جسمك وحاول السيطرة عليها من خلال تنظيم التنفس، بحيث تتنفس من خلال ملء بطنك بالهواء، وتفريغ الهواء من أنفك، فتلك هي أفضل طرق التنفس التي تساعد على الاسترخاء، وبعد وقت قليل، يختلف من شخص لآخر، ستجد أن الآلام التي هاجمتك تتلاشى، ويحل محلها شعور عارم باللذة المتعة، والأهم هو الشعور بالقوة والتحكم، وبعد ممارسة النشاط رقم واحد أكثر من مرة حتى تصبح متمرسًا على تخطي أعراض اندفاع الأدرينالين، يأتي دور النشاط رقم اثنين، وهكذا حتى تصل للرقم 10. ولكن احذر
ترويض اندفاع الأدرينالين قد يكون مفيدًا، ولكنه أيضًا له مخاطر نفسية عليك تجنبها، فالبعض بعد سيطرتهم على تلك النوبات، يشعرون بسعادة عامرة، ويبحثون عن النشاط رقم 11 و12 وهكذا، وقد يصل الأمر إلى حد إدمان تلك النوبات من اندفاع الأدرينالين ما يدفع المرء لتعريض نفسه لمواقف خطيرة على أرض الواقع حتى يشعر بالمتعة وهذا السريان للحماسة في جسده. وعلى الرغم من أن تلك النشاطات تمنحه السعادة، ولكن هناك ظاهرة يطلق عليها أطباء النفس «أحزان ما بعد جريان الأدرينالين» وهي حالة من الحزن واللاجدوى قد تصيب الشخص الذي أصبح أسيرًا لإدمان اندفاع الأدرينالين في جسده، ويظل الحزن ملازمًا له في الأوقات العادية في اليوم، والتي لا تثير حماسته، ويظل تحت تأثير تلك الكآبة حتى يجد نشاط جديد يحفز الأدرينالين في جسده. هناك آخرون أيضًا يلجأون إلى طرق مختصرة لتحفيز الأدرينالين في الجسم من خلال بعض المخدرات مثل الـLSD والذي يتسبب تعاطيه في دفعة قوية جدًا من الأدرينالين بمجرد تناوله، ولكن تلك الطريقة تأخذك من الرقم صفر للرقم 20 في ثوان معدودة ويعرضك لمخاطر رؤية هلاوس مخيفة، وقد تكون تلك التجربة مؤلمة ومزعجة، ولذلك يفضل ترويض الأدرينالين من خلال النشاطات الواقعية، وبالتدريج السابق ذكره، والسيطرة في الوقت نفسه على الرغبة العارمة التي قد تسيطر عليك في تحفيز المزيد من الأدرينالين في جسمك. التوازن مهم
في تلك الدراسة التي أجراها مورجان؛ أكد أن استجابة جسم الإنسان لاندفاع الأدرينالين متفاوتة ومتغيرة من شخص إلى آخر، وهو ما يوضح وجود أشخاص يسعون دائمًا للمغامرة والخطر على عكس البعض الذي يتجنبها، فما الفرق بين الاثنين؟ يرجح الأطباء أن الشخص الذي يعاني من نقص في إفراز الأدرينالين بالكمية الطبيعية اليومية، نتيجة قصور في الغدة الكظرية، قد يكون أصعب عليه التعامل مع نوبات جريان الدم لأن جسده لم يتعود عليها أو على طريقة التعامل معها، وهذا الشخص تجده دائمًا منطو ومنعزل في بيته، وأقل التجارب حماسة قد تثير خوفه وقلقه حتى وإن كانت حفلة صغيرة بتجمع قليل من البشر. ولهذا فإن نقص الأدرينالين في الجسم هو بنفس خطورة زيادة الأدرينالين، وحتى يستطيع الإنسان أن يعيش حياة طبيعية يجب أن يوازن الأدرينالين في جسده. الهدف الحقيقي وراء ترويض الأدرينالين
الوقوع في إدمان الأدرينالين هو الخطر الأكبر الذي قد يواجهك في محاولتك لترويض نوبات اندفاع الأدرينالين، ولذلك قبل خوض تلك التجربة عليك إدراك أمر مُهم، وهو أن اندفاع الأدرينالين وسيلة وليس غاية، وهي الوسيلة للوصول لمراكز القوة النفسية والجسدية في شخصك. في حياتنا الطبيعية نحن لا نستخدم القوة الكاملة لعضلاتنا، ولكن عندما نحفز اندفاع الأدرينالين في أجسادنا بغرض ترويضه، يكون جسدنا أقوى حرفيًا، ولذلك في هذه اللحظة ليس عليك الجلوس والاستمتاع بسريان الأدرينالين في الدم وكأنه مخدر، أو كأنه الغاية من التدريب، بل عليك أن تستغل هذا الاندفاع في نشاط جسدي، مثل ممارسة الرياضة، أو حتى الرقص، أو أي نشاط جسدي آخر يحتاج القوة، ولا تستطيع في أوقاتك العادية أن تنفذه وستلاحظ الفرق. في هذه الحالة تدرب عقلك على أن الأدرينالين مجرد وسيلة للوصول إلى قدرات جسدية أكبر، وعلى الجانب الآخر عندما تقوم بتحفيز الأدرينالين من خلال تعريض نفسك لمواقف اجتماعية كنت تخشاها مثل التحدث أمام جماهير كبيرة، في هذه اللحظة، وبعد أن تروّض الأدرينالين، تكون قد وصلت للقوة النفسية أيضًا من خلال ترويض الأدرينالين. ولذلك من المهم التذكر دائمًا قبل بدء رحلة ترويض اندفاع الأدرينالين في الجسم، هو الإدراك التام أن الأدرينالين ليس الغاية ولكنه الوسيلة للوصول إلى قوتك النفسية والجسدية من خلال التغلب على الضعف الجسدي والنفسي. هناك البعض الذين يعانون من خلل في الغدة الكظرية، والتي تمنع إفراز الأدرينالين بالشكل الكافي لترويضه أو للوصول لحالة اندفاع الأدرينالين التي تحدثنا عنها، في هذه الحالة التدريب النفسي ليس هو الحل، بل يجب على هذا الشخص اللجوء للطبيب لأنه سيكون في حاجة إلى علاج دوائي. في النهاية، علينا أن نوضح، أن اتخاذك الخطوة الأولى لتحفيز اندفاع الأدرينالين، قد يقلل من تلك النوبات الليلية التي تصيبك من خوف وهلع وفزع، لأن جسدك سيصبح متمرسًا على استقبال الأدرينالين بين أوردته، وحتى تتمرس في تلك التدريبات، يمكنك الاستعانة بالموسيقى الهادئة، وممارسة اليوجا، والبعد عن مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة التكنولوجية، وتدريبات التنفس؛ لتجنب نوبات الفزع المترتبة على اندفاع الأدرينالين المفاجئ، ومن المهم أيضًا ألا يكون هناك نشاط تحت قائمة العشر نشاطات السابق ذكرها؛ قد يعرض حياتك للخطر أو حياة الآخرين للخطر، وتذكر أن الأدرينالين وسيلة للوصول لمكامن قوتك، وليس غاية ومخدر للوصول إلى رعشات المتعة والحماسة.
ساس بوست
مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/29 الساعة 13:17