«كورونا» ينعكس سلباً على زيادة عمالة الأطفال في الأردن وغياب إعلامي يفاقم الظاهرة
مدار الساعة - بسنت زيدان
سارة – (اسم مستعار)
طفلة بعمر ال 7 سنوات توجد في محطة توتال – طريق السلط، تتجول بين السيارات لبيع الورقيات من الكزبرة وغيرها وتردد الدعوات والعبارات اللطيفة لكسب الناس.
تبدأ سارة يومها الصباحي بالالتحاق إلى عملها (بائعة ورقيات) تتجول بين السيارات في المحطة لتحصل على مجموعة دنانير أو أقل حتى تعود إلى عائلاتها وتساعدهم.
في بداية الجائحة التي نعيشها اليوم تُشير نسب " تضامن " أن هناك 20% من الإصابات بفيروس كورونا بين الأطفال حتى نهاية آذار وبعدد 47 حالة.
خالد – (اسم مستعار)
فتى بعمر 15 يمارس مهنة بيع قهوة الشارع – على طريق مأدبا، يحاول جاهداً لفت انتباه الرواد بابتسامته البريئة وحفظ الطلبات لبعض المارين ليسمع عبارة (خد باقي الفرايط إلك).
الفتى خالد ترك دراسته بسبب عدم مقدرته في دفع تكاليف " التعلم عن بعد وجمع باقات الانترنت “، يخبرنا أنهُ انفصل عن التعليم بسبب حاجاته لجمع المال ودفع الانترنت وهو الآن مسؤول في تحمل العبء لوحده حتى يعود لدراسته بعد سنوات.
في 2007 وصل عدد الأطفال العاملين في المملكة إلى 33190 طفلاً، ممن أعمارهم 5-17.
45 ألف يتعرضون يمارسون المهن الصعبة والخطيرة لعام 2016.
زيد – (اسم مستعار)
يقف عند أحد شوارع العاصمة – عمّان لبيع الجرابات والقفازات بجانب صراف آلي ويخاطب المارين، (تعال اشتري وحدة وبعملك خصم).
تحدثنا مع زيد وسألناه ما السبب الذي جعلك تعمل لوحدك في الرصيف، فكان ردهُ لنا: أخوي الكبير ترك شغله بس مخلص دبلوم، فقررنا نشتغل سوا ونساعد أهلنا شوي.
بسبب تدني الفرص الوظيفية التي يُعاني منها الشباب اليوم يلجأ جيل آخر في تحمل الظرف ومواجهته مع الأكبر سناً حتى يكونوا عوناً وسنداً لأهلهم.
في 2016 وصل عدد الأطفال العاملين إلى 75982 طفلا. بين مقارنة 9 سنوات زادت نسبة عمل الأطفال إلى 43.68
يشهد الشارع الأردني اليوم مواجهته الصعبة أمام فايروس كورونا الجديد، يحاول جاهداً التصدي لجميع أعبائه المترتبة دون كلل أو ملل.
تعرض لنا النسب الأولية في آثار الجائحة والعمل عليها، انتشار ظاهرة " العمل القسري للطفل “، التي تعود بسبب خسارة الأهل جزء من عملهم وقوت يومهم مما أجبر البعض على سحب أطفالهم مبكراً إلى سوق العمل والتضحية بهم.
ممارسة الأطفال تحت السن المسموح (18 عاماً) بالعمل الذي يضر نموهم العقلي أو الجسمي، ويفقدهم الشعور بطفولتهم الطبيعية وحرمانهم منها، وتأثيرها على استمرارهم بالتعليم وانسحابهم المبكر من مقاعد الدراسة هذه أبرز المعاني التي وصفت بها عمالة الأطفال وألمها على المجتمع.
في الربع الأول من العام الحالي وبعد أول مرور 4 شهور بالتعامل مع الآزمة أصدرت وزارة العمل في بياناتٍ لها عن جهودها بإتمام 2711 زيارة تفتيشية متعلقة بعمل الأطفال، نتج عنها 396 حالة عمل أطفال, 250 إنذار , 110 مخالفات بحق أصحاب العمل.
" كورونا وعمالة الطفل "
تدخل الجائحة في زيادة انخراط الأطفال الى سوق العمل بعد كمية القرارات المجحفة التي تصدر يومياً في خسارة العديد من الأُسر عملهم وتخفيض أجورهم المتدنية التي لعلها تكفي سد حاجتهم الأساسية.
وضح لنا أحمد عوض – مدير المرصد العمالي (مركز الفينيق للدراسات المعلوماتية والاقتصادية)
أنهُ من أبرز الأسباب التي زادت من نسبة عمالة الأطفال لدينا، تفاقم التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، ناهيك عن تراجع مؤشرات العدالة الاجتماعية، مما نتج عنه تنفيذ سياسات اقتصادية التي لم ترعى حالة الوضع الحالي والأثار الاجتماعية المترتبة عليها من ناحية ازدياد رقعة الفقر ومؤشراتها.
حيثُ أشارت النسب الرسمية إلى ارتفاع نسبة الفقر بعام 2018 إلى 15.7%، وشكلت نسبة “الفقراء العابرين " الذين عاشوا حالة الفقر على الأقل لمدة 3 أشهر وصلت إلى 18.6% من المجتمع.
يُعتبر الأردن من أول الصفوف التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل ومنع انتهاكها، كما نص قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 والتعديلات التي أجريت عليه هناك مواد تضع معايير واضحة لعدم استغلال الطفل اقتصادياً، وبحسب المادة 73 التي نصت على منع تشغيل الأحداث تحت سن 16 بأي صورة من الصور، أما في المادة 74 فيحظر عمل الأحداث بالأعمال الخطرة أو المضرة بصحتهم.
من جهة قانونية أضافت لنا المستشارة القانونية نيروز الشوابكة , نعيش اليوم واقع مؤلم لما نراه من انتشار الأطفال على الممرات ومحلات البيع , نحتاج من خلالها بزياده تشكيل لجان الرقابة وفرض مخالفات على المنشآت التي تستخدم أطفال تحت السن القانوني , وذلك بوضع قانون يحمي الطفل في بعدد من الاتفاقيات الدولية أهمها ؛ اتفاقية حقوق الطفل المادة 32-1 : حيثُ تعترف جميع الدول الأطراف بحق حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يُرجح أن يكون مضراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي وكافة النواحي , نظراً لأهمية موضوع عمالة الأطفال والسلبيات التي ممكن أن تنتج من هذه الظاهرة.
إلى جانب اتفاقيات منظمة العمل الدّولية بتعددها:
اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم 138 واتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182 , وقد أكدت هذه الاتفاقية على أهمية التعليم الأساسي المجاني وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا مع العناية بحاجات أسرهم.
أعمال خطيرة، انتهاكات حقوقية، مخالفة اتفاقيات دّولية، سلب طفولة، وآثار أخرى تنجم عن خوض الطفل بمرحلة مبكرة في العمل وبُعده عن مقاعد الدراسة
هناك 8868 طفلة عاملة في الأردن بنسبة 11.5 من عمالة الأطفال البالغة 75982 طفلا
ومعظم الأطفال العاملين لا يلتحقون بالعمل في مقتبل العمر، بل بعد دراستهم 9 سنوات من المدرسة.
غياب إعلامي شديد يؤثر على تفاقم الظاهرة
هناك شح حقيقي وملموس في عدد التقارير والاخبار التي تخص نسب عمالة الأطفال ومحاولة الضغط المستمر على الرأي العام , في إيجاد حلول وتأثير واقعي للحد من تفشي الظاهرة ومنعها , والتواصل المستمر مع الجهات المعنية , واجراء استطلاعات رأي مباشرة مع الأطفال وأصحاب العمل .
الصحفي د. زياد الشخانبة من كلية الإعلام في جامعة البتراء، نلاحظ أن عمالة الأطفال تتجه نحو الضعف في انشاء التحقيقات الاستقصائية المعنية في الموضوع، كما أن هناك صعوبة في الوصول لمخاطبة الأطفال وأسرهم بسبب رفض الأهالي وعدم متابعتهم للأخبار والاطلاع عليها كجزء من التأثير، ومن جهة صاحب العمل فلا يوجد هناك رادع حقيقي لمنعه في تشغيل الأطفال وسلب حقوقهم.
كما أن الإعلام لا يستطيع محاسبة الأماكن البعيدة عن الأنظار المخصصة لعمل الأطفال بل هي مهمة اللجان المسؤولة عنها.
أما من ناحية الحصول على المعلومات فإن الإعلام مقصر في مطالبة النسب الصادرة عن المؤسسات فهي نسب قديمة وغير دورية ومن مهمة الإعلام المتابعة معهم وأخذ الأرقام والمطالبة بتحديثها كما يجب، والحرص على كشف آلية التعداد الصحيحة للأرقام المعلنة من خلال التقارير والدراسات وتوضيحها.
ناهيك عن عدم متابعة الإعلام حول " ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس بسبب التعليم " وليس لغايات العمل والاكتفاء بها بالوقوف على رغبة الطالب في انسحابه من الدراسة دون الرجوع إلى أسبابها العميقة.
جهود الوزارة:
يؤكد الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل – محمد الزيود، أن الوزارة تنسق الوزارة آلية مع كافة الجهات المعنية بعمل الاطفال من خلال الإطار الوطني للمكافحة عمل الأطفال لسنة 2011ووجود نظام إلكتروني وطني يضم هذه الجهات يحول حالات الاطفال لكل جهة حسب الاختصاص والمسؤولية مثل وزارة التنمية ووزارة التربية ووزارة العمل وبعض مؤسسات المجتمع المدني.
ومن خلال برنامج الحد من عمل الأطفال ومشروع مكافحة عمل الأطفال، مذكرة تفاهم مع الصندوق الأردني الهاشمي ينفذ من مركز الدعم الاجتماعي يتم سحب الأطفال العاملين المكتشفين من مفتشي العمل من خلال الزيارات التفتيشية.
ولتسهيل ُسبل التواصل مع وزارة العمل، وضمان سرعة الرد على جميع استفسارات متلقي الخدمة حول الخدمات التي تقدمها واستجابةً لمختلف الشكاوى المقدمة لها أطلقت الوزارة رقم هاتف خدمة الـ 24 ساعة الخاصة بالوزارة، من خلال مركز الاتصال الوطني.
تأثير عمالة الأطفال على الصحة النفسية للطفل
الدكتور حسين الخزاعي- دكتور في علم الاجتماع، يوضح لنا أن أخطر ما يتعرض له الطفل هو مجموعة الحرمان - كالحرمان العاطفي وبعده عن عائلته لمدة طويلة , حرمانه الاجتماعي في حق التعليم , العيش مع أقرانه بوضع آمن ,تعرضه للاستغلال الاقتصادي حيثُ هناك 67% من الذين خرجوا من المدرسة بسبب العامل الاقتصادي , شعوره بالدونية والنقص ,خروجهم لسوق العمل مستقبلاً بنسب تعليم متدنية , تكوين شخصية غير صحية من الناحية النفسية .
توصيات ومقترحات
صمم المرصد العمالي الأردني (ورقة تقدير موقف) بين من خلالها أهم التوصيات التي تعمل على تحسين وضع عمالة الأطفال
في الأردن أهمها:
توفير بيئة تعلم مناسبة عن بعد، مراجعة الإجراءات الخاصة بالجوانب الاقتصادية، تحديث قاعدة بيانات دورية لعمالة الأطفال، تحسين بيئة العمل لتشغيل الأفراد بالسن المسموح به، زيادة الحملات التفتيشية على الشركات وقطاع العمل، تفعيل المبادرات المجتمعية، احداث منظومة شراكة بين المؤسسات المعنية.
يُشكل اليوم عالمنا الصغير الكثير من فرص الابداع للطفل وآلية اغتنامها بالشكل الصحيح، لذلك علينا الحرص في مساعدتهم على استخراج مواهبهم بدلاً من دفنها وسط حُطام العمل القسري وبُعدهم عن طفولتهم وسلب حق العيش منهم.
بسنت زيدان
المصادر:
مسح عمل الطفل في الأردن لعام 2007.
المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن لعام 2016.
دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.
جمعية معهد تضامن النساء الأردني.
المرصد العمالي الأردني.