في رثاء الشهيد خلدون ياسين حسين المعاقلة
بقلم: اسامة احمد المعاقلة
يقول الله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا" صدق الله العظيم
في سماء الوطن يفوح لنا بالأرجاء عبير الشهداء الخالدة أسماؤهم وذكراهم العطرة ودماؤهم الزكية على الأرض التي نفديها بالمهج والأرواح وهم يحملون الشعار"وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه" وعلى الواجهة الغراء لهذا الوطن لبوا النداء ثم قضوا نحبهم.
في تاريخ ٢٧ - ١١- ٢٠٢٠ صبيحة يوم الجمعة الباكر على الواجهة الشمالية الشرقية لأداء الواجب ومنطقة العمليات والمسؤولية مضى الرقيب الشهيد خلدون ياسين المعاقلة وهو ابن العم ملتصق الدم والعشيرة مع رفاق السلاح وزملائه حماة الديار في هيبة الفوتيك وعلى جبينهم البرية المهدب بشعار الوطن وعلى الخاصرة الوسطى (القايش) فخر قواتنا المسلحة الأردنية مقبلين غير مدبرين في حب الوطن والذود عنه وعلى عاتقهم أمانة الوطن وعينهم ساهرة على الحدود وبذل الغالي والنفيس ليمضي زملاؤه ليلا ذلك اليوم في سجال مستمر وإحباط الفئات الضالة بمن سولت لهم أنفسهم للنيل والمساس بأمن هذا الوطن وتهديد شبابها المستقيم بما لا يليق بعقيدتنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا السمحة في محاولة إدخال السموم المضللة للشباب التي تزهق الأرواح وهدم الأفكار ولكن جنودنا البواسل كانوا لهم بالمرصاد وهذا دأب الجيش وهذه هي مدرسة الهواشم التي ما حادوا يوما عنها الأردنيون.
وقد امضى ابن العم الشهيد خلدون المعاقلة صاحب الخلق النبيل وسمعته الطيبة التي شهد له بها زملاؤه برفقة الملازم حازم الشديفات بالذهاب الى ذلك الموقع عن حادثة مواجهة المتسللين الذين تم ردعهم ليلا بدعم من زملائه الذين تعرضوا معه صباحا لحادث سيارة آلية الواجب العسكرية التي كانوا بها بسبب الأنزلاق وصعوبة الرؤيا والضباب الكثيف ملبين النداء نتج عنهم الإصابات ومنهم حازم وخلدون وقد قضيا نحبهما في لحظتها ليلتحقا في ركب الشهداء تاركين وراءهما الأهل والوطن مفارقين الدنيا وعند ذويهما ذلك الفخر بين عينيهم الفرح والدموع. ليسطرا انبل الصور وتجسيد معاني النصر والوفاء لتراب الوطن الغالي . باقية الأحزان موجعة للأهالي والزملاء في قلوبهم ألم الفراق حيث ان الشهيد هو رمز الأيثار وكيف لا هو شمعة تحترق ليحيا الآخرون وهو الشمس التي تشرق من جديد إن حل ظلام الحرمان والأضطهاد فهذا هو الشهيد خلدون الذي شيعت جثمانه على شواهد ساحات الكرامة والأغوار الذي تزفه الملائكة إلى الفوز الأكيد .
وفي يوم رحيله اختلطت دموع الحرائر بالزغاريد منهن من اصابها الحزن ومنهن من اصابها الفرح بأسم الشهيد وهذا حال الوطن من جنوبه الى شمالة ومن شرقه إلى غربه يقدم الشهيد تلو الشهيد وعلينا ان نستذكر كل شهيد في هذا الوطن كذكرى ولادتهم ويوم استشهادهم حيث ان مشروع الشهادة للوطن واجب مقدس وما زال الأردنيون من شتى العشائر يتغنون بالشهداء إلى يومنا هذا على القيم السامية الخالدة بذكرى الشهداء.
ولقد كان لأبناء الأغوار على امتداده في حرب الكرامة بصمة فيها أروع البطولات والتضحيات التي عطروها بدمائهم الزكيه في محور الأغوار الجنوبية لعام ١٩٦٨ في محافظة الكرك لمناطق غور الصافي والمزرعة والحديثة وفيفا والنقع إهتمام كبير لمناطق العمليات في الدعم والدفاع على شدة الحراك والسجال في دحر العدو الغاشم وتلك المواقف لا ينساها الأردنيون فيمن شارك وفيمن كان شاهد عيان .وما زال صرح شهداء الكرامة لأبناء الجنوب شامخا قائما في "غور الصافي" وأسماء الخالدين المنقوشة وحائط جدرانه يرتوي بعبق الماضي والذكريات .
وما زال أبناء الوطن يقدمون الشهداء على طريق إخوانهم الرجال الرجال جند ابو الحسين الأوفياء في سجل الخالدين لا يهابون من عاداهم.
حيث استذكر الجموع من أبناء لواء الأغوار الجنوبية في زفاف مراسم وتشييع جثمان الشهيد خلدون المعاقلة سيرة ابنائهم العطرة الذين رحلوا بفخر وأعتزاز على ما قدموه فداء لهذا الوطن وعرين الهاشميين وقائده المفدى وحامي الحمى ابو الهواشم.
تلك مشيئة الله لا اعتراض عليها في قضاء الله وقدره فيما أهله وأقاربه يحتسبون ما أصابهم الأمر كله لله ولم يكن بين أبناء عمومته أول شهيد وقد كانت سابقة لأبناء عشيرته الذين قدموا أبناءهم للوطن وضحوا بأنفسهم رخيصة في سبيله ومنهم الشهيد الجندي عبد الحميد عيد المعاقلة والذي استشهد في معركة الكرامة والشهيد الجندي اول هويشل هيشان سليم المعاقلة وهو سائق دبابه في كتيبة المنطقة الوسطى والذي استشهد عام ١٩٧٢ والشهيد الجندي محمود سلمي سويلم المعاقلة من مرتب كتيبة ابو عبيده عامر بن الجراح والذي استشهد عام ١٩٩٤ على الحدود الشمالية والشهيد الرقيب محمود حسين عواد المعاقلة من مرتب كتيبة الأمير زيد بن شاكر والذي استشهد اثناء ذهابه إلى كتيبته والذي اعترضه حادث سير مؤسف والشهيد تيسير مفضي عايد المعاقلة من مرتب العمليات الخاصه وقد وافاه الأجل اثناء قيامه بواجبه وقد سار معهم اليوم الرقيب الشهيد خلدون ابن عمومتهم الذي رسم لنا صورة حقيقية ومثالية بالتضحية قدمها عنه زملاؤه ومرؤسوه اثناء مراسم دفنه وهو من مرتب كتيبة الحسين الآلية/٢ أم الشهداء للمنطقة الشرقية الشمالية والتي لها من إسمها نصيب لفخرهم بنيل الشهادة ومعه زميلاه الملازم حازم على درب الوفاء لهذا الوطن ..
تلك عيون البواسل باتت تحرس في سبيل الله لا تمسها النار وستبقى ذكراهم عطرة وشمعات مضيئة تذكر لقناديل المستقبل الواعد وحالهم حال ابناء الوطن الذين قدموا أنفسهم رخيصة في سبيله .
وفي رحلة وداع الشهيد "خلدون" المعاقلة الخالد ذكره مع الشهداء والجسد النائم الراقد في قبره باقيا ذكراه مستيقظا في قلب والده ووالدته وشقيقه وشقيقاته. نعم هو ذلك الشهيد الذي يشفع لسبعين من أهله كما ورد نصه في الحديث الشريف .إذا نقول بكل فخر هنيئا لأهله في شهيدهم المكرم الذي نال أعلى المراتب والدرجات والكرامات في عطر دمه المسك الذي يفوح بالأرجاء وروحه طائر اخضر في السماء.
وإذ نقول لك أيها الشهيد " خلدون" تحية اجلال وتعظيم لك ولرفيقك الملازم حازم وهنيئا لكم على ما بذلتموه من أجل هذه الأرض.
وسيبقى هذا الوطن محط فخر وأعتزاز الأردنيين وسيبقى سياجه متين بسواعد الجيش العربي والعين الساهرة ودرعه الحصين على الدوام في ظل راعي المسيرة الهاشمية والقائد المفدى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه .
ورحم الله شهداء الوطن جميعهم ورحم الله الشهيد الملازم حازم الشديفات ورحم الله الشهيد خلدون ياسين المعاقلة.. وسلاما سلاما على أرواح الشهداء الطاهرة. سائلين الله لهم الفردوس الأعلى مع زمرة الشهداء والأبرار والصالحين وحسن أولئك رفيقا.