المشاقبة يكتب: الأمن المجتمعي.. المعنى الأبعاد والتحديات
مدار الساعة - كتب: أ.د. أمين المشاقبة
إن الأمن المجتمعي هو حاجة أساسية للمجتمع الإنساني يُقاس من خلالها استقرار وتقدم الوطن وازدهاره؛ لأنه الضامن لسلامة الأفراد والجماعات من مختلف الأخطار الداخلية والخارجية، الأمر الذي يؤدي إلى بناء اﻟﻤﺠتمعات الحديثة التي ينعكس مدى الأمن المجتمعي فيها على منجزات مواطنيها، ويشكل حافزاً للعمل والإبداع والاستقرار والحفاظ على الهوية الوطنية .
وفي ظل الأزمات والصراعات وانتشار الأمراض كما هو Covid-19، فإنه لا بد من الاهتمام بالسياسات والإجراءات التي تفرز الأمن المجتمعي، ويقرّ العالم اليوم بوجود هشاشة اجتماعية حلّت به نتيجةً لانتشار الجائحة.
ويتلاقى مفهوم الأمن المجتمعي مع الأمن الوطني، والأمن الاقتصادي، والأمن السياسي، وسنحاول في هذه الورقة التعرف على مفهوم الأمن المجتمعي، ومكوناته، وأبعاده، والتهديدات المؤثرة فيه من خلال الإجابة على الأسئلة الآتية:
1. ما معنى الأمن المجتمعي؟
2. ما هي الأبعاد الأساسية للأمن المجتمعي؟
3. ما التحديات التي تواجه تحقيق الأمن المجتمعي؟
4. ما مقومات الأمن المجتمعي؟
5. كيف لنا أن نعالج ونواجه تحديات الأمن المجتمعي؟
أولاً- مفهوم الأمن المجتمعي
الأمن لغةً: ضد الخوف، وهو من باب أمن، والأمن بكسر الميم: أي المستجير ليأمن على نفسه، ومنه الآمن أي غير الخائف.
إن الأمن هو التنمية، وبدون التنمية لا يكون هناك أمن، وهو قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي من أي تحدٍ أو صعوبة.
أما الأمن المجتمعي كلفظ مركب، فهو مفهوم يعبّر عن أنْ يعيش الفرد حياة اجتماعية آمنة مطمئناً على نفسه وعلى رزقه وعلى مكانه الذي يعيش فيه.
والأمن المجتمعي هو محصلة جميع الإجراءات اللازمة لحماية المجتمع ضد كل ما يحد من تقدمه لتحقيق أهدافه بما يتوافر لديه من إمكانات وقدرات متاحة.
والأمن المجتمعي أيضاً هو مجموع الإجراءات والخطط التي تتخذها الدولة لتأمين المجتمع، من خلال استغلال كامل الطاقات المختلفة لتحقيق الحياة الكريمة لكافة مواطنيها.
وقد استخدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مفهوم الأمن الإنساني كمفهوم مرادف لمفهوم الأمن المجتمعي، والذي عرّفته بأنه حماية الحريات الحيوية وحماية الناس من الأوضاع والأخطار الطارئة الحرجة والعامة وبناء قواهم وطموحاتهم، وخلق النظم السياسية والمجتمعية والبيئية والاقتصادية والعسكرية والثقافية التي تمكّن الناس من العيش بكرامة.
ويدور تعريف الأمن المجتمعي حول توفير حالة الأمن والاستقرار والطمأنينة في المجتمع، بحيث يستطيع الأفراد التفرغ للأعمال الاعتيادية التي يقومون بها دون مؤثرات، ذلك أنه في حالة غياب الأمن فإن المجتمع سيكون في حالة من التردي والتوقف، إذ إن الإنتاج والإبداع لا يزدهران إلا في حالة السلام والاستقرار، ومن هنا، فإن الأمن هو التنمية.
وباعتقادنا أن مفهوم الأمن المجتمعي يرتبط بالاستقرار وعدم الخوف، في حالة توافر منظومة متكاملة من الأمن بأبعاده: الأمن النفسي، والأمن المكاني، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن الفكري، إلى آخره من أبعاد.
ويمكن قياس الأمن المجتمعي داخل الدولة من خلال مجموعة من المؤشرات، فعلى سبيل المثال، يؤدي تراجع معدلات الجريمة عن حالة الأمن المجتمعي، والعكس صحيح، حيث إن تفشي الجرائم يعتبر مؤشراً على غياب الأمن المجتمعي، ومن هنا، فإن الأمن المجتمعي يرتبط بمدى قدرة مؤسسات الدولة على الحد من الجريمة ومكافحتها من خلال فرض النظام، وبسط سيادة القانون بواسطة الأجهزة القضائية والتنفيذية، واستخدام القوة في بعض الحالات بهدف تحقيق الأمن، والشعور بالعدالة التي تعزّز الانتماء إلى الدولة، وتساهم في استقرارها السياسي، حيث إن إشباع الأفراد ﻟكافة الاحتياجات المجتمعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية يؤدي إلى الشعور بالحرية، مما يدفع الأفراد إلى الاطمئنان وممارسة حياتهم بثقة وسعادة، وعلى ذلك، فإن مما لا شك فيه بأن هناك علاقة ارتباطية بين الأمن المجتمعي وممارسة الأفراد للحرية، وليس أدل على ذلك ما شهده العالم العربي منذ العام 2011 من شيوع للفوضى وعدم استقرار سياسي نجما بشكلٍ أساسي عن تراجُع الأمن المجتمعي الذي غيّب الحرية والعدالة والمساواة، وغيّب الممارسات الديمقراطية، وساهم بشكل مباشر في تأجيج الشارع العربي الذي خرج بمظاهرات عارمة تطالب بالحرية والمساواة والعدالة المجتمعية، ويُضاف إلى ذلك، تأثير الجائحة العالمية Covid-19 الذي أظهر هشاشة اجتماعية، وفشل النظم الصحية، وازدياد مشكلات الأمن المجتمعي من ارتفاع معدلات البطالة، والفقر، وانتشار الجريمة.
ثانياً- أبعاد الأمن المجتمعي
لقد تطور مفهوم الأمن المجتمعي نتيجةً لتطور الفكر الاستراتيجي، حيث كان يُنظر سابقاً إلى أمن الدول حصراً، ثم انتقل إلى الاهتمام بأمن الناس (الأمن الإنساني) المرادف لمفهوم الأمن المجتمعي الشامل الذي يتضمن كافة الإجراءات التي تؤدي إلى تهيئة ظروف الحياة المستقرة، وذلك من خلال تحقيق الأبعاد التالية:
1. البُعد السياسي، والذي يتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة وتحقيق أعلى درجات من الاستقرار، وحماية مصالحها العليا، واحترام الرموز الوطنية، وعدم اللجوء إلى طلب الرّعاية من جهات أجنبية أو العمل وفق أجندة غير وطنية، وممارسة حرية التعبير عن الرأي وفق القوانين والأنظمة النافذة بالوسائل السلمية لتحقيق أعلى درجات من العدالة والمساواة.
2. البُعد الاقتصادي، الهادف إلى توفير وسائل العيش الكريم وتلبية الاحتياجات الأساسية، ورفع مستوى الخدمات، وتحسين ظروف المعيشة، وإيجاد فرص عمل للجميع ومحاربة الفقر، وتطوير القدرات والمهارات من خلال البرامج التعليمية والدورات الهادفة، وإتاحة اﻟﻤﺠال لممارسة العمل الحر في إطار التشريعات والقوانين القادرة على مواكبة روح العصر ومتطلبات الحياة الراهنة، وتطوير البنى التحتية في مختلف المجالات.
3. البُعد الاجتماعي، والذي يهدف إلى توفير الأمن للمواطنين بقدرٍ ينمّي لديهم شعوراً بالانتماء والولاء لوطنهم، وزيادة إدراك إنجازات الوطن واحترام تراثه الذي يمثل هويته وانتماءه الحضاري، واستغلال كافة المناسبات الوطنية التي تساهم في تعميق الانتماء، والعمل على تشجيع إنشاء مؤسسات اﻟﻤﺠتمع المدني لتمارس دورها في اكتشاف المواهب، وتوجيه الطاقات، وتعزيز فكرة العمل الطوعي لتكون هذه المؤسسات قادرة على النهوض بواجبها كداعم للجهود الرسمية في مختلف اﻟﻤﺠالات، ومراعاة أوضاع الفئات المهمّشة في المجتمع، وخلق حالة من التكيف والتوازن الأسري، ومحاربة الجريمة والسعي إلى إيجاد بيئة آمنة وسليمة للعيش المشترك للجميع، وحماية الفئات الأكثر عرضةً للعنف، مثل النازحين والأطفال والنساء والسجناء، وتعزيز الصحة المجتمعية من خلال توفير كل الوسائل والخدمات للشؤون الصحية.
4. البُعد المعنوي (الاعتقادي أو الفكري)، ويهدف إلى احترام المعتقد الديني بصفته العنصر الأساسي في وحدة الأمة، ومراعاة حرية الأقليات في اعتقادها، احترام الفكر والإبداع، والاحتفاظ بالعادات والقيم الحميدة التي استقرت في وجدان الأفراد.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأبعاد تتم معالجتها وفق أربعة مستويات، هي: أمن الفرد، وأمن الوطن، وأمن الإقليم، والأمن الدولي، إذ يسعى الفرد إلى انتهاج السلوك الذي يؤمّنه من الأخطار المهددة لحياته أو ممتلكاته، واللجوء إلى القانون لتوفير الأمن مع الحرص على عدم التعدي على حياة الآخرين، أما أمن الوطن فهو منوط بأجهزتها المتعددة التي تسخر كافة إمكاناتها لحماية رعاياها ومصالحها من الأخطار الداخلية والخارجية والداخلية، وهنا يأتي دور المسؤولية المجتمعية التي تتطلب من الأفراد مساندة أجهزة الدولة في تنفيذ سياستها .
ويتحقق الأمن الإقليمي من خلال تعاون دول الإقليم لحماية مصالحها بموجب اتفاقيات ثنائية أو متعددة، أما الأمن الدولي، فتتولاه المنظمات الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي ، والوكالات المتخصصة، وما يصدر عنهما من قررات ملزمة لكافة الدول الأطراف بهدف الحفاظ على الأمن والسم الدوليين.
ومن خلال هذا الطرح، يتبيّن لنا بأن الأمن المجتمعي يتحقق في حال تحقق:
- الأمن الصحي، أيْ توفير البنى التحتية المتعلقة بالصحة (كالقضاء على الأمراض السارية والحفاظ على الصحة العامة).
- الأمن البيئي (كالتخلص من التلوث والألغام).
- الأمن الثقافي (كاحترام الخصوصيات الثقافية الفرعية، ومحاولة بناء ثقافة سياسية Political culture وطنية مشتركة).
- الأمن المجتمعي (المؤسسي)، أيْ وجود مؤسسات اجتماعية وطنية رسمية وغير رسمية لتحقيق الأمن الاجتماعي.
- الأمن السياسي (مثل الاستقرار السياسي، ووجود حكم رشيد، ووقف الاعتقالات غير القانونية، والسماح بالتعبير عن الرأي بحريّة، وتعزيز القيم الديمقراطية).
- الأمن النسوي، ويختص بكل ما يتعلق بالعنف ضد المرأة.
ثالثاً- مقومات الأمن المجتمعي
يقوم الأمن المجتمعي على مجموعة من المقومات، منها ما يلي:
1- التماسك بين أفراد المجتمع من خلال الانتماء للوطن والمجتمع، أو ما يسمى بالانسجام الاجتماعي.
2- وجود جهاز قضائي عادل ومستقل وقادر على تطبيق القوانين والأنظمة التشريعية، لتحقيق أعلى مستويات العدالة.
3- وجود أجهزة أمن قادرة على حفظ العدالة المجتمعية وإشاعة الطمأنينة لدي أفراد المجتمع.
4- وجود مؤسسات تربوية تساهم بفعالية في تنفيذ سياسة التربية المدنية والدينية كعامل من عوامل الوقاية من الجريمة والانحراف.
5- وجود مؤسسات إصلاح وتأهيل للمحكوم عليهم لارتكابهم جرائم تخالف القانون.
6- وجود مؤسسات تنشئة اجتماعية، (كالأسرة، والمدرسة، وجماعات الرفاق، والمؤسسات الدينية، والأحزاب السياسية)، فاعلة تغرس القيم الإيجابية، وتنمّي حس مسؤولية الأفراد تجاه مجتمعهم، وتعمّق من ولائهم وانتمائهم له.
7- وجود وسائل إعلام (مؤسسات إعلامية) قادرة على نشر الحقيقة، وبناء الوعي بالقضايا المجتمعية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تحقيق المقومات سالفة الذكر يُعتبر أمراً يتطلب شروطاً موضوعيه للوصول في النهاية إلى الأمن المجتمعي، حيث إن وجود أجهزة الأمن على سبيل المثال لا يكفِ لتحقيق الأمن المجتمعي، بل يحافظ على الأمن الذي يتحقق بوجود قضاء عادل مستقل من وجهة نظر الأفراد الواعين بحقوقهم وواجباتهم والذين تمت تنشئتهم بطريقة صحيحة من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة وغير ذلك من مؤسسات تنشئة اجتماعية، ثم يأتي دور المؤسسات الرسمية المناط إليها توفير فرص العمل، والتعليم، والصحة، والسلامة العامة.
رابعاً- تحديات تحقيق الأمن المجتمعي
هناك مجموعة من التحديات التي تقف عائقاً أمام تحقيق الأمن المجتمعي، نذكر منها ما يلي:
1. الجريمة: بِأشكالها المختلفة، مثل جرائم الاعتداء على النفس، وجرائم الاعتداء على الممتلكات، والجرائم المنافية للأخلاق، وغير ذلك من أشكال.
2. الغلو: أي تجاوز الاعتدال، والذي يقود إلى التطرف واعتناق الأفكار التكفيرية، واعتقاد المتطرف بأنه يحتكر الحقيقة، الأمر الذي يولد الأحقاد ويؤدي إلى الانقسامات الحادة داخل المجتمع الواحد، وتقضي على التماسك الاجتماعي.
3. اﻟﻤﺨدرات: بآثارها السلبية على المدمن وانعكاساتها على أسرته، وعلى المجتمع ككل من حيث تبديد طاقاته، وكون هذه الآفة تمثل حاضنة لارتكاب المدمن للجرائم تحت تأثيرها.
4. الفقر: إن الفقر يُعتبر من أبرز المشكلات المجتمعية والاقتصادية المساهمة في بروز حالات الجنوح التي تدفع أصحابها إلى السرقة والانتقام، والتعامل بالجريمة بكل أبعادها، وتشير العديد من الدراست إلى أن الفقر يشكل بيئة مناسبة للانحراف المجتمعي الذي يهدّد قيم اﻟﻤﺠتمع ويشكل إخلالاً في توازن بُنيته المجتمعية.
5. البطالة: تُعرّف البطالة بأنها الحالة التي يكون فيها الشخص قادراً على العمل، ولكنه لا يجد العمل والأجر المناسبيْن، وتُعتبر مشكلة البطالة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية، وهناك علاقة طرية بين زيادة معدل البطالة ومعدل الاستقرار في المجتمع.
6. غياب العدالة المجتمعية وعدم تكافؤ الفرص، تُعرّف العدالة المجتمعية بأنها نظام اجتماعي اقتصادي يهدف إلى إزالة الفروق الاقتصادية بين طبقات المجتمع الواحد، إذ إنها تعمل على توفير المعاملة العادلة وتوفير الحصة التشاركية من خيرات المجتمع للجميع من خلال إعادة توزيع الدخل، وتكافؤ الفرص، فإذا لم يتم تحقيق العدالة المجتمعية يتولد لدى الفرد إحساس بالظلم والتهميش والاغتراب، وعدم وجود حقوق لديه في مجتمعه.
7. عدم وجود مؤسسات وطنية قادرة على توظيف دورها في إقامة مجتمع آمن.
8. غياب مؤسسات إعلامية وطنية رسمية وغير رسمية، وضعف أو فشل دورها في تحقيق الأمن المجتمعي.
9. الإشاعة: إن الإشاعة هي مجموعة أخبار زائفة تفتقر إلى مصدر موثوق، وتنتشر في المجتمع بشكلٍ سريع ويتم تداولها بين الناس ظناً منهم أنها أخبار صحيحة، وتؤثر الإشاعة بشكلٍ مباشر على الأمن المجتمعي، وازداد تأثيرها مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فالإشاعة تمثل حرباً نفسية مدمرة للفرد والمجتمع، وهي أداة فتنة تقود إلى انقسام فئات المجتمع.
خامساً- كيفية مواجهة تحديات الأمن المجتمعي
1. إن الأسرة هي الحاضن الأول وحجر الأساس في البناء التربوي، فالتربية الصالحة المسؤولة تؤسس أفراداً أسوياء قادرين على المشاركة في بناء مجتمعاتهم بكفاءة واقتدار.
2. وتقوم المدرسة والجامعة بإكمال دور الأسرة من غرس القيم، وتزويد الأجيال بالمعرفة والخبرة ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمع صالح تسوده العدالة والمساواة تحت مظلة الأمن والأمان .
3. وللمجتمعات قدرة على تفعيل أدوات الضبط المجتمعي ومعالجة الاختلالات الناشئة من خلال دراسة الظواهر المجتمعية السلبية، والنفاذ إلى أسبابها، ووضع الحلول الناجحة لها من خلال وضع خطط استراتيجية تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية، فالخطط التنموية ترصد الجانب المعيشي وتسعى إلى زيادة معدلات الدخل، والأخذ بيد الفئات الأقل حظاً؛ لتنال نصيبها من الرعاية.
4. وتقوم المؤسسات التربوية بإعداد النشء اجتماعياً ونفسياً ومعرفياً ليكونوا مواطنين صالحين.
5. وتتصدى الأجهزة الأمنية والقضائية للجرائم وتجفف منابعها، وتقترح آليات للتخفيف من آثارها.
6. وتساند مؤسسات المجتمع المدني بأنواعها المؤسسات الرسمية في جهودها بتحقيق الأمن المجتمعي من خلال توجيه طاقات الشباب إلى العمل النافع والابتعاد عن رفاق السوء، والانخراط في النشاطات الهادفة والأعمال التطوعية التي تعود عليهم وعلى اﻟﻤﺠتمع بالنفع والفائدة .
7. ويأتي دور أجهزة الإعلام الموضوعي في توجيه وإرشاد الرأي العام، وبناء حالة من الوعي العام بأهمية الأمن المجتمعي.
8. كما يجب تطوير استراتيجية وطنية لدرء خطر الإشاعة من خلال إيجاد منصة رسمية تتأكد من حقيقة الأخبار التي تنتشر بين الناس، والتحليل الموضوعي والمنطقي لعدم قبول الأخبار المزيفة، والتوعية من خلال المنابر الدينية والتعليمية والثقافية، وتطبيق القانون الرادع على مروجيها.
وختاماً، فإن الأمن حاجة أساسية لاستمرار الحياة وديمومتها، فانعدام الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، ويعيق من بناء المجتمع واستقراره، مما يقود إلى انهيار مقومات وجوده، فقد قيل أن هناك نعمتيْن عظيمتيْن لا يشعر الإنسان بقيمتهما إلا إذا فقدهما، وهما الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان، والأمن الاجتماعي هو محصلة جميع الإجراءات اللازمة لحماية المجتمع ضد كل ما يحد من تقدمه لتحقيق أهدافه بما يتوافر لديه من إمكانات وقدرات متاحة، وقد أجابت الدراسة على أهم الأسئلة المتعلقة بالأمن المجتمعي من حيث المقومات والتحديات.
ويتداخل مفهوم الأمن المجتمعي بين ثلاث دوائر، إذ إن الدائرة الأولى هي الدائرة الإنسانية التي تنطلق من حماية الإنسان بصفته إنساناً بغض النظر عن جنسة ودينه ولونه، أما الدائرة الثانية فهي دائرة الأمن الوطني الذي يتعلق بحماية الدولة التي ينتمي إليها الأفراد والجماعات، ويحظون بحمايتها ورعايتها مقابل أن يهبوا للدفاع عنها إذا واجهت أخطاراً تهدد كيانها السياسي أو تمس سيادتها، وأما الدائرة الثالثة فتتعلق بالأمن المجتمعي الذي يمكن النظر إليه باعتباره أحد مكونات الأمن الوطني الذي تساهم في تحقيقه مؤسسات اﻟتنشئة ابتداءاً من الأسرة إلى المدرسة والجامعة وجماعات الرفاق... إلخ.
ويرتكز الأمن المجتمعي على منظومة العادات والتقاليد التي يؤمن بها اﻟﻤﺠتمع، وعوامل الاستقرار القائمة على التفاهم والتعايش وروح المواطنة والشعور بالانتماء والرغبة في التعبير عن المشاركة الإيجابية في خدمة الجماعة لتحقيق الذات من جهة، والحصول على الرضا والقبول من الجماعة من جهة أخرى.