كيف يمارس الإعلام الأمريكي تحيزاً وعنصرية ضد الشعب نفسه؟ مشاهدات امرأة عربية أمريكية (2)

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/21 الساعة 13:51

مدار الساعة - إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان كانت سمعة الإسلام كدين سماوي لا بأس بها؟ كانت أمريكا تساند المجاهدين الأفغان، وتتحدث عن بطولاتهم وما يتعرض له شعبهم من عنف وإجرام على أيدي الجيش السوفييتي، لا بل إن الرئيس رونالد ريغان استقبل قادة الجهاد الأفغاني بلحاهم الطويلة ولباسهم المميز، لكن صورتهم التي كانت محبوبة أصبحت فيما بعد مثالاً للإرهاب.

شبّه ريغان آنذاك المجاهدين الأفغان بمؤسسي أمريكا، بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون، وأضفى عليهم هذا التشبيه الكثير من الاحترام والود، لدرجة أن رحلة المكوك الفضائي كولومبيا عام 1982 أعلن عن إهدائها لكفاح الشعب الأفغاني.
ومن طبيعة هوليوود إنتاج أفلام حربية بمساعدات من البنتاغون، وكان فيلم رامبو 3 أحد هذه الأفلام، والذي أظهر كيف كان الجهاد أمراً إيجابياً في أمريكا.

أحد مشاهد الفيلم ربما هزّ مشاعر كل أمريكي، مجاهد أفغاني يسترِق لحظات قبيل المعركة الحاسمة ليتوضأ ويصلي، في حين ينظر إليه البطل الأمريكي بكل إجلال واحترام.
كانت اللقطة مؤثرة، لدرجة كاد الأمريكيون يركعون مع المجاهد الأفغاني، ويومذاك كانت نهاية الفيلم تذكر أن هذا الفيلم مهدى لذكرى مجاهدي أفغانستان الشجعان، ولكن إن شاهدت الفيلم اليوم ستجد أن عبارة أخرى قد حلت محلها، الفيلم مهدى لكل شعب أفغانستان، فقد أصبح المجاهد الأفغاني اليوم هو الإرهابي الأفغاني.

إذا عدنا إلى المصلحة القومية الأمريكية وراء إنتاج فيلم رامبو 3 فسنجد أن الحرب الباردة أسهمت في تحويل الاقتصاد الأمريكي إلى اقتصاد سلاح.
مدن كثيرة في أمريكا تعتمد اقتصادياً في تشغيل سكانها على صناعة السلاح، إذ ينتعش الاقتصاد كلما ازدهرت تجارة الأسلحة، وثلث ميزانية الدولة الأمريكية تُدفع لصانعي السلاح.

الرئيس الأكثر شهرة في التاريخ الأمريكي، إيزنهاور، قال في خطاب وداعه للرئاسة "إن كل بندقية تُصنع وكل سفينة حربية تُدشن وكل صاروخ يطلق هو في الحسابات الأخيرة سرقة للقمة العيش من فم الجياع".


لكن لا الرئيس إيزنهاور، ولا الكثير من دعاة السلام تمكنوا من تغيير ارتباط الاقتصاد الأمريكي الوثيق بصناعة السلاح، بل إن ما حصل هو أن شركات الأسلحة هي التي نوّعت في مجالات استثماراتها، واستثمرت في الإعلام، والسينما، والمؤسسات الفكرية، ولذلك عندما انهار الاتحاد السوفييتي غاب العدو، أي انتهى المبرر للاستثمار في تجارة السلاح المربحة، وأسهم ذلك ضمن عوامل أخرى مهمة في تحريك عجلة البحث عن عدو.

كذلك فإن سقوط الاتحاد السوفييتي وعدم وجود قوة منافسة أتاح فرصة ذهبية، وجد بعض الساسة الأمريكان أهمية استغلالها لأقصى درجة وبأسرع وقت لفرض الهيمنة على أكبر مساحة من العالم وأهمها العالم العربي.

بدأت الكاتبة دراسة ماجستير العلاقات الدولية بعد حوالي 7 سنوات من وصولها لأمريكا، حرصت أن تكون أبحاثها في العلاقات الدولية متعلقة بالعرب والمسلمين، وشملت موضوعات عن البنوك الإسلامية، ونظرية الواقعية في كتابات هاينز مورغانتو والقرآن الكريم، وقد طلب أستاذها أن تستعين بمدقق لغوي، وهكذا تعرفت إلى كيرت، فوجئت أن كيرت عكس كل الأمريكيين، عميق الثقافة بمادة أبحاثها، وأخذ يشجع على نشر أبحاثها في مجلات متخصصة.


تقول الكاتبة: سألتُه يوماً عن سر معرفته الواسعة التي تفوق معلومات بعض الحاصلين على الدكتوراه من أساتذتي، قال دبليو إم إن إف! تساءلت ماذا؟ قال هذه هي الإذاعة المحلية، استمعي لنشرة أخبارهم المطولة هذا المساء وقولي رأيك!

فاستمعت واستمعت واستمعت، وإذ بصفحة جديدة تفتتح في حياتها، كانت تتابع نشرات الأخبار يومياً عبر محطات أمريكية مثل CNN، ظنت أنها بهذا قد فهمت أمريكا، واعتقدت أن الإعلام الأمريكي حر ومفتوح، ويُعبّر عن جميع فئات الشعب بلا تحيز، وأن التحيّز هو غالباً ضد فلسطين والعرب والمسلمين، وأن سبب هذا التحيّز هو سيطرة اليهود على الإعلام الأمريكي، لكن بعد متابعتها لهذه الإذاعة أدركت أن الإعلام الأمريكي متحيز ضد فئات من الشعب الأمريكي نفسه.

وأن هناك أمريكا أخرى إما أنها تقع خارج الرادار الإعلامي وإما أنها تعرض بطريقة مضللة، فعندما يعرض الإعلام البديل تقريراً عن امتلاء السجون بمدمني مخدرات من السود، فإن نفس الأرقام والإحصائيات تعرضان هنا وهناك، ولكن الإعلام البديل يتحدث عن الظروف التي جعلت الشاب الأسود عرضة لاستخدام المخدرات والدخول إلى السجن، كما يعطيك إحصائيات تُثبت عدم إعطاء السود فرص عمل مماثلة للبيض، وتظهر تقارير عن سوء التعليم والمدارس في مناطق تجمعات السود، وتذيع تقارير عن تحيز الشرطة والقضاء ضد السود، بل وقد تعرض تقارير تشير بأصابع الاتهام إلى بعض الأجهزة، وقيامها بترويج المخدرات بين السود، وهذا كله لا يذاع في الإعلام التقليدي الذي يعطيك فكرة أن الارتباط بالمخدرات عند السود مسألة تجري في جيناتهم.

ولذا فلو كنت تقتصر على متابعة الإعلام التقليدي، فستجد نفسك لا شعورياً تشارك بعض الأمريكان رأيهم العنصري ضد السود، من النادر أيضاً أن يتحدث الإعلام الأمريكي عن آثار استخدام اليورانيوم المخصب على صحة الجنود الأمريكيين العائدين من العراق، وكذلك لن تجد في الإعلام التقليدي ما يذيعه الإعلام البديل عن تعدي بعض شركات البترول العالمية على البيئة، بل وحتى تورطها في قتل بعض ناشطي حماية البيئة في إفريقيا، وكذلك عن اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، والذين باتوا بلا مأوى إلا في غابات الشجر وأسفل الجسور.


أحياناً يُعرض شيء من هذه القضايا في الإعلام التقليدي، ولكنه يلقي باللائمة على الأفراد لا على النظام الرأسمالي، ويُبدو الفقراء كسالي لا يريدون أن يعملوا حتى لو أُتيحت لهم فرص العمل، وإذا لم يكن بد من اتهام الحكومة بالتقصير فإنما ذلك لأنها حكومة كبيرة غلغلتها البيروقراطية، وأن الحل هو في خصخصة الخدمات ومنحها لشركات ربحية، وهكذا.

في التغطية الإعلامية عن فلسطين الأمر لا يختلف كثيراً، حيث يتم إغفال الأخبار في حينها، ثم ذكرها بعد فوات أوانها، وضمن سياق ما يجعل المشاهد الأمريكي لا يرى ولا يعرف ما يتعرض له سكان غزة، مثلاً لو عُرض خبر عن إغارة مقاتلات إسرائيلية على موقع لكتائب الأقصى قتل فيه ثلاثة من المتطرفين، فهو رد على إطلاق الكتائب صواريخ على مدينة كذا (وليس مستعمرة كما هي في الواقع).


تسببت الصواريخ في نزول السكان إلى الملاجئ، وقتل طفل عمره خمس سنوات، وقد يفصل أكثر فيقول إن صواريخ الكتائب أطلقت رداً على غارة إسرائيلية على سيارة في غزة، كان يستقلها أحد عناصر جماعة الجهاد، الذي قتل هو وأحد أبنائه (لا يذكر أن هذا الابن طفل).
أما في الإعلام البديل، فالمشاهد كان قد سمع بالغارة الإسرائيلية الأولى على سيارة عنصر جماعة الجهاد، وفهم أن طفلاً بريئاً قُتل، وأن السيارة كانت مدنية، وأن صواريخ الجهاد استهدفت مستعمرة، أي أن شرعية بنائها غير قائمة، شتان إذن بين الخبر في الإعلام هذا وذاك، وشتان ما بين الرسالتين اللتين استقرتا عند جمهور كل منهما.

تتحدث الكاتبة أيضاً عن نواحٍ أخرى عن المجتمع الأمريكي وبعض إيجابياته، فحين تتحدث عن خادمتها الأمريكية، وساعات العمل المقننة لها، والشروط التي تحميها وتجعل لها رأياً في الأعمال التي تطلب منها، وكذلك ما يجب أن يقدمه لها مشغلها من الاحترام، وتقارن بين تلك الخادمة التي تعمل في أمريكا والأخريات القادمات من سريلانكا والعاملات في الأردن، الخادمة الأمريكية هنا تعتبر محظوظة، إذ يكفل عملها لها ولأولادها حياةً معقولة، تجعل منها سيدة مجتمع، مثلها مثل مَن تعمل عنده، وشتان ما بينها وبين نظيرتها التي تعمل في أي بلد عربي وتعاني ما تعانيه مما نعرفه. في أمريكا الوضع يحقق للعاملة عدالة أكثر.

هناك الكثير مما يحتاج أن نفهمه عن أمريكا، والكتاب يفتح آفاقا للفهم بلا شك، في أسلوب مشوق سهل وغني.

 

عربي بوست

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/21 الساعة 13:51