القضايا العربية بين عهدين
السنوات الأربع التي أمضاها ترامب في البيت الأبيض كانت مختلفة كثيرا عن كل ما شهده العالم، فقد شكلت انقلابا على السياسات والقيم والتقاليد والمواقف الأميركية نحو العديد من القضايا والأحداث؛ فأسهمت في خلق مزاج عالمي جديد وقلب الأولويات التي وجهت عمل الإدارات الأميركية عبر ما يزيد على قرن من الزمان.
في سابقة لافتة، توقفت أميركا ترامب عن دعم الديمقراطيات التي طالما كانت المدخل الذي اتبعه الرؤساء في تبرير تدخلاتهم في شؤون العالم الثالث وركزت على الصفقات التجارية والسياسية وتفاخر بقدرته على إبرامها وتبنيها. كما أدار الرئيس ظهره للإعلام والحريات الإعلامية، فأصبح ناشرا لا ينتظر المستشارين ولا الساسة ليعبروا عن مواقفه ومزاجه وتوجهاته المتقلبة. في تجسيده لشعار أن أميركا أولا، راجع ترامب وإدارته كل الاتفاقيات والمعاهدات والسياسات وألغيا أي التزام لا يقدم أميركا على الشركاء.
على الصعيد الدولي، صنف الصين عدوا وكرر انتقاداته للاتحاد الأوروبي ودعم انفصال بريطانيا عنه، كما أوقف الدعم لمنظمة الصحة العالمية وخرج على الاتفاق المبرم مع إيران وغير من قواعد التعامل الأميركي مع الناتو ولم يتورع في تبني برنامج لفصل المكسيك عن الولايات المتحدة بجدار عازل تدفع المكسيك تكاليفه.
في الداخل الأميركي اتخذ موقفا رافضا للهجرة وداعيا لتقليصها ومعتبرا أنهم المسؤولون عن تدهور نوعية الحياة وسرقة الأعمال من الأميركيين فأصدر الأوامر التي تمنع بعض أبناء الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة، إضافة الى عشرات الأوامر الرئاسية التي لا تشبه المنطلقات ولا المبادئ التي وجهت السياسة الأميركية لقرون.
فيما يخص الشرق الأوسط، نظر ترامب الى المنطقة بأنها تملك أموالا أكثر من حاجتها وأن بإمكانه المناورة والحصول على الأموال العربية على هيئة صفقات تجارية أو دعم لمشاريع تنموية واستثمارية تولد فرص العمل وتقوي الاقتصاد الأميركي، فحصلت إدارته على أموال تفوق كل ما حصلت عليه الولايات المتحدة في عهد كل الإدارات التي تعاقبت على البيت الأبيض منذ اكتشاف البترول في المنطقة العربية، الأمر الذي عزز صورة ترامب كرئيس غير تقليدي قادر على إبرام الصفقات وتحقيق الإنجازات دون المرور بالطقوس والخطوات الروتينية التي يلجأ لها غيره من القادة والزعماء وتتطلب ردحا من الزمن.
بالتوازي مع هذا الاتجاه، وعد ترامب العرب بالمساعدة على حمايتهم من البعبع الإيراني من خلال بناء ورعاية حلفاء جدد، كما شجع على افتعال حروب متعددة في المنطقة لتقبل البلدان العربية على شراء الأسلحة والإذعان للاستشارات والتوجيهات التي مهدت لإحداث زجزجة تاريخية في مواقف بعض الكيانات العربية من الصراع العربي الإسرائيلي وبدء حركة للتطبيع في عدد من البلدان العربية التي طالما كانت الداعم الرئيس للمواقف الفلسطينية الرافضة للتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والسيادة والهوية.
على هذه الخلفية، تأتي الإدارة الجديدة وسط الكثير من الآمال في العودة الى الأوضاع التي سادت قبل تولي ترامب قيادة البيت الأبيض وتوظيفه للموقع في دعم أحلام وتطلعات الصهيونية العالمية في تهويد الأرض الفلسطينية وخفض توقعات الفلسطينيين إلى ما هو أدنى مما نصت عليه الاتفاقيات وأقرت به المنظمات الدولية عبر ما يزيد على سبعة عقود.
الإدارة الديمقراطية الجديدة للبيت الأبيض لن تختلف كثيرا عن سابقتها الجمهورية الا في التكتيك والمواربة، فلا أحد يتوقع من الرئيس بايدن أن يعيد السفارة الأميركية من القدس الى تل أبيب، كما من غير المتوقع أن يعمل على وقف التوسع الاستيطاني أو يأمر بالانسحاب من الأراضي التي يتهيأ اليمين الإسرائيلي لضمها لحدود الكيان الإسرائيلي.
الكثير من المراقبين والمتابعين يتطلعون الى فصل جديد في العلاقات الأميركية الخليجية تحت عنوان حماية ورعاية حقوق الإنسان؛ فالديمقراطيون لا ينظرون بإعجاب للإنجازات المالية التي حققها ترامب للاقتصاد الأميركي من خلال علاقته بالأنظمة السياسية الخليجية، ويرون أن ذلك ما كان ليحصل لولا تغاضي الولايات المتحدة عن بعض الممارسات والانتهاكات التي لا تتوافق مع المبادئ والمنطلقات التي تقوم عليها السياسة الأميركية.
فيما يخص الحروب والصراعات الدائرة والانسحاب العسكري الجزئي الذي حاول ترامب أن يسوقه كهدف من أهداف إدارته، فمن المتوقع أن يعود الديمقراطيون الى إبرام اتفاق جديد مع إيران وتفاهمات جديدة مع الروس حول ما يجري في سورية وليبيا، وقد يمتد ذلك الى إنهاء الصراع في اليمن وتحسين شروط معيشة وحقوق الأقليات والمهاجرين في البلدان الخليجية.
العلاقات الأردنية الأميركية مرت بمشاكل واهتزازات كبيرة بالرغم من استمرار الدعم المالي للأردن، فمن المتوقع أن يعود الأردن الى واجهة الاهتمام الأميركي كشريك سياسي يجري الإفادة من الخبرة والوسطية التي يتمتع بها.
بالرغم من أن هذه الاحتمالات واردة، إلا أن من غير المؤكد التراجع عما قامت به الإدارة السابقة، فقد تكون الجرأة التي تحلى بها أثرت على كيف يفكر الرؤساء والإدارات. الغد