الأهداف بعيدة المدى للنصر السوفييتي على الفاشية
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/06 الساعة 19:12
كتب .. د. حسام العتوم
في كل عام وتحديداً بتاريخ 9 أيار تحتفل الفدرالية الروسية بشكل مهيب بعيد النصر السوفييتي على فاشية (اودولف هتلر ونظامه) في الساحة الحمراء حيث قبور الزعماء السوفييت إلى جوار قصر الكرملين الجمهوري الرئاسي وعبر عرض عسكري فريد من نوعه ومتميز ودائم التطوير، وهذا الاحتفال يعقد منذ الانتصار السوفييتي الساحق بقيادة روسيا على النازية الالمانية عام 1945 في الحرب العالمية الثانية العظمى، وينتشر ذات الوقت في المدن الروسية الأخرى، وفي عواصم الاتحاد السوفييتي السابق، وفي اوروبا أيضاً بتاريخ 8 آيار، ويبدو لي بأن امريكا لا تقيم احتفالاً سنوياً بحجم روسيا بهذه المناسبة لشعورها بعقدة الذنب بسبب استخدامها قنبلتين نوويتين مع نهاية الحرب على كل من مدينتي (هيروشيما) و(ناكازاكي) اليابانيتين وبالتزامن مع اعلان «بوتسدام» الذي رفضت فيه اليابان الاستسلام، ولو امتلك السوفييت القنبلة النووية ذاتها وقتها لما استخدموها، وهو ما اكده الرئيس بوتين لإعلام بلاده مراراً احتراماً للإنسانية. وبالمناسبة فإن التخوف الالماني من صعود نجم السوفييت امتدت جذوره إلى عمق الحرب العالمية الأولى عام 1914 عندما اعلنت المانيا الحرب على روسيا بعد مناصرة روسيا صربيا حيث اعلنت النمسا الحرب عليها بعد حادثة اغتيال ولي عهد النمسا الارشيدوق فرانز فرديناند وزوجته في سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، ودخول امريكا متأخراً للحرب العالمية الثانية ارتهن بالضربة المباغته للأسطول الامريكي هاربر بتاريخ 7 ديسمبر 1941، وفي المقابل لم يكن صدفة أن تلاحظ الصحفية الامريكية انيت انتون العامله انذاك قبل اندلاع الحرب الثانية في صحيفة (ديترويت) وعندما قابلت ادولف هتلر وجود صورة لهنري فورد مؤسسة شركة فورد للسيارات، فبفضل رجال أعمال أمريكا نهض اقتصاد الرايخ الالماني إلى اوجه، وتم تزويد هتلر بالصناعات العسكرية بداية الحرب، ورغم الجبهة السوفيتية الامريكية الواحدة ومنها الروسية في الحرب تلك أي الثانية إلا ان امريكا تفاجأت بالانتصار السوفييتي وبطرد هتلر إلى عمق برلين. وبدأت السنة الحرب الباردة تستعر بينهما وعلنا، ففي الوقت الذي امتلكت فيها امريكا القنبلة النووية أولاً حصل عليها الاتحاد السوفييتي ثانياً، وعندما صعد السوفييت بواسطة غاغارين إلى الفضاء هبط الامريكان بشخص ارميسترونغ على ظهر القمر كما يعتقد، وفي الزمن الذي شكّل فيه السوفييت حلف (وارسو) العسكري أصبح لأمريكا وأوربا حلفاً مشابهاً اطلقوا عليه اسم (الناتو). والآن أي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اختلف كل شيء.
وبدأت روسيا المستقلة منذ عام 1991 تجدف بعدما تجاوزت حقبة يلتسين المتعثرة باتجاه النهوض في عهد الرئيس بوتين المتكرر نحو عالم متعدد الاقطاب ومتوازن يرتكز على تقاسم المصالح الدولية ورفض الصراع حولها، وللجم سباق التسلح والأخذ به ذات الوقت حالة استمراره من جانب واحد او من جوانب غير منسجمة منافسة، وفتح الحوار مع الغرب ومع أمريكا تحديداً للحفاظ على أمن العالم، وتوحيد الجهود الدولية لمحاربة الارهاب واقتلاعه من جذوره ايدولوجياً وعبر الامن والعسكرة، والالتزام بمعاهدة منع الانتشار النووي، والتمسك بأوراق مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والقانون الدولي ومنه الإنساني، وحقوق الإنسان.
وفاتورة القتل التي دفعتها الجهات التي واجهت ارهاب هتلر وموسيلني كانت مرتفعة بالمقارنة مع الأطراف التي مارست الارهاب مباشرة في اتون الحرب الثانية (العظمى)، واختلفت التقديرات النهائية والتي اقتربت من 50 مليون انسان مما يؤثر على انها اكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ، تقدمها الاتحاد السوفييتي وفي صدارتهم الروس بـ 26,6 مليون فرد، وخسرت قوات الرايخ الثالث حوالي 9 مليون جندي وإنسان، ولم تخسر امريكا إلا حوالي نصف مليون وهكذا دواليك بالنسبة للدول الاخرى، والاهم هنا هو بأن تلك الحرب كانت درساً قوياً لكل امم الارض ودفعت باتجاه تشكيل جهاز الامم المتحدة ومجلس الامن لاحقاً والتمسك بالمفاوضات حتى لو استمرت لقرن من الزمان، وهي حكمة استقاها العالم من الزعيم البريطاني السياسي ونستون تشرشل الذي حذر من الخطر النازي بينما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وجهز بلاده ليوم النصر وكان له ذلك، والعبرة الاخرى المستفادة هي التوجه لامتلاك السلاح النووي وتطويره باستمرار رغم خطورته على البشرية بهدف الدفاع عن الذات وفرض سياسة الند للند، ولتثبيت معادلة أمن العالم ولو بهذه الطريقة الواجب ان يتخلص منها العالم ويوظفها لصالح البشرية الباحثة عن الطاقة والاقتصاد والاستقرار دائماً وعبر الاجيال.
ولم يعد مقبولاً ان يسيطر القطب الاوحد الامريكي على مجريات الاحداث في العالم السياسية والاقتصادية ومنها العسكرية عبر ازمات دولية مفتعلة، وأن يجر خلفه اوروبا بحجة الرعب من (الفوبيا الروسية) ومن الدولة الروسية الناهضة في زمن غادر الاتحاد السوفييتي فيه مكانته الدولية، وتم الغاء العمل بحلف (وارسو) العسكري، ولم يعد لروسيا احلافاً عسكرية ولا مطامع خارج الحدود وإنما مصالح قومية، وهي التي بدأت بالاعتماد فقط على جيشها وبحريتها، وتتعاون اقتصادياً وثقافياً مع دول العالم بالارتكاز على معادلة المثل بالمثل، وآن أوان العالم أن يفهم الدور الروسي في شرقنا العربي والأوسطي وعلى خارطة العالم وعدم النظر إليه بعين التشكيك والغرابة والعدوانية، وتفضيل كل ما هو غربي وأمريكي عليه، فالمصالح الدولية يجب أن تتوزان، وكل ماله علاقة (بالفوبيا الروسية) أن له أن يتلاشى ليس بجمع التواقيع المناهضة له فقط وإنما بفنون الاعلام الرقمي التحريرية الاخبارية (خبر، صورة، تقرير، تحقيق، مقابلة) والتحليليلة والتشكيلية (المراسلة، الرسالة، المقالة، الكوميكس، البورتريه، الكاريكاتير)، القادرة على التأثر والتأثير والإقناع إلى جانب المحاضرات الهادفة وورشات العمل والزيارات الميدانية. وفي المقابل هنا لا بد من تحصين عقول البشرية والمجتمعات والدول والمؤسسات من التأثير السلبي لقنوات الفضاء المعروفة مثل (الجزيرة والعربية والحدث) التي تمتهن الاعلام الاسود والأخر الاصفر وقلما تلجأ للاستقصاء، ولنا في قناة (روسيا اليوم) التي تبث اعمالها الاعلامية من موسكو بالعربية والإنجليزية والاسبانية خير مثل على الانصاف والموضوعية والحياد باعتراف كبار الناس والعامة.
وهذا لا يعفي وكالة (ريا – نوفستي) الروسية من أن تعود، لصوابها وتنصف الاردن، وهي التي اتهمته بتاريخ 6 نيسان المنصرم بنصح الغرب بالمتاجرة مع روسيا في موضوع اقليم القرم/ الكريم بينما كان القصد الاردني من توحيد ملفات (القرم وأوكرانيا وسورية) هو امتصاص التشنج بين امريكا والغرب من جهة وبين روسيا للتفرغ لحل المسألة السورية والتوجه لمعالجة قضايا اعقد مثل «الفلسطينية» العالقة من دون حل عادل ومصنع منذ عام 1948، وحديثاً بتاريخ 28. نيسان. 2017 نقلت صحيفة (ازفيستيا) الروسية اليومية خبراً غير صحيح مصوراً عن وكالة رويترز مفاده بأن قوات خاصة امريكية وبريطانية وأردنية تجهز نفسها لاجتياح مدينة (درعا) تحت ذريعة مكافحة (الدولة الإسلامية)، وهو الموضوع الذي نفاه الاردن رسمياً وعلى أكثر من مستوى، وجلالة الملك عبد الله الثاني أكد في خطاباته مراراً بأن داعش قبل الاسد، وبتاريخ 26. نيسان الماضي أيضاً تحدث جلالة الملك امام قيادات اعلامية اردنية بعمان بأن الجيش الاردني لن يتدخل في سوريا، ولقاء حديث بين وزير خارجيتنا ايمن الصفدي والروسي سيرجي لافروف في موسكو 29. نيسان. الفائت أكد بأن لا حل عسكرياً للازمة السورية وإنما سياسي فقط. ولم يسبق للجيش العربي الاردني الباسل ان دخل سورية إلا عام 1973 لتحرير الجولان بالتنسيق مع سوريا نفسها وساهم في تحرير مدينة القنيطرة آنذاك. وفجوة لوجستية ألاحظها بين الرئيس بشار الأسد ونظامه العسكري والأمني.
وإذا ما عدنا قليلاً إلى وسط العهد السوفييتي وأحدثنا مقارنة مع العصر الروسي الجديد سنجد بأن الدرس الافغاني عام 1979 لم يتكرر في سورية رغم اشاعات الاعلام فلم يهبطوا – أي الروس – على الارض وواصلوا مسيرة السلام عبر جنيف والاستانا وجنيف من جديد، والحرب الباردة العلنية انتهى مفعولها ولم تعد مجدية حتى سراً، والسوفييت الذين تم دعوتهم لتسليح العراق قبل عام 2003 لم توجه دعوة مماثلة للروس بعد ذلك وتركت الساحة لأمريكا، وفي سورية جاء الدور الروسي العسكري والسياسي منقذاً ولم يلغي دور أمريكا، وفي ليبيا ترك الميدان للناتو الامريكي الاوروبي بداية وجاء الإنقاذ الروسي لها متأخراً وبدعوة من الحكومة والفصائل الوطنية مثل الوفاق الوطني وإعلان طبرق واللواء خليفة حفتر، وفي اليمن كرر الروس سياستهم في سورية بالمطالبة بالعودة لصناديق الاقتراع في عدن، وانتقدوا الهجوم العربي الأمريكي المشترك على الانقلابيين الحوثيين بينما التزمت إيران بهلالها الشيعي وساندت الانقلاب، وعلاقة اقتصادية قوية بين موسكو والرياض في المجال النووي السلمي وشراء لـ(16) محطة، واختلاف في السياسة الشرق أوسطية ذات الوقت خاصة المتعلقة منها بالموضوع السوري، وصمود روسي ملاحظ بوجه الخطة (ب) الرامية للإطاحة بالأسد وهي أمريكية عربية يصعب تطبيقها على الأرض، وإسناد روسي لإيران في مشروعها النووي السلمي ولمعاهدتها الدولية (5 + 1)، ومراقبة من طرفهم للصراع بين الكوريتين ورفض لمناورتهما النووية، ونجاح لموسكو مع طوكيو بشأن جزر الكوريل واقتراب معها لتوقيع معاهدة سلام.
وعام 2018 سيشهد إعادة انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين مجدداً وأتمنى أن يعاد النظر في تسمية من سيجلس على كرسي رئاسة الوزراء، والطائرة المقاتلة الروسية (باك فا) تحتل المرتبة الأولى ضمن أقوى المقاتلات في العالم.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/06 الساعة 19:12