أبو زيد يكتب: كوفيد 19- خسرنا معركة فهل سنربح الحرب؟

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/02 الساعة 15:37

بقلم : زيد أبو زيد

الحروب لا تنتهي دائمًا بخسارةِ معركةٍ صغيرةٍ هنا أو معركةٍ هناك، فجولات الحروب من كل نوع عبر التاريخ كانت كرًّا وفرًّا حتى معركة الكلمات في الشعر والأدب، وهذه الأيام يخوض الأردن ومعه معظم دول العالم منذ نهاية العام 2019 حربًا كبرى من نوعٍ جديدٍ ضدَّ مرضٍ شرسٍ مجهول المنشأ والهوية، عطل اقتصادياتها ومظاهر الحياة الطبيعية فيها، وأعجز العقول عن إيجاد لقاح ناجع له حتى الآن أو حتى علاج للأجساد التي تنهكها أعراضه الشديدة.

لقد كان الأردن في الشهور الأولى من الأزمة إنموذجًا عالميًّا في النجاح بالتصدي للوباء الخبيث، ومثلت حالة التكامل في الأدوار بين دور الإدارة العامة والجيش العربي والأجهزة الأمنية عبر فريق إدارة الأزمات والوجه الإعلامي للأزمة مدرسة للعالم في كيفية إدارة الأزمات، ولكنَّ التفكير الدائم أنَّ الإغلاق وحده لن يحل المشكلة؛ لأنَّ حاجات المواطن والوطن واسعة ومتعددة كان هاجسًا عند متخذ القرار؛ فكان القرار بمراجعة سياسة الإغلاق إلى فتح القطاعات الإنتاجية، ومن ثم المعابر والحدود، مع محاولة الموازنة بين إشباع الحاجات وبين الصحة، وهنا كانت الخسارة في ظل نقص الوعي والثقافة بأننا فعلًا كنا قد دخلنا في فضاءٍ وبائيٍ جديد.

لقد حقق الأردن في هذه الحرب انتصارات عديدة في معارك كثيرة للحفاظ على صحة المواطن الأردني وتعليمه ووصول الغذاء إليه، وخسرنا أيضًا معارك عديدة للحفاظ على حياة المواطنين وديمومة أعمالهم واستقرار اقتصاديات المنشآت، ولكن فتح القطاعات والمعابر والحدود كانَ لا بد له من ثمن فادح في ظل الإمكانيات المتواضعة للنظام الطبي، بالرغم من تحسينها بشكل مضطرد في الشهور الأولى؛ ففقدنا أطباء ومعلمين وأقرباء وأصدقاء، كما شاهدنا الكثيرين يعانون المرض وأعراضه، ولن يفيدنا كثيرًا الاستمرار في توجيه النقد لقرار هنا او هناك؛ فهذه حرب جديدة كليًّا، وبين هذه الانتصارات والخسائر هل نحقق النصر؟

وللسائل عن كوفيد 19 فهو واحد من فيروسات كورونا وهي سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. والفيروس المُكتشف مؤخرًا مرض كوفيد-19.

هو مرض معد يسببه آخر فيروس تم اكتشافه من سلالة فيروسات كورونا.

لقد تحوّل كوفيد-19 الآن إلى جائحة تؤثر في العديد من بلدان العالم، وقد حاول الأردن الانتصار في حربه على الجائحة؛ فأغلق حدوده، وأغلق المنشآت، ومنع التجول بين المحافظات، وكان كما غيره يحاول الحفاظ على مظاهر الحياة الطبيعية فأنشأ منصات التعليم وفعَّل منظومته للتعليم عن بعد، كما عزز النظام الصحي، وسمح بعودة الأردنيين من الخارج بتوازن دقيق؛ فانخفضت أعداد المصابين بالمرض حتى وصلت للرقم صفر، وكانت معركة سجلت فيها انتصارات عديدة، وعلى رأسها حق الطلبة في التعليم، والحصول على الرعاية الصحية، وتقليص عدد الإصابات إلى الحدود الدنيا.

ولكن، دوام الحال من المحال، فالأردن ليس جزيرة معزولة عن العالم، ولا يستطيع في ظل نظام عالمي غير متوازن أن يتكيف من دون تعاون كافة المواطنين، وتغيير العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية، والالتزام والدعم بالمعدات والتجهيزات من دول العالم، فكانت خسارة المعركة الثانية في مواجهة الفيروس الخبيث خسارة بطابع مجتمعي بامتياز، فالمرض تفشى، وكان الاختلاط والاستمرار في اتباع حياة غير صحية والازدحام عوامل رئيسة لانتشار المرض، وأعتقد أن نصائح التباعد الجسدي، ولبس الكمامة في العمل وأماكن التسوق وفي التجمعات - ولا سيما أننا نعيش موسم الانتخابات- هي الحل‏؛ لأن المرض ينتشر بشكل رئيس من شخص إلى شخص عن طريق القُطيرات الصغيرة التي يفرزها الشخص المصاب بكوفيد-19 من أنفه أو فمه عندما يسعل أو يعطس أو يتكلم، وهو ما يتطلب التباعد ولبس الكمامة دائمًا؛ لأنه يمكن أن يلتقط الأشخاص مرض كوفيد-19 إذا تنفسوا هذه القُطيرات من شخص مصاب بعدوى الفيروس.

لذلك من المهم الحفاظ على مسافة متر واحد على الأقل من الآخرين، والمواظبة على غسل اليدين بالماء والصابون أو تنظيفهما بمطهر كحولي، ولبس الكمامة باستمرار لحماية الآخرين وحماية أنفسنا من العدوى إذا لم نكن نعلم المصاب بها، وتجنب الأماكن المزدحمة.

إن كل الإجراءات الحكومية لن تمنع الحياة من أن تستمر كما كانت في الماضي، ولكنها تقطع بنا مسافات نحو الأمل بإيجاد لقاح ناجع للوباء، وعبر ذلك قد لا تتشكل حالة رضا مطلق عن كل ما يتحقق من تحسين مستوى دخل المواطن، وتحسين الأوضاع المعيشية بالمجمل، وحرية التنقل والعودة إلى حياتنا الاجتماعية كما كانت، وصحيح أن البعض لا يعجبه استمرار تعليق دوام الطلبة في المدارس، ويريد للتعليم أن يعود مواجهة، أو يريد معاودة نشاطه كما كان، ولكن مخاطر ذلك لا يستطيع المجتمع والدولة تحمل تكلفتها مطلقًا.

المعركة ما زالت مستمرة، والرهان على وعي المواطن، ونحن لا نطلب المستحيل، فهل نتعظ وننتصر في معركتنا القادمة؛ إذ إن الانتصار في الحرب على الجائحة لن يتحقق إلّا باكتشاف مطعوم أو بروتكول علاجي شافٍ، وهو الشغل الشاغل لمعظمِ أبناء البشرية الآن.

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/02 الساعة 15:37