رولا بزادوغ تكتب: إيكيجاي

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/01 الساعة 00:24

‏كتبت: د. رولا عواد بزادوغ

يبقى السؤال دائماً كيف أجد لحياتي معنى؟

خريطة ‎#ايكيجاي اليابانية تساعدنا في دوزان فكرنا لعيش حياة ذات معنى..

فهي ‏ السبب الغامض وراء إبتسامة المعمرين في اليابان، وهي السبب الذي يدفعهم لمواصلة الحياة بالدأب ذاته حتى مع تقدُّم العمر، إنها فلسفتهم في الحياة ‎#إيكيجاي وتعني "سبب الوجود".

فهم كما أحب أن أسميهم "يحتفلون بكل شروق جديد للشمس" والسبب مكون من كلمة واحدة: "إيكيجاي".

فعندما يكون لديك دافع مهم يمنحك القوة للنهوض من السرير في الصباح؛ قد نمسي متبنين هذه الفلسفة اليابانية موضوع كتاب "إيكيجاي: أسرار اليابان لحياة طويلة وسعيدة"

لا نستطيع بسبب الوضع الإقتصادي، الكورونا وغيرها..

أقول لكم كلا البتة نستطيع وجداً؛ فاليابان مرت بظروف استثنائية في مراحل سابقة ولكن وجد كل منهم ايدولجية - فلسفة مشتركة ، آمنوا بها ووضعوا استراتيجيات وإجراءات والتزموا بها كطريقة حياة وبكل حب وسموها "إيكيجاي"، فأنسى لدى كل منهم دافع مهم يمنحهم القوة للنهوض من السرير في الصباح.

السعي وراء المزيد من المال والانهماك في العمل لساعات طويلة أدّى إلى زيادة معدل القلق والاكتئاب ومشكلات النوم وتدهور الحالة الصحية في الكثير من دول العالم، ومع هذا نجد البعض لديهم الابتسامة الصافية على وجوههم حتى مع تقدُّمهم في العمر، ومن يتمتعون بتلك الإبتسامة يعانون من أمراض مزمنة أقل من أقرانهم في العمر نفسه ممن لا يبتسمون ويُظهِرون قدراً يُحسَدون عليه من الحيوية.

ومن الجدير بالذكر وكما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن اليابانيين هم الأطول عمراً بمتوسط يبلغ 83 عاماً، ودائماً ما تم ربط ذلك بالنظام الغذائي الصحي لليابانيين، لكنه في الحقيقة ليس السبب الوحيد، فهنالك سبب يدفعهم لمواصلة الحياة بالدأب ذاته حتى مع تقدُّم العمر، إنها فلسفتهم في الحياة "إيكيجاي" وتعني "سبب الوجود"

إيكيجاي"، وهي الايدولوجية -الفلسفة التي تساعدهم في استيعاب أحداث الماضي العصيبة تقبلهاومواجهة الحاضر والمستقبل بأقل قدر من التوتر.

علماً بأن اليابان لم تكن بعيدة عن المشهد العالمي وتحدياته، منذ ما واجهت خلال الحرب العالمية الثانية هجمات متعددة راح ضحيتها نحو 200 ألف ياباني، وصار على الجيل السابق العمل لدفع البلاد وإصلاح ما دمّرته الحرب، واستطاعت اليابان بحلول عام 1965 أن تعود لتصبح إحدى أهم الدول الصناعية، ومؤخرا تشهد الايدولوجيات الاجتماعية تغيُّرا كبيرا بعد أن تسبّب تدهور الاقتصاد في اختفاء الوظائف الدائمة، والمزايا التي اعتاد اليابانيون على التمتع بها.

"إيكيجاي" لا تعني في الحقيقة تحقيق السعادة فقط، إنها البحث عن معنى للحياة بأن يبحث كل إنسان عما يُجيده ويتحمّس له ويُفيد به العالم كل يوم، وهكذا يتمتع بقدر أكبر من احترام الذات لأنه يشعر أن وجوده في العالم له سبب وضرورة ويترك أثر مهم حتى لو كان بسيط.

فإن العثور على دور لنا في الحياة يجعل كل ما نقوم به أكثر سهولة ومتعة، ويدفعنا للقيام بما هو أكبر من قدراتنا بحماس وشغف.

التدفق" كما عرّفه عالم النفس والكاتب ميهالي كسيسنتميهالي جزء من "إيكيجاي"، ويعني الانغماس في عمل ما بتركيز وطاقة ومتعة دون الالتفات لأي شيء آخر، والابتسامة أحد قوانين "إيكيجاي" إلى جانب التواصل مع الطبيعة، والتفكير في الواقع دون القلق بشأن الماضي أو المستقبل، ودون الاكتراث بما ليس في أيدينا تغييره.

أحد مواطني أوكيناوا قال للمؤلفين: "سر عمري الطويل هو أنني كنت أقول لنفسي دائما: "ببطء"، "بهدوء"، دون تسرع كبير ستعيش أطول بكثير"، ويخبرهما آخر بالسر: "افتح قلبك لكل الناس بابتسامة طيبة".

يُعرف أهل أوكيناوا أيضا بالتفكير الإيجابي والقدرة على التكيُّف مع الأحداث الصعبة، وتجاوزها بصمود مع التركيز على أهدافهم دون الاستسلام للإحباط، وقد نُكبت المدينة في الحرب العالمية الثانية بمقتل آلاف من سكانها، وتجاوزت الأمر من خلال "ichariba chode" وهي عبارة يابانية تعني "إننا قد نلتقي مرة واحدة من قبيل المصادفة، لكننا صرنا أصدقاء مدى الحياة"، وهي التي تدفعهم لمعاملة كل البشر بود كما لو أنهم أصدقاء حتى لو تعرفوا عليهم للتو.

لدى اليابانيين شعور كبير بالانتماء إلى المجتمع، وهم يحافظون على علاقات أسرية جيدة، ويجتمع أهل أوكيناوا في مجموعات صداقة تُسمى "Moai"؛ وهي مجموعات من الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة، وتعني مواي "الاجتماع من أجل هدف مشترك" باللغة اليابانية، وتعتبر مجموعات دعم اجتماعي لها تأثير استثنائي إيجابي على حياة الناس.

يتعيّن على أعضاء مواي دفع مبلغ شهري لتنظيم الاجتماعات أو العشاء أو الألعاب أو الاستمتاع بأي هواية مشتركة، والأموال التي لا تُستخدم في هذه الأنشطة يتم التبرع بها لأحد الأعضاء لمساعدته، وهكذا يسهم الوجود في مواي في الحفاظ على الاستقرار العاطفي والمالي.

فهذه المجموعات تعتبر عنصر أساسي في الحياة في أوكيناوا، والموسيقى جزء من حياتهم اليومية.

كما لا يوجد في اللغة اليابانية كلمة "تقاعد"، مع التقدم في السن تقل المهام ولا يعود هنالك سبب للتوتر، لكن يبقى لكل انسان عمل يحرص على القيام بها مهما كانت بساطته، ولا يتوقف أبداً.

بينما اعتدنا في في دولنا النامية على البدء بالعمل الشاق ويليه الاستسلام للإرهاق، والاستلقاء بعد يوم عمل طويل على الأريكة أمام شاشة التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي، كما لو كنا نقول لأنفسنا: "أستحق هذا بعد الكثير من العمل"، فالعادة في اليابان أن ينشغل كل إنسان بعمل ما طوال الوقت وتحقيق التوازن بين العمل البسيط في حالة الإرهاق، والعمل الجاد في الأوقات المخصصة لذلك.

ومن قواعد "إيكيجاي" الأخرى التي يتّبعها اليابانيون:

- تناول طعام صحي: يحتوي نظامهم الغذائي على كثير من الخضراوات والتوفو، وقليل من اللحوم والأغذية المُصنَّعة، والعادة أن يتناول اليابانيون طعامهم في أطباق صغيرة ويتوقفون قبل الشبع التام، حين يمتلئ 80٪ فقط من المعدة، حتى لا يقوم الجسم بعملية هضم طويلة.

- التطوع: في أوكيناوا أيضا طريقة مختلفة للعمل، تعتمد على التطوع لا على المساهمة المالية، ويقوم مجلس المدينة بتنظيم المهام بحيث يشعر كل مواطن بأهميته كجزء من المجتمع، وهكذا يكون لدى المواطن هدف في الحياة (أي إيكيجاي) وعلاقات اجتماعية جيدة، كما أن الاحتفالات عنصر أساسي في الحياة في أوكيناوا.

– ممارسة رياضة خفيفة: لا يمارسون أنشطة رياضية عنيفة، لكنهم يتحركون كل يوم، المشي أو البستنة هي عادات يومية، لدى كل مُسنٍّ تقريباً بستان يرعاه.

– كثير من الهدوء: يحرص اليابانيون على الاستمتاع بحياة هادئة بعيدا عن السرعة والضجيج.

– إدارة الوقت: تفسح لهم مجالا للراحة وتقلل مستويات التوتر.

وأخيراً؛

كيف تعرف "إيكيجاي" الخاص بك؟

لا يعني "إيكيجاي" مجرد تحديد أهداف خاصة والسعي لتحقيقها، إن البحث عن "إيكيجاي" الخاص بكلٍّ منا يتطلّب الإجابة عن الأسئلة التالية:

– هل تحب العمل الفردي أم العمل في مجموعة؟

– ما الأنشطة التي تستمتع بالقيام بها؟

– ما الأعمال التي تجد سهولة في إنجازها؟

– ما الأنشطة التي كانت تروقك في الطفولة؟ الأنشطة الفنية أم مساعدة الآخرين أم التفكير العلمي؟ يمكن من خلال هذا السؤال التوصل إلى "إيكيجاي" الخاص بك.

الخطوة التالية هي تطوير قدراتك فيما يمكنك عمله بحيث يضيف كل يوم جديد قدرة أكبر لديك على القيام بالعمل، تتعلم كلمة جديدة في اللغة التي تدرسها، أو تكتب صفحة كل يوم في الكتاب الذي تؤلفه، وتلي هذه الخطوة النظر فيما إذا كان أسلوب حياتك يُمكِّنك من العمل الذي اخترته أم لا، وتقوم بتغيير جذري فيها يسمح لك بالقيام بهذا العمل، مثلا أن تختار أصدقاء وتستبعد آخرين، أن تختار محل سكنك وغيره.

مدار الساعة ـ نشر في 2020/11/01 الساعة 00:24