جميل النمري يكتب: السير وسط الضباب

مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/27 الساعة 01:18
نظريتان انهارتا مع الموجة الثانية لكورنا .. نظرية مناعة القطيع ونظرية الاغلاق التام. ولننظر في سلوك مختلف الدول ومنها الأردن هذه الأيام.
في الأردن كنا أخذنا بمبدأ الاغلاق التام مع إصابات يومية تعد على أصابع اليدين واليوم نتجنب هذا الخيار مع معدل إصابات يجاوز الالفين يوميا. وقد تأكد أن الاغلاق التام يؤذي الاقتصاد ومعيشة الناس بصورة لا يمكن احتمالها طويلا وقد دفعت الدول ثمنا باهضا لتعويض الناس ولم تعد قادرة على دفع المزيد. بينما الحكومات التي تأملت بخيار « مناعة القطيع « تجفل اليوم مرعوبة من عودة الانتشار بمعدلات تفوق المرة السابقة وتذهب الى إجراءات اغلاق جزئي لأنواع من الأنشطة أو كلي لساعات الليل ولا تستبعد الاغلاق الكلي ليوم او اكثر خلال الاسبوع. وتقول منظمة الصحة العالمية ان نظرية مناعة القطيع غير أخلاقية ولا يمكن قبولها.
بعد السجالات الحادة مع الموجة الأولى يتجه العالم للتشابه في مزيج من التكتيكات الآنية في لعبة القط والفأر مع الفيروس بالتقدم والتراجع في مجال الاغلاق والانفتاح مع الاستفادة من الخبرة والبحوث لتحسين وضبط طرق الوقاية والعلاج بإنتظار المطاعيم التي نعرف انها رغم ما يعلن كل يوم لن تكون قيد الاستعمال على نطاق واسع قريبا. وعليه نغادر أوهام الرهان على حل سريع وجذري ونذهب لمعرفة المزيد عن سلوك الفيروس خارج وداخل جسم الانسان وتنقية النظريات الأولى غير الدقيقة عنه. وعلى العموم لا عودة للحياة الطبيعية وسنتعايش مع الأجواء الاستثنائية للحياة في العمل والتعليم والتنقل والاستهلاك لشهور مقبلة وأقلها حتى الربيع ومطلع الصيف القادم. أي سنبقى وسط الضباب نتحسس طريقنا يوما بيوم. وستتخذ القرارات وفقا لواقع الحال. وقد رأينا انتقادات واسعة لقرار الحظر يومي الجمعة والسبت حتى نهاية العام وبالفعل تم التراجع عن قرار السبت وسمح للصلاة بالمساجد يوم الجمعة وقد يتعدل القرار في أي أسبوع قادم مثل الاكتفاء بمنع حركة السيارات وفقا لتقدير الموقف.
لنقل الحقيقة الارباك والحيرة سببهما الطبيعة غير المسبوقة لهذا الفيروس بعكس كل الأمراض الفيروسية التي عرفناها ونعرف بدقة سلوكها ونسبة خطورتها من فيروس الرشح الى فيروس الايدز والايبولا وغيرها. كوفيد 19 فيروس مراوغ ومتنوع الأثر بصورة غير مسبوقة. فهو لا يؤثر اطلاقا على نصف المصابين وبؤثر بصورة خفيفة على معضم الآخرين لكنه قاتل لنسبة محدودة أكان بسبب السن أو أمراض سابقة أو حتى دون سبب غير قابلية الجسم فيما يشبه البصمة الوراثية لإستقبل الفيروس وتمكينه من الدخول والتكاثر بكثافة مدمرة او لردّة الفعل المناعية العنيفة. وأكثر من ذلك تظهر دلائل خطيرة ان الفيروس ليس تنفسيا فقط فقد عانى مرضى من اعراض قاتلة على أجهزة الجسم الأخرى وبعضها يستمر بعد اختفاء الفيروس. وبالمقابل فإن عدم ظهور أعراض هو مشكلة أيضا اذ يكون المصابون دون اعراض رسل الانتشار المتخفين في كل مكان بحيث يصبح الاغلاق هو الوسيلة الوحيدة عند لحظة معينة لوقف الانتشار.
هذا الوضع غير المسبوق تاريخيا مع الفيروس المستجد سيطبع مسار الشهور المقبلة ولحين ظهور اللقاحات التي لا يمكن الجزم بنتائجها. فقد ظهرت حالات إصابة لمرضى للمرة الثانية وهناك جدل بشأن المناعة المحتملة وعودة سلالات جديدة تصيب المرضى السابقين او من تلقوا اللقاحات. سيتعين التكيف مع شروط السير وسط الضباب بما تعنيه عالميا وفي حياة كل بلد ومنها بلدنا. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/27 الساعة 01:18