معتز العساف يكتب: معادلة التفكير والتخطيط الإستراتيجي في الحكومات الأردنية

مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/24 الساعة 14:36
بقلم معتز عبد القادر عساف إلى ماذا تحتاج حكومتنا الجديدة؟ وما هي الحلول المستقبلية؟ قبل البدء في الإجابة على هذه الأسئلة لا بد لنا أولاً من توضيح الفرق بين طرفي المعادلة. أبسط ما يمكن توضيحه هنا حول التفكير الإستراتيجي إنه عملية ذهنية تتطلب تحليلاً وتقييماً للوضع الحالي للوصول إلى تصور وتوجه مستقبلي لتحقيق رؤية واضحة وطموحة. هذا يعني أن عملية التفكير الإستراتيجي تتطلب قدرات ذهنية عالية المستوى وعقول منفتحة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، لتكون قادرة على تحليل وتقييم البيئة المحيطة الداخلية والخارجية بموضوعية وشفافية ومن ثم تطوير الرؤى المستقبلية ووضع وتطوير التصورات والأهداف الإستراتيجية التي تسهم في تحقيق هذه الرؤى. هذه العقول تتطلب مؤهلات أكاديمية وخبرات وتجارب عملية في الحكم الرشيد في مختلف جوانب العمل المتخصص. من هذا المنطلق فإن التفكير الإستراتيجي يوضح لنا إلى أين نريد أن نصل؟ وماذا نريد أن نحقق؟
وبالعودة إلى الجزء الأول من تسائلنا عن مدى حاجة حكومتنا الجديدة إلى طرف المعادلة الاول والمتعلق بالتفكير الإستراتيجي ودرجة تأهيل الفريق الوزاري في تطبيق هذا النهج، نستطيع أن نجزم بأهميته وضرورة تطبيقه بشكل منظم وجماعي على مستوى الحكومة ككل وليس على مستوى الوزارات بشكل جزئي منفصل. وهذا يتطلب توحيد الفكر الإستراتيجي للدولة برؤية شمولية واضحة. نستطيع هنا أن نعتبر كتاب التكليف السامي للحكومة بمثابة الفكر الإستراتيجي بما يتضمنه من رؤى وتوجهات إستراتيجية. إن أي تحليل موضوعي لكفاءات ومؤهلات وخبرات الفريق الوزاري الحالي من الرئيس والأعضاء يُمكّننا من الجزم بقدرة الفريق على القيام بهذا الدور بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية. من الواضح من تحليل وتقييم السير الذاتية للفريق الوزارة أن جميع الأعضاء لديهم ما يكفي من المؤهلات الاكاديمية والخبرات العملية في مجال مناصبهم، حتى ولو لم يكن في بعض الأحيان هنالك تطابق كبير بين المؤهلات والخبرات والمناصب، الا ان الكفاءات القيادية التي يتمتع بها الفريق الوزاري من خلال الخبرات والمواقع التي شغلوها سابقاً تؤهلهم للقيام بأدوار قيادية فعالة كلٌ في منصبه. ونتيجة لذلك، يمكننا التأكيد بأن الطرف الاول من المعادلة والمتعلق بالتفكير الإستراتيجي هو ضرورياً ومهماً من جهة، ويتوفر للفريق الوزاري المؤهلات التي تمكنهم بشكل واضح من القيام به من جهة أخرى. أما بالنسبة للجانب الآخر من المعادلة والمتعلق بالتخطيط الإستراتيجي فان تعريفه ببساطه يتمثل في وضع وتطوير الأهداف ومؤشرات الأداء القياسية الإستراتيجية والمبادرات التي تؤدي إلى تحقيق الرؤية المستقبلية المبنية على الفكر الإستراتيجي. من هذا المنطلق أيضاً فإن التخطيط الإستراتيجي يوضح كيف ومتى سنحقق ما نريد؟ وهذا هو الدور الرئيسي للإدارة. يتضح الآن بأن التفكير الإستراتيجي هو دور القيادة بما يتضمن من تطوير الرؤى والتوجهات الإستراتيجية، بينما التخطيط الإستراتيجي فهو دور الإدارة بما يتضمن من تطوير للأهداف ومؤشرات الأداء الإستراتيجية والتشغيلية ومتابعة تحقيقها وهذا الدور الذي يجعل من الرؤى الإستراتيجية حقيقة عملية قابلة للتطبيق. للإجابة عن الطرف الثاني من المعادلة المتعلق بالتخطيط الإستراتيجي والتساؤل الاول المتعلق بمدى حاجة الحكومة إلى التخطيط الإستراتيجي، نستطيع ان نجزم بأهميته وضرورته أيضاً. فالفكر الإستراتيجي بما يتضمنه من تحليل وتقييم للبيئة والظروف المحيطة الداخلية والخارجية وتطوير الرؤى الإستراتيجية بدون تخطيط مؤسسي وأهداف ومؤشرات أداء إستراتيجية وتشغيلية قياسية ومساءلة ومحاسبة، ليس الا أحلام يقظة ومحاضرات تنظيرية لا تسمن ولا تغني من جوع. كما ونؤكد أيضاً بان العمل والأنشطة والمبادرات والاجراءات غير المبنية على فكر ورؤى إستراتيجية مؤسسية منظمة ليست الا جهوداً مبعثرة وموارد مستنفذة لا تجدي ولا تنفع. للإجابة على التساؤل الثاني للطرف الثاني من المعادلة والمتعلق بما إذا كانت الحكومة تفتقد إلى التخطيط الاستراتيجي؟ فالإجابة تحتاج إلى توضيح، فإن التخطيط الاستراتيجي عملية مؤسسية منظمة لها مدخلات ومخرجات وتتضمن مجموعة من الانشطة والعمليات وتتطلب جهة عليا معنية في تطوير الخطة الإستراتيجية للحكومة بما فيها من الأهداف والمؤشرات الإستراتيجية Lagging Indicators والتشغيلية Leading Indicators على مستوى الحكومة يتم اسقاطها Cascading كمؤشرات إستراتيجية أحياناً ومؤشرات تشغيلية أحيانا اخرى على الوزارات والمؤسسات الحكومية كلُ حسب اختصاصه.
ويتمثل أحد الأدوار الرئيسية لهذه الجهة متابعة وتقييم اداء المؤسسات ومدى تحقيقها لمؤشراتها الإستراتيجية والتشغيلية. بشكل أكثر تحديداً فإن عملية التخطيط الإستراتيجي تتضمن تقييماً للمؤسسات الحكومية بناء على نتائج قياسية وموضوعية وبعيداً عن إطلاق الاحكام العامة في عملية التقييم. كما يتم في أغلب الأحيان تقييم الوزراء والأمناء والمدراء العامون والمستويات الأدنى بشكل سنوي بناء على النتائج القياسية ومقارنتها بالمستهدفات المحددة في بداية العام. من خلال التوضيح المختصر والمبسط أعلاه، فان الإجابة عن الطرف الثاني من المعادلة المتعلق بالتخطيط الإستراتيجي والتساؤل الثاني المتعلق بما اذا كانت الحكومة تحتاج إلى التخطيط الاستراتيجي؟ فيمكننا الجزم وبكل ثقة بأن هنالك حاجة ملحة للبدء بتطوير منهج عملي لعملية التخطيط الإستراتيجي في الدولة يربط ما بين الفكر الاستراتيجي للقيادة، من جهة، وعملية التخطيط الاستراتيجي، من جهة أخرى، لتتمكن المستويات المختلفة في المؤسسات الحكومية من الادارة الفعالة لهذه المؤسسات بناءً على مبادئ الحكم الرشيد Good Governance. عودة إلى الدور القيادي والدور الاداري في العمل الحكومي، فيتضح أن مهمة رئيس الوزراء الاولى هي تطوير رؤية حكومته وأين يريد "بطائرته" ان تصل وتوضيحها لفريقه ولعامة الشعب لمعرفة إلى اين نحن متجهين. كما على الفريق الوزاري التركيز بشكل رئيسي على الدور القيادي المتمثل في وضع رؤى والأهداف ومؤشرات الاداء الإستراتيجية لوزاراتهم بما يتوافق مع رؤية الحكومة وعدم الانخراط والتدخل في الأعمال التشغيلية واليومية لإدارة وزاراتهم وتركها للمستويات الادارية المعنية وبالتحديد الامناء والمدراء العامون. على الأمناء والمدراء العامون في الوزارات والمؤسسات الحكومية التركيز على الجانب الاداري لمؤسساتهم بما يتضمن التخطيط التشغيلي والتنظيم الفعال وتوزيع العمل بحسب الكفاءات والاختصاصات بالإضافة إلى التوجيه والرقابة الفعالة على أعمالهم وضمان تحقيق مؤشرات الأداء التشغيلية لمؤسساتهم بما يتوافق مع الأهداف والمؤشرات الإستراتيجية للدولة. بالإضافة إلى النقاط اعلاه وبعيداً عن التنظير وطرح المشاكل والانتقاد السلبي، ولأهمية التركيز على الحلول، وبناءً على تجارب وممارسات عملية سابقة في هذا المجال فإننا نقترح الحلول والخطوات التالية: 1. تشكيل هيئة عليا أو وحدة للتخطيط الاستراتيجي ترتبط مباشرة برئيس الوزراء مهمتها الرئيسية تطوير الخطة الإستراتيجية للحكومة بما تتضمن من رؤية وقيم وأهداف ومؤشرات إستراتيجية بناء على تحليل وتقييم سنوي للبيئة الداخلية والخارجة والتطورات المحيطة بالأردن. كما تتضمن مهام الهيئة متابعة وتقييم كافة الجهات الحكومية بناء على نتائج رقمية موضوعية وموثوقة. 2. توفير التزام ودعم حقيقي وواضح من أعلى مستويات الدولة للهيئة خصوصاً ما يتعلق بعملية تقييم ومتابعة الأداء وربط النتائج بالثواب والعقاب وتجديد الثقة بالقيادات المؤسسية وترقيتها.
3. أن تكون أهم أولويات الهيئة مراجعة تقارير المنافسة العالمية World Competitiveness Repots في كافة المجالات وتحديد مستهدفات رقمية لرفع مستوى الاردن في جميع المجالات وتحديد مؤشرات الاداء الإستراتيجية Lagging Indicators والتشغيلية Leading Indicators لكافة الجهات الحكومية المعنية كلٌ حسب اختصاصه وتوضيح الادوار والمسؤوليات. 4. يجب أن تمثل نتائج هذه المؤشرات اساس تقييم الفريق الوزاري للعام الحالي وتجديد الثقة بهم في العام القادم. 5. توعية وتنظيم ورش عمل للقيادات العليا في المؤسسات الحكومية حول عملية التخطيط الإستراتيجي وتأهيل وتدريب كوادر مختصة للعمل في وحدات تنظيمية في جميع المؤسسات الحكومية تكون مهمتها متابعة عملية التخطيط. 6. ربط الموازنات المالية للمؤسسات الحكومية بالخطط الإستراتيجية الخلاصة هي أن التطور والنمو لا يمكن أن يتحقق في غياب اي من طرفي المعادلة. وان النجاح يتطلب شقي المعادلة من تفكير استراتيجي تتبناه وتشرف على توجيهه وتحفيزه القيادة العليا في الدولة، والتخطيط الاستراتيجي تطبقه وتحاسب عليه ادارة الدولة المتمثلة بهيئاتها التنفيذية. علينا ان نؤكد أن التفكير دون تخطيط عملي ليس إلا أحلام يقظة وأن التخطيط والعمل الغير مبني على فكر ليس إلا جهود وأموال ضائعة. علينا ان نتذكر بان التخطيط هو بديل عن الفوضى واننا ان لم نكن نعلم أين نحن ذاهبون كل الطرق تؤدى إلى هناك.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/24 الساعة 14:36