الفرجات يكتب: هل ظلمنا خالد طوقان؟

مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/15 الساعة 20:32
كتب أ.د. محمد الفرجات قابلت معالي د.خالد طوقان في حياتي مرة واحدة فقط، وتحادثنا لمدة خمسة دقائق فقط على إنفراد، وكان ذلك في صيف عام ٢٠٠٩م، ودار الحديث حول الوضع الجيولوجي تحت السطحي والتكتوني لحوض العقبة الجنوبي (وقد كنت أول من قسم العقبة إلى أحواض جيولوجية ونشر حولها مادة بحثية علمية غنية ومتكاملة)، وسلمته رسالة الدكتوراة وأبحاثي حول المنطقة، وقد كنت حينها عضوا ضمن فريق وطني لتقييم العروض الفنية والمالية لعطاء تقييم ودراسة منطقة المفاعل المقترحة جنوب العقبة. عودا لعنوان المقال، فقد صعدت في بداية الألفية الثانية أسعار النفط عالميا بشكل جنوني، وواصلت الإرتفاع لتشكل تحديا واضحا وضغطا على أسعار الطاقة والكهرباء. وكان آنذاك أوباما الديمقراطي في ربيع ولايته، وقد إستطاع جلالة الملك حفظه الله تعالى حينها إقناع دول العالم ذات العلاقة، بحاجة الأردن الماسة لبناء وتشغيل مفاعل نووي لتغطية حاجة المملكة من الطاقة، إضافة لتصدير الفائض، مما سيشكل مصدر دخل للخزينة، فالرؤية كانت في حينه إستراتيجية إقتصادية. في ذات الوقت كانت أسعار تكنولوجيا الطاقة الشمسية مرتفعة، وكانت ذات كفاءة وديمومة أقل مما هي عليه الآن. تعقد ملف الطاقة النووية وطنيا بالتزامن مع ظهور عوائق (تبدو سياسية بيئية) منعت وجود المفاعل أقصى جنوب المملكة، والذي كان سيحلي مياه خليج العقبة ويستعملها لغايات التبريد، وهذا من أهم متطلبات التشغيل والسلامة معا. إجتهدت هيئة الطاقة النووية بالتزامن بالبحث في خامات اليورانيوم المشع محليا، كمصدر لوقود المفاعل، وهيأت لذلك ببناء مركز بحثي في جامعة العلوم والتكنولوجيا، مقابل دراسات جيوكيميائية متخصصة ومتقدمة على الخام المشع وتقدير تراكيزه مكانيا. تناول الإعلام المشروع وأصبح مادة ذات زخم وضخ إعلامي، وذلك عند إعلان توجه الهيئة لخيار نقل الموقع الذي سيقام عليه المفاعل، من الجنوب إلى مناطق شمال شرق، ليعتمد على مياه محطة تنقية الخربة السمراء المعالجة لغايات التبريد. كانت المحاور في الطرح الإعلامي حول مياه التبريد والبيئة والسلامة العامة، مقابل قلة الخبرات المحلية بتشغيل مفاعل نووي. حاول بالمقابل الدكتور طوقان وعبر كل السبل مع الحكومة والبرلمان والإعلام، وذلك لإقناع الدولة الأردنية بأهمية إمتلاك وتشغيل مفاعل نووي للغايات السلمية. بدأت تكنولوجيا الطاقة الشمسية تدخل العالم والمملكة، وبدأت الشركات العالمية بالتنافس لتقديم العروض بأسعار أقل وجود وكفاءة أعلى، وتوجهت الكثير من دول العالم لخيار الطاقة النظيفة، وعلى نفس المسار داخليا تم إنشاء محطات طاقة شمسية في الكثير من الجامعات والمؤسسات والمنشآت والبيوت. الأمر أعلاه مع دخول عهد الجمهوريين في أميركا، وتعقد العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، ألقت بظلالها على ملف المشروع النووي وطنيا. تواصل جنون إرتفاع أسعار النفط عالميا، وتعقد الأمور بالنسبة لكلفة فاتورة الطاقة وضغطها على الخزينة المثقلة بالمديونية وشح الإيرادات وإرتفاع النفقات، وتحول خدمة توليد وتوصيل وإدارة شبكات الكهرباء من عهد الحكومة للقطاع الخاص، والذي يريد الربح بكل الأحوال، كان قد دق المسمار الأخير في نعش المشروع. معالي الدكتور طوقان كانت رؤيته كهرباء بأسعار تفضيلية للمواطنين (تكاد أن لا تتجاوز ربع الحالية)، وكهرباء بأسعار داعمة للقطاع الصناعي والزراعي والسياحي، لتحفيز الإنتاج الوطني بتقليل الكلف. الدكتور طوقان ما زال في الهيئة يحمل ويقدم مشروعه ويدافع عنه، والإعلام ما زال يجتهد لقنص أي جديد عن الموضوع كمادة دسمة تغني المواقع باللايكات والتفاعل والشعبوية العاطفية. أما رأيي الشخصي، فمفاعلات الجيل الحديث آمنة، وإن كان الأمر كإستثمار خارجي، ويشغله خبراء دوليون متمرسون شريطة نقل الخبرات وطنيا، ويقام في مكان آمن ولا يؤثر على المحيط الطبيعي والحيوي والسكان، وبمتطلبات تبريد أقل، وضمانات سلامة عامة عالية جدا، ومن دول متمرسة كألمانيا مثلا، فلم لا.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/10/15 الساعة 20:32