أصدقاء سوريا واجتماع باريس
حسن ابو هنية
جاء الإعلان عن ميلاد مجموعة «أصدقاء سوريا» من باريس بعد انطلاق انتفاضة الشعب السوري ضد النظام منتصف مارس 2011 عن طريق الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي وهي تسمية أطلقت على الدول التي تمسكت بدعوى الانتصار لثورة الشعب السوري وتتكون منظومة هجينة اجتمعت على إضعاف نظام الأسد أو إسقاطه لتحقيق مصالح متباينة سرعان ما بدأت بالانحسار والتراجع والتفكك فبعد أن ضمت المجموعة في بداية التأسيس أكثر من 100 دولة تقلصت مؤخرا إلى أقل من 10 دول وهي: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا والسعودية والإمارات وقطر.
إذا كانت مجموعة أصدقاء سوريا قد ولدت في باريس على يد الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي فإن موتها تحقق على يد الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند في ذات المدينة فالاجتماع الأخير لمجموعة أصدقاء سوريا الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا بتاريخ 10 ديسمبر 2016 لم يسفر عن أي نتائج تذكر سوى التأكيد اللفظي على دعمه للمعارضة السورية في شتى الوسائل للتوصل إلى حل سياسي للأزمة القائمة والتنافس البلاغي الخطابي وإدانة النظام والتباكي على المدنيين فوزير الخارجية الأميركي جون كيري اتهم النظام السوري بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مطالبا روسيا في ختام الاجتماع بمحاولة وقف القصف في حلب، وإظهار القليل من النوايا الحسنة عبر السماح للمقاتلين والمدنيين بالخروج من شرق حلب المحاصر والذي يتعرض لأعنف حملة عسكرية منذ أشهر.
أما وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت فقال إن الحاجة الملحة في حلب وبقية سوريا هي إنهاء القصف وتوفير مساعدات إنسانية للمدنيين وأضاف أن ما يجري في حلب يشبه التصفية الطائفية وهذا سيغذي التوترات مستقبلاً ومن جانبه قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن سكان شرق حلب يعيشون تحت تهديد يومي بالموت ولا يرون أي مستقبل وأضاف أن اجتماع باريس قيم احتمالات الهدنة في شرق حلب وإدخال مساعدات للمدنيين دون التوصل لاتفاق.
منذ الإعلان عن تشكيل مجموعة «أصدقاء سوريا» لم تسفر الاجتماعات المتتالية عن تحقيق أي معنى للصداقة واكتفت بتقديم مساعدات عسكرية لا تساهم في خلق توازن عسكري يدفع النظام السوري وحلفائه لطاولة مفاوضات حقيقية وقد انعقد أول اجتماع لـمجموعة «أصدقاء سوريا» في تونس بتاريخ 24 فبراير 2012 ثم توالت الاجتماعات في أماكن شتى حيث عقد الاجتماع الثاني في اسطنبول في 1 إبريل 2012 والثالث عقد في باريس في 16يوليو2012 ثم تتابعت الاجتماعات إذ عقد الاجتماع التالي في 11 ديسمبر 2012 في مراكش وفي 22 مايو 2013 عقد المؤتمر في العاصمة الأردنية عمان و بعدها عقد المؤتمر في الدوحة في 22 يونيو 2013 ثم عقد المؤتمر في روما بتاريخ 8 سبتمبر 2013 مرة أخرى في باريس في 13 يناير 2014 ومؤخرا انعقد في العاصمة الفرنسية باريس في 10 ديسمبر الماضي وهكذا فإن الاجتماعات العديدة كانت تتواضع في سقف مطالبها وممارسة ضغوطها.
على مدى سنوات من اجتماعات أصدقاء سوريا تكشفت حقيقة جلية واضحة برهنت على عدم توافر رؤية استراتيجية واضحة لدى معسكر «أصدقاء سوريا» وبدا واضحا غياب أي تصور عملي يقود إلى حل سياسي ودخلت سوريا ضمن نادي «النزاعات التي لا يمكن حلها» وتراجع اهتمام الغرب برحيل الأسد وباتت مسألة «الجهاديين» والجماعات «الإرهابية» المسألة الأساسية في النقاش والتداول وطرائق الدعم والعمل وقد ظهر التحول في التعاطي مع الأزمة السورية بصورة لافتة بعد صفقة نزع السلاح «الكيماوي» مع نظام الأسد عقب الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام في 21 اغسطس 2013 على غوطة دمشق حيث كشفت الصفقة عن عملية إعادة ترميم شرعية النظام السوري وأسفر تقارب الولايات المتحدة وروسيا التي دخلت على خط الأزمة كلاعب أساسي منذ 30 سبتمبر 2015.
نادي «أصدقاء سوريا» بدأ يتماهى مع خطاب الأسد حول موضوعة «الإرهاب» وقد فقد حماسته المتعلقة بإسقاط النظام فعمليات فرز قوى المعارضة أسفرت عن تنامي أطروحات «الجهاديين» ودفعتهم نحو مزيد من التوجهات الراديكالية في ظل نزاع مسلح دموي طويل بدأ ياخذ أشكالا هوياتية دينية طائفية خطيرة كما برزت خلافات عديدة بين أبرز الأعضاء الفاعلين في مجموعة «أصدقاء سوريا» عملت على تشتت قوى المعارضة السورية السياسية والعسكرية حيث انشغلت مجموعة «أصدقاء سوريا» في عملية بحث غير مجدية عن المعتدلين وانهمكت في سياق إعادة تعريف الاعتدال والتطرف والإرهاب داخل صفوف المعارضة السورية المسلحة ولم تكتف بالمقررات الأممية التي اكتفت بتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
لم يكن التدخل الروسي في سورية بعيدا عن تفاهمات بوتين أوباما وهو تدخل جاء على خلفية تنامي الحديث عن حرب الإرهاب وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يراهنون في البداية على ممارسة الروس لضغوطات على الأسد لإقناعه بالرحيل في نهاية ماراثون المرحلة الانتقالية لكن روسيا التي تتوافر على تعريفات خاصة للإرهاب جادلت منذ البداية على أن قائمة الجماعات الإرهابية لا تقتصر على «داعش»، بل تتضمن قائمة طويلة من أخوات «داعش» من الفصائل المسلحة السورية بحسب منطق قياس المماثلة.
خلاصة القول أن مجموعة أصدقاء سوريا انتهت منذ التدخل الروسي حيث تبدلت أولويات المجموعة من إسقاط ورحيل الأسد إلى الحرب على الإرهاب والتخلص من الإرهابيين وعلى الرغم من الاختلاف الأمريكي الروسي على تفاصيل استراتيجية حرب الإرهاب في سوريا إلا أن عناصر الاتفاق أكثر من الاختلاف.
المصدر: الرأي