الوزير السابق امين محمود يكتب: هرتزل و«دولة اليهود»
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/24 الساعة 23:12
مدار الساعة - كتب: الـوزير السابـق اميـن محمـود
يعتبر هرتزل المؤسس الحقيقي للصهيونية السياسية الحديثة، اذ كرس العقد الاخير من عمره داعيا الى تنظيم المجتمعات اليهودية والتنسيق فيما بينها من خلال المنظمة الصهيونية الذي كان له الدور الرىيسي في انشاىها. كما تمكن من ابراز الصهيونية على مسرح السياسة العالمية، حيث اخذت الدول الكبرى تبحث في امكانية التعامل معها كحليف يمكنها استخدامها في دعم مصالحها الاستعمارية.
اتاحت اقامة هرتزل له في باريس كمراسل لصحيفة New Freie Presse النمساوية فرصة مناسبة للتعرف على شتى جوانب * المسالة اليهودية * لا سيما وان فرنسا كانت انذاك مسرحا لفضيحة بنما التي كانت تعتبر واحدة من اكبر فضاىح الفساد المالي والسياسي التي هزت المجتمع الفرنسي والتي راح ضحيتها اكثر من ٨٠٠ الف مواطن فرنسي من المساهمين في الشركة، وقد تورط فيها عدد كبير من الراسماليين اليهود، اذ كشفت هذه الفضيحة الكثير من اعمال الخداع والرشوة التي احاطت يمشروع القناة الذي كانت تشرف عليه الحكومة الفرنسية. وادى تسرب انباء هذه الفضيحة الى اثارة حفيظة الشعب الفرنسي الذي اخذ يوجه اصابع الاتهام صوب المتورطين بشكل عام واليهود منهم بشكل خاص ( Howard Sachar , The Course of Modern Jewish History , p. 229 ). ثم هرتزل ان وجد نفسه يعيش في خضم قضية معادية ليهود فرنسا اقسى وامر من سابقتهاودريفوس. وتنسب هذه القضية الى الفرد دريفوس Alfred Dreyfus وهو ضابط يهودي كان يعمل في سلاح المدفعية الفرنسي. وقد اتهم عام ١٨٩٤ بانه سلم معلومات هامة الى الملحق العسكري الالماني في باريس، واتهم بالخيانة العظمى وادين بعد محاكمة استمرت مدة ليست بالقصيرة، وحكم بطرده من الجيش ونفيه الى جزيرة الشيطان.
ولكن قضية دريفوس لم تتوقف عند هذا الحد، ففي عام ١٨٩٦ تم اكتشاف الجاني الحقيقي وهو ضابط فرنسي يدعى استرهازي Esterhazy. وقد تسربت الانباء الى الصحافة الليبرالية في فرنسا والتي كانت تتحرق شوقا الى توجيه ضربة قاسية الى نفوذ القوى الفرنسية المحافظة التي كانت تهيمن على الكنيسة والجيش. فاستغلت هذه الصحافة قضية الظلم الذي لحق بالضابط اليهودي واخذت تكيل التهم للقضاء العسكري في فرنسا وبالذات القوى المحافظة التي كانت تهيمن عليه، ونجحت هذه الصحافة في تضخيم القضية حتى اصبحت عام ١٨٩٨ فضيحة كبرى تشغل الراي العام الفرنسي والاوروبي معا، ولَم تهدا حدتها الا بعد تحقيق القوى الليبرالية حلمها بهزيمة القوى المحافظة واستعادة سيطرتها على مقاليد الامور في فرنسا. ( Sachar pp. 235-233 ).
تاثر هرتزل بمجريات الامور التي واكبت مثل هذه القضايا المعادية لليهود وردات الفعل المتناقضة عليها لاسيما تلك التي اصبح يطلق عليها * موجات العداء للسامية * التي بلغت ذروتها انذاك، مما ادى الى * استعادة هرتزل وعيه اليهودي *، واخذ يبحث عن ايجاد حل للمسالة اليهودية، حيث راى في البداية ان الحل يكمن في الاندماج، * وطرح على اليهود اعتناق المسيحية بطريقة جماعية، او الالتحاق بالتيارات الاشتراكية *. ولكنه سرعان ما تراجع عن هذه الافكار واندفع الى ساحة العمل الصهيوني، حيث عمل على تسييس المسالة اليهودية وتزعم الدعوة الصهيونية السياسية الحديثة. ولَم تلبث تلك القناعات التي توصل اليها ان دفعته لاجراء اتصالات مع كبار اقطاب المال لحثهم على ضرورة التوصل الى خطط عملية لحل المسالة اليهودية. ففي عام ١٨٩٥ قابل هرتزل البارون موريس دي هيرش وقام بشرح وجهة نظره لحل المسالة اليهودية، وذلك عن طريق شراء ارض واسعة في اي بقعة في العالم سرا، سواء كانت فلسطين او غيرها، وطلب منه العون لانشاء دولة يهودية فيها. ولكن البارون على ما يبدو لم يكن مستعدا للدخول في مغامرات غير مامونة العواقب. واعتبر مشروع هرتزل مجرد وهم كبير وبقي متمسكا بمشروعه الرامي الى توطين اليهود في الارجنتين وتحويلهم الى * شعب زراعي *.
غير ان فشله هذا لم يجعله يياس ويتخلى عن مشروعه، وانما بدا هرتزل يعمل على بلورة اراىه ومفاهيمه ويدونها بشكل منطقي ومنظم، استعدادا لبدء مرحلة اتصال جديدة مع متمولين يهود اخرين وخاصة مع ال روتشيلد، العاىلة اليهودية الثرية العريقة. وقد نجح في تدوين اراىه وافكاره ضمن كراس صدر بالالمانية عام ١٨٩٦ بعنوان * دولة اليهود * والحق به عنوانا فرعيا واصفا الكراس بانه * محاولة لايجاد حل عصري للمسالة اليهودية *. ووجه هرتزل اول نسخة من كراسه الى ال روتشيلد في محاولة منه لكسب هذه العاىلة الى جانبه منذ البداية. غير ان حظه من النجاح مع هذه العاىلة لم يكن بافضل من حظه مع البارون هيرش. ولعل السبب الذي جعل اقطاب اليهود مترددين في تاييد مشروع هرتزل الرامي الى انشاء دولة يهودية خوفهم من ان يودي قيام مثل هذه الدولة الى التاثير على اوضاعهم وامتيازاتهم في البلاد التي يعيشون فيها. الا اننا سنرى بعد قليل زوال هذا التردد بعد ان تبين لهذه الفىة ان قيام مثل هذه الدولة سيحمل في طياته فواىد جمة ليس فقط لاثرياء اليهود وانما ايضا للراسمالية الاوروبية بشكل عام. ان العثور على بقعة خارج القارة الاوروبية لتوطين اليهود الروس فيها، من شانه - كما بين هرتزل - ان يخفف حدة الشعور باللاسامية بين الفىات التي كان ينافسها هولاء المهاجرون في المجالات الاقتصادية والمعيشية، وخاصة افراد الطبقة الوسطى. كما ان توطين اليهود الروس خارج القارة الاوروبية فيه خدمة للبرجوازية اليهودية بتخليصها من الاعباء الاقتصادية والاجتماعية لهولاء المهاجرين اليهود. وبالاضافة الى ذلك فان هرتزل راى في خروج فقراء اليهود خدمة للراسمالية الاوروبية لما يقدمه هذا من استقرار داخلي وهدوء اجتماعي. وقد عبر عن ذلك بقوله : *... لن توثر هجرة اليهود على اقتصاد البلاد التي سيتركونها ولن تودي الى حدوث ازمات او اضطرابات، بل ستنتعش هذه البلاد وتشهد مرحلة استقرار جديدة، وسيكون هناك هجرات داخلية بين المسيحيين الى المواقع التي رحل عنها اليهود، وسيتم خروج اليهود بصورة تدريجية وبدون اي اضطراب وسيودي ذلك الى نهاية حركة العداء للسامية ( Theodore Herzl , The State of the Jews , p. 110 ).
واذا ما دققنا النظر فيما طرحه هرتزل، نجد ان الملامح الاستعمارية التي تميزت بها الحركة الصهيونية، تبرز بشكل واضح في هذه الاطروحات، ومثال ذلك مهاجمته للطريقة التي كان يتم بها الاستيطان اليهودي في فلسطين والارجنتين وغيرهما، حيث كان ذلك يتم على نطاق ضيق وبشكل سري. وبين هرتزل ان التوفيق بين مصالح الفىات اليهودية المختلفة لا يتم الا اذا كان الاستيطان واسعا بما فيه الكفاية ولذا فقد دعا الى تنفيذ الهجرات اليهودية ضمن مخطط استيطاني واسع يتم بمساعدة احدى الدول الاوروبية الكبرى. وقد وصف هرتزل ذلك بقوله...كانت محاولات الاستعمار الفردية محاولات مثيرة للاهتمام بالرغم من فشلها، لما مثلته على نطاق صغير من موشرات عملية لفكرة تاسيس دولة يهودية. وكانت مفيدة من حيث انها جعلتنا نستفيد من اخطاىهافي تنفيذ المشاريع الضخمة... ان الشيء الذي يبدو غير عملي او مستحيلا على نطاق ضيق ليس بالضرورة ان يكون كذلك على نطاق واسع، فقد يخسر مصنع صغير في ظل الشروط نفسها التي تجعل المصنع الكبير يربح *( Herzl , ibid ).
وحين انتقل هرتزل الى عرض خطته التي اقترحها لحل المسالة اليهودية، وجدناه يقدم مشروعااستيطانيا معتمدا في تنفيذه على انشاء شركة يهودية على غرار شركات استملاك الاراضي الكبرى، اي شركة يهودية ذات امتياز A Jewish Chartered Company، وقد اورد هرتزل وصفا موجزا لطبيعة هذه الشركة بحيث تكون على نمط الشركات العقارية الكبرى، وتؤسس كشركة مساهمة تسجل في انجلترا وفق القانون الانجليزي وتحت حمايته وتكون خاضعة للتشريع الانجليزي ( Herzl , p. 23 ). ويقوم بتمويل هذه الشركة والاشراف عليها مجموعة من رجال المال والمؤسسات المصرفية اليهودية، بحيث توفر لهم هذه الشركة ايضا عاىدا ماليا في المقابل، واشار هرتزل الى ان اسهل اساليب التمويل واسرعها واوثقها هو ان تبادر البنوك الكبرى الى تاسيس هذه الشركة. فالمجموعات. المالية الكبرى الحالية بامكانها توفير الاموال اللازمة في وقت قصير بمجرد التشاور فيما بينها، اذ ان سمعة ومصداقية المجموعات المالية البارزة لها تاثير كبير على ابراز الفكرة القومية ودعمها. ومن المؤكد ايضا انه سوف لا يطلب من هؤلاء الممولين ان يجمعوا هذا المبلغ الطاىل من باب مناصرة الخير والاحسان فقط وانما بدافع الحصول على عواىد مالية في المقابل، وبامكانهم القيام مقدما بتقدير مجالات الربح والنجاح التي ستتاح لهم.
ومن الواضح ان هرتزل كان معجبا بشركة الهند الشرقية الانجليزية، والدليل على ذلك اختياره اسم *الشركة اليهودية الشرقية المحدودة * ليطلقه على شركته المقترحة. وقد دعا هرتزل الى الاقتداء بتجربة هذه الشركة الانجليزية الاستيطانية في الهند للافادة منها في تحقيق هدفه بانشاء الدولة اليهودية. وفِي محاولة منه لاغراء اقطاب المال اليهود بالمساهمة في هذه الشركة، فان التصورات الهرتزلية للارباح بلغت حدا لا يصدق : * فالمليون سيجلب خمسة عشر مليونا والبليون خمسة عشر بليونا *. اما بالنسب للمصادر التي كان هرتزل يتطلع الى جني المكاسب من وراىها فكانت تتضمن انشاء المشاريع التجارية في الارض التي يتم الاتفاق على استيطانها، وفِي الاشتغال بالمضاربات العقارية، بالاضافة الى وضع الشركة يدها على املاك المهاجرين اليهود وحقوقهم المالية في الدول التي كانوا يعيشون فيها، وتعويضهم عنها بممتلكاتهم في مستوطناتهم الجديدة التي يكونون قد حصلوا عليها باسعار زهيدة جدا و"سيحقق هذا مصدرا ضخما وشرعيا بالنسبة للشركة، اذ ان من حقها كاي مستثمر اقتصادي ان تجني هذه المكافاة غير المحدودة مقابل تحملها المخاطرة" ( Herzl , p. 50 ).
ودعا هرتزل في بداية العملية الاستيطانية الى الاعتماد على فقراء اليهود الذين كانوا يشكلون يدا عاملة رخيصة. ومما قاله في هذا الصدد : * ان الفقراء اليهود سيذهبون اولا ويحرثون الارض ويشقون الطرق ويشيدون الجسور والسكك الحديدية، اضافة الى تنظيم مصادر المياه ووسائلها. ان نجاح هذه الاعمال سوف يولد حركة تجارية نشطة ينتج عنها اسواق واسعة تستقطب المزيد من المهاجرين والمستوطنين الذين تولد لديهم الحافز للسفر طواعية وعلى نفقتهم ومسؤوليتهم الخاصة. وبالاضافة الى ذلك فان العمل المستمر في الارض واستصلاحها يرفع من قيمتها ويزيد من ثمنها..* ( Herzl , ibid ).
ويلاحظ ان بعض هولاء الفقراء تولدت لديهم الرغبة للهجرة الى ارض الاستيطان المختارة، بعد ان قدم لهم هرتزل الاغراءات بسهولة شق طريقهم * صعودا نحو الملكية الخاصة *، وتحقيق مستوى معيشي على النمط الغربي الذي لا يمت بصلة الى انماط المعيشة التي كانت تحياها شعوب المناطق المجاورة لارض الاستيطان. وبتعبير اخر العمل على زرع مستوطنين غرباء في منطقة لا تنتمي لعالمهم او حضارتهم تماما كما حدث في روديسيا وجنوب افريقية والجزا،ر وغيرها. ولعل من المناسب هنا الاشارة الى محاولة هرتزل الالتقاء بالاستعماري البريطاني المشهور السير سيسل رودس، موسس النظام العنصري في روديسيا، طالبا منه في رسالة وجههااليه عام ١٩٠٢ ان يلقي بثقله ويدعم مشروعه الاستيطاني مبديا رغبته في التعاون معه الى اقصى الحدود، وكان مما قاله له في هذا المجال : * ان التاريخ يدعوك للمساهمة في امر لا يبعث على الخوف او التردد، انه لا يدخل ضمن النطاق الذي تعودت عليه فهو لا يتعلق بافريقيا وانما بجزء صغير من اسيا، كما انه لا يتعلق بالانجليز وانما باليهود، ومع ذلك فان بامكانك مواجهة الموضوع والقيام بتنفيذه. انني الجا اليك بالرغم من بعدك عن الموضوع، لانه موضوع استعماري انت ادرى بمواجهته وتنفيذه * (Herzl , Diaries , V 111, p. 1194 ). وبدلا من تلقي هرتزل ردا على رسالته فانه تلقى نبا وفاة رودس نفسه، فكانت صدمة قاسية له هزته من الاعماق.
اما بالنسبة للبرجوازية اليهودية الصغيرة فان هرتزل دعا الى تشجيعها على الهجرة من اماكنها، لا سيما وان افراد هذه الطبقة تعزز غالبية الكوادر الفنية اللازمة للعملية الاستيطانية وبناء الدولة المنشودة. واضاف هرتزل موضحا ان * الوطن الجديد * يهيىء مجالا حيويا لهولاء * الاساتذة والمحامين والاطباء والضباط والتقنيين والتجار * كي يمارسوا حريتهم، بعيدا عن مزاحمة افراد الطبقة الوسطى في اوروبا، وبطريقة افضل مما كان يتوفر لهم في الدول الاوروبية، ناهيك عن وجود فرص مهياة لهم كي يحققوا مراكز اعلى في "السلم الطبقي".
وبالاضافة الى الشركة اليهودية دعا هرتزل الى انشاء * جمعية اليهود * Society of Jews لتكون بمثابة نواة سلطة تلتف حولها الفىات اليهودية المؤيدة لمشروع هرتزل الاستيطاني. * ان اولىك اليهود الذين يؤيدون فكرة تاسيس دولتنا * كما وصفهم هرتزل * سيدعمون جمعيتنا ويمنحونها السلطة اللازمة لها كي تعترف بها الحكومات وتقبل التباحث والتعاون معها نيابة عن شعبنا *. وقد قارنت بديعة امين في كتابها * المشكلة اليهودية والحركة الصهيونية* بين دور هذه الجمعية ودور لجنة الاربع والعشرين التي كانت تدير شركة الهند الشرقية وذلك * في مجال عقد المفاوضات والاستيلاء على الاراضي وشراء وانشاء المعامل والمصانع والى اخر ما كانت تقوم به الشركة من نشاطات، حيث ادت في نهاية المطاف الى وضع الهند تحت السيطرة البريطانية * ( بديعة امين، المشكلة اليهودية، ص ١٧١ ). وهذا ما كان يهدف اليه هرتزل من وراء قيام جمعية اليهود بتحويل ارض الاستيطان الى دولة يهودية. وكان مما ورد في كراس هرتزل ايضا دعوته الى وضع دستور للدولة المقترحة ينص على ان يكون نظامها جمهوريا ارستقراطيا، فالديموقراطية في رايه تودي الى * الفوضى والطغيان *. ولذلك فالسياسة يجب ان تاخذ مجراها من القمة الى القاعدة لضمان سيطرة جمعية اليهود على راس المال من خلال الرقابة السياسية.
اما بالنسبة للمسالة اليهودية، فان الطرح الهرتزلي لها جاء على انها مسالة قومية. في المقام الاول. ولذلك كان هم هرتزل الاساسي العثور على الوسيلة المناسبة التي يتم بواسطتها اثارة الرغبة * لدى الجماهير اليهودية* في الوجود القومي المستقل والسعي من اجل تحصيله. ولَم يلبث هرتزل ان تناول ظاهرة العداء للسامية واعتبرها تربة خصبة ووسيلة مناسبة لتحريك الجماهير اليهودية ودفعها نحو اقامة * وطن قومي * لها. وركز على ان هذه الظاهرة ليست ظاهرة عرضية وانما ظاهرة مستمدة من خصاىص الانسان الثابتة. ولذا فكراهية اليهود موجودة بين الناس منذ اقدم العصور وفِي مختلف الاماكن. وتوصل هرتزل الى القول بان الحركة الصهيونية * ليست بحاجة الى بذل الكثير من الجهد من اجل دفع الجماهير اليهود صوب الوطن المنشود، فالمعادون للسامية سيتولون تقديم الجهد اللازم لذلك * ( Herzl , Diaries , ibid ). ومضى هرتزل في استنتاجاته الى القول باستحالة القضاء على ظاهرة العداء للسامية *واستىصالها من الطبيعة البشرية*، ولذا فالحل الوحيد امام اليهود هو تجميعهم في بقعة محددة يختارونها * وطنا قوميا * لهم ايا كان موقعها، رغم ان فلسطين تظل اختياره المفضل في تلك المرحلة. ومن اجل الاسراع في تحقيق هذا الهدف الاستيطاني، دعا هرتزل الى تشجيع النزعة المعادية للسامية بين القوى الاوروبية اليمينية بهدف وضع فقراء اليهود امام خيار وحيد وهو الهجرة صوب بقعة الاستيطان اليهودي المختارة. واستمرارا لهذا النهج دخل هرتزل ومن بعده العديد من الزعماء الصهاينة في مباحثات ومفاوضات مع اعرق القوى الرجعية راشدها اضطهادا لليهود، وذلك من اجل استغلال الظرف لكسب اكبر عدد من المهاجرين اليهود للاتجاه صوب تلك البقعة المختارة.
ان المتتبع لنشاط هرتزل الاستيطاني يلاحظ انه بالرغم من اخفاقه في تحقيق حلمه الاستيطاني بتجميع المهاجرين اليهود في بقعة محددة سواء كانت فلسطين او غيرها، الا ان نشاطه المتواصل في المحافل الدولية انتزع للمنظمة الصهيونية * اعترافا ضمنيا * من كثير من حكومات العالم الغربي بالاضافة الى انه خلق من * المسالة اليهودية * قضية تستقطب اهتمام كثير من هذه الحكومات الغربية. كانت قناعات هرتزل الراضحة منذ البداية تكمن في الحصول على حماية دولة من الدول الكبرى ( وخاصة بريطانيا ) واقامة الشركة اليهودية قبل البدء باي نشاط استيطاني منظم في فلسطين، وقد اطلق على اسلوب العمل هذا اسم * الصهيونية السياسية*.
من ناحية اخرى برز تيار صهيوني معارض للتيار الهرتزلي دعا باصرار وجدية للتركيز على الاستيطان سواء حصل الصهاينة على ضمانات دولية او لم يحصلوا. وكانت غالبية المنتسبين لهذا التيار من اليهود الروس الدين اطلق عليهم اسم * الصهيونيين العمليين *.
الا ان الجدل حول شكل الدولة اليهودية والطبيعة الصهيونية لم يقتصر على الصهيونيين العمليين وانما اتسع ايضا ليشمل * الصهيونيين الروحيين * الذين كان يتزعمهم * احد هاعام * الذين تبنوا روية تتناقش مع روية الصهيونية السياسية التي كان يتزعمها هرتزل والتي لم تتعرض من قريب او بعيد للقضايا الروحية والاخلاقية للمسالة اليهودية.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/24 الساعة 23:12