فيصل الغويين يكتب: نشأة وتطور المجالس التشريعية والنيابية في الأردن (1)

مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/20 الساعة 21:01
المجلس التشريعي الأول (1929 - 1931)
تعود بدايات الحياة البرلمانية الاردنية إلى أواخر العشرينات، حين التأم أول مجلس تشريعي للإمارة في 2 نيسان 1929. وقد تعاقبت على البلاد خمسة مجالس تشريعية حتى إعلان الاستقلال في 25 أيار 1946. وكان المندوب السامي البريطاني في فلسطين ، قد صرح في 25 أيار 1923، أن الحكومة البريطانية سوف تعترف بوجود حكومة مستقلة في شرقي الأردن، شريطة أن تكون تلك الحكومة دستورية. وبناء على هذا التصريح وجه عدد من الشخصيات الوطنية دعوة إلى الأمير عبد الله لتشكيل لجنة وطنية منتخبة لوضع قانون للمجلس التشريعي. وفي منتصف تموز تشكلت اللجنة برئاسة وكيل العدلية، وعضوية شخصين عن كل مقاطعة من المقاطعات الست التي كانت تتألف منها الإمارة، وبعد عدة جلسات عقدتها اللجنة، أنجز مشروع قانون الانتخاب. وبموجب المشروع الذي أقرته الحكومة ونشر في تشرين الثاني 1923، فقد قسمت البلاد إلى ثلاث دوائر انتخابية. وفي آذار من عام 1924 شكلت الحكومة لجنة من ستة أعضاء لوضع مشروع لائحة القانون الأساسي (الدستور). وقد أنجزت اللجنة المذكورة اللائحة، لكن سرعان ما تبين زيف الوعود البريطانية بشأن استعدادها للاعتراف بحكومة مستقلة دستورية، إذ سارعت إلى ممارسة الضغط على الحكومة من أجل ارجاء تطبيق قانون الانتخاب، وتعطيل لائحة القانون الأساسي للبلاد. وتحت تأثير المطالبات المتكررة للجنة الانتدابات الدائمة التابعة لعصبة الأمم، دخلت بريطانيا في مفاوضات مع الحكومة من أجل ابرام معاهدة ثنائية تنظم العلاقات بينهما، وقد وقعت هذه المعاهدة في 20 شباط 1928. وفي 16 نيسان 1928 صدر القانون الأساسي (الدستور) الذي نظم الحياة التشريعية للإمارة. وفي الأول من آب 1928 أصدرت الحكومة قانون انتخاب المجلس التشريعي، والذي حدد الأعضاء ب( 16 ) عضو منتخب. وقسمت الإمارة إلى أربع دوائر انتخابية، هي: البلقاء، عجلون، الكرك، معان، كما أضيفت دائرتان تنتخب كل منهما نائبا واحدا، تمثل واحدة بدو الشمال، وتمثل الثانية بدو الجنوب. وقد أثار مشروع القانون معارضة واسعة؛ نظرا لأن المجلس التشريعي لا يقوم على أساس المسؤولية الحكومية، كما سيشترك في عضويته أعضاء الحكومة، إضافة لاشتراط بريطانيا لبقاء المجلس تصديقه على معاهدة 1928. وجددت المعارضة مطالبتها برفض الانتداب البريطاني، ودعوتها الى فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية. وكانت الحكومة قد سمحت في آذار 1927 بتأسيس حزب سياسي في شرقي الأردن وهو “حزب الشعب”، وقد استطاع الحزب قيادة حركة المعارضة بنجاح، بعد أن بين مساوئ القانون الأساسي، وقانون الانتخاب المنبثق عنه، كما نجح في عقد أول مؤتمر وطني باسم "المؤتمر الوطني الأردني الأول" في 25 تموز 1928، والذي طالب بقيام حكومة دستورية، وقيام مجلس نيابي على أساس قواعد التمثيل الصحيح، ومسؤولية الحكومة أمام المجلس النيابي. وكان من مظاهر الاحتجاج على قانون الانتخاب: 1-مقاطعة اجراءات التسجيل من جانب الناخبين؛ فقد تعذر اجراء الانتخابات في البلقاء بسبب مقاطعة المواطنين لعملية التسجيل، مما دفع الحكومة الى تأجيل اجراء الانتخابات في هذه الدائرة. 2-ارسال وفود شعبية من كافة مقاطعات الإمارة نحو القصر الأميري للتعبير عن رأيها في القانون الأساسي، وقانون الانتخاب. 3-مقاطعة دوائر انتخابية كاملة للانتخابات، مثلما حصل في معان، والتي حرمت فيما بعد من الانتخابات، ووضعت مع دائرة الكرك حتى عام 1938. 4-ارسال البرقيات إلى رئاسة النظار(رئيس الحكومة)، والتي تضمنت الاستنكار للمجلس وانتخاباته. 5-الاضراب الذي شمل معظم المدن والقرى الكبيرة في اللواء الشمالي (اربد، الرمثا، عجلون). وبالرغم من ذلك جرت الانتخابات خلال شهري كانون الثاني وشباط 1929، وقد تشكل المجلس التشريعي الأول من: 1-دائرة البلقاء: علاء الدين طوقان، سعيد الصليبي، محمد الأنسي(مسلمين عرب). وسعيد المفتي، وشمس الدين سامي (مسلمين شركس). ونجيب الابراهيم (مسيحي مادبا). 2-دائرة الكرك: رفيفان المجالي، صالح العوران، عطا الله السحيمات، عودة القسوس (المقعد المسيحي). 3-دائرة عجلون: نجيب الشريدة، عقلة النصيرات، عبد الله كليب الشريدة، نجيب ابو الشعر(المقعد المسيحي). 4-دائرة البدو: مثقال الفايز عن بدو الشمال، وحمد بن جازي عن بدو الجنوب. كما ضم المجلس حسب القانون رئيس واعضاء الحكومة، وكان رئيس المجلس هو ذاته رئيس الحكومة. وهكذا انبثق أول مجلس تشريعي في شرقي الأردن، في ظروف تميزت باشتداد الضغوط البريطانية من أجل المصادقة على اتفاقية 1928، وبالتدخل الحكومي في الانتخابات من ناحية، والمقاطعة الوطنية لها من ناحية أخرى. افتتح الأمير عبد الله دورة المجلس يوم 2 نيسان 1929، ومع أن المجلس ضم أغلبية موالية، فإن الأعضاء تحت ضغط الشارع والمعارضة تهيبوا من تصديق الاتفاقية كما هي، وحاولوا تعديل بعض بنودها، غير أن تلك المحاولة اصطدمت برفض شديد من المعتمد البريطاني، الذي أصر على تصديق الاتفاقية كاملة، أو رفضها كاملة. ومن أبرز القضايا التي تعامل معها هذا االمجلس: 1-التصديق على المعاهدة مع بريطانيا، وقد شهدت جلسة التصديق معارضة شديدة للمعاهدة، حيث انسحب أربعة أعضاء من المجلس، وهم شمس الدين سامي، ونجيب ابو الشعر، وبخيت الابراهيم، ومثقال الفايز بعد أن أعلنوا اعتراضهم وامتناعهم عن التصديق على الشكل التالي :"تبرئة لذمتي من هذا التصديق انسحب من الجلسة". 2-طلب المجلس تشكيل حكومة دستورية، مما يدل على الفهم العميق المبكر لمعنى الحياة النيابية. 3-الاستغناء عن الموظفين غير الأردنيين. 4-المطالبة برفع حصة المعارف(التعليم) في الميزانية العامة للإمارة، وهو ما حصل فعلا، كما تم تخصيص مبالغ أخرى لفتح ثلاث مدارس للاناث في كل من الكورة والحصن والطفيلة، كما وافقت الحكومة على زيادة نفقات البعثات العلمية لتدريس طالبين في الجامعة الامريكية في بيروت سنويا. 5-تعويض الفلاحين المتضررين من آفة الجراد، وتقديم قروض طويلة الأجل لهم. ورغم المقاطعة الوطنية لانتخابات المجلس التشريعي الأول، والظروف التي واكبت تشكيله، فقد انعدم التعاون بينه وبين الحكومة، إذ كانت المعارضة الشعبية لحكومة حسن خالد ابو الهدى من الاتساع إلى الحد الذي تسرب إلى داخل المجلس، حيث حاول أعضاؤه اخراجه من الحكم. ونظرا لامتناع المجلس عن التصديق على ملحق لميزانية 1930/1931، الذي خصص للانفاق على قوة البادية التي بدأ تشكيلها في ذلك العام بقيادة( جون باغوت كلوب)، احتجاجا على تدخل الحكومة البريطانية في تفاصيل انفاق الميزانية. وقد عجل هذا الموقف في حل المجلس قبل انتهاء مدته القانونية، حيث أصدر الأمير عبد الله في 9 شباط 1931، قراره بحل المجلس قبل اكمال مدته الدستورية، واجراء انتخابات جديدة... يتبع
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/20 الساعة 21:01