عدنان المساعده يكتب: امتحان التوجيهي الحصن المنيع والاكثر عدالة للقبول الجامعي
بقلم أ.د عدنان المساعده
أثار قرار مجلس التعليم العالي رقم 266 الصادر يوم الثلاثاء بتاريخ 2020/9/8 والمتضمن تغيير أسس القبول قي الجامعات ردود فعل كبيرة في الأوساط الأكاديمية وبين الطلبة والأهالي، ولم يلق هذه التوجه القبول من قبل قادة أكاديميين وخبراء وكتاب يتابعون الشأن الاكاديمي والتعليمي. ان هذا القرار الذي أتخذه مجلس التعليم العالي كان مفاجئا لكافة الأوساط، وأعتقد كما يعتقد الكثيرون أنه تم اقراره على عجل دون أخذ رأي أساتذة الجامعات وذوي الخبرة أو رأي الشريحة الكبيرة المستهدقة وهي الطلبة.
ان آثار القرار قد تنعكس على مستقبل أجيال بأكملها، وليس من الحكمة والموضوعية أن يمر بهذه العجالة دون دراسة السلبيات ودون أخذ استفتاء عام من قبل كافة الجهات ذات العلاقة، لأن هذا الأمر يهم كل بيت كما يهم مستقبل أجيال ومستقبل وطن، مما يستوجب دراسته من كل الجوانب ووضع كل السلبيات بكل جرأة وأمانة كي لا نسهم قي طعن خاصرة منظومتنا التعليمية، في الوقت الذي نجد فيه من يتغنى بتسجيل انجازات وهمية، وفي حقيقة الامر هي سراب يتلوه سراب، ولا يتعدى اجراء حقل التجارب التي قد تنجح في جانب وتفشل في عدة جوانب.
وعودا الى امتحان التوجيهي ذلك الموروث التربوي المتميز الذي أثبت نجاحه عبر مسيرة التربية والتعليم الطويلة في أردننا الغالي، وجاء نتيجة جهد تراكمي تم بناؤه منذ تأسيس المملكة ساهم فيه التربويون والمعلمون وأساتذة الجامعات وكلّ من له علاقة في وضع السياسات التعليمية والتربوية وعمل باخلاص وتفان في حمل رسالة التربية والتعليم بامانة المسؤولية والضمير المؤسسي، وكان إمتحان التوجيهي الحصن الواقي لهيبة التعليم وصمام الأمان لأبنائنا الطلية لدخول الجامعات بتنافس وحيادية مطلقة تحقق العدالة للجميع.
إن المسؤولية تدعونا جميعا لنخافظ على هذا الموروث التربوي التعليمي الذي بني بالجهد والتعب، فإمتحان الثانوية العامة وعلى مدى أكثر من نصف قرن أحتفظ بهيبته وقيمته إلى درجة كبيرة وكان يمثل معيارا لهيبة وسمعة التعليم في الدولة الاردنية، كما كان مقياسا دقيقا وحقيقيا إلى درجة عالية لقدرات الطلبة العلمية وتحصيلهم، وكان الإمتحان يتمتع بمصداقية عالية محلياً وعربياً ودولياً، حيث لا يوجد أدنى شك أن إمتحان الثانوية العامة يعتبر الأفضل على مستوى المنطقة العربية بكاملها، ولا أبالغ على مستوى الدول المتقدمة في العالم، والدليل على ذلك عندما ينتقل حملة الشهادة الثانوية الأردنية إلى المرحلة الجامعية، فإنهم يتفوقون على أقرانهم من حملة الشهادات غير الأردنية هنا في داخل الجامعات الأردنية أو خارجها. ممّا يستدعي الإلتزام بتعليمات وضوابط الإمتحان التي لا تسمح لإي عابث أو مستهتر الاساءة الى هذا الإمتحان الوطني الهام والمفصلي تحقيقا للعدالة وتكافؤ الفرص.
ولكي لايساء الفهم، فلا بأس من تطوير آلية عقد الإمتحان، ورصد السلبيات التي ترافق عقد الإمتحان ومعالجتها، وإدخال مدخلات قويّة ورصينة لتحقيق مخرجات قويّة ورصينة أيضاً تنهض بالتعليم إلى الأمام وتعزّز أهمية الحفاظ على مسيرة الامتحان الطويلة التي بدأت منذ ما يزيد على نصف قرن، لإن الإعداد العلمي الرصين هو الركيزة الأساس للنهوض في جميع المجالات، وهو موضوع حيوي وهام يفرض نفسه بقوة ليدخل في جميع مفاصل حياتنا ومستقبل اجيالنا ووطننا، ليس في مجال التعليم وأمننا التربوي فحسب، ولكن في كل مسارات التنمية. فلنحافظ على هذا الموروث التربوي الناجح دون المساس بالجوهر، لأنني أرى في ذلك مخاطر كبيرة قد تؤثر على مسيرتنا التربوية والتعليمية مستقبلا لا سمح الله. ولنعطي هذا الامتحان زخماً قويّاً وإهتماماً تثري مسيرتنا التربوية والتعليمة قدما الى الامام.
وان قرار مجلس التعليم العالي باحتساب 60% من تحصيل الطالب لدخول الجامعة و40 % لامتحان تعقده الجامعة ومقابلة لجنة اكاديمية في الجامعة حيث ان هذه النسبة تشكل وزنا سيكون الحاسم في تحديد تخصص الطالب، ويخشى أن لا تتحقق العدالة قي ظل تجربة جديدة يدخل فيها لجان لأن تقييم الجامعات سيتفاوت من جامعة الى أخرى، وهذا سيولّد الأحباط لدى المتميزين.
ولتكن دراسة هذا الموضوع دراسة متأنية ومتأنية ومتأنية للمرة الألف لأن المجازفة واجراء تجارب قد يكون فيه ندم في وقت لا ينفع فيه الندم، وقد يكون فيه تراجع للمستوى وخصوصا أن هذه المقترحات ليست خاضعة للقياس بدقة وقد تؤثر فيها مؤثرات لا تحقق العدالة.
ومن العبث أن تؤخذ قرارت متسرعة من قيل محموعة ليس من حقها أو حق غيرها الانفراد بقرار يتعلق بمصير اجيال كاملة الذي يدخل في تناول جزئ من الصورة الكاملة التي قد تترك تشوّها هنا وآخر هناك وتسيء الى صورة التعليم في بلدنا التي نريدها جميلة ومتينة قوية، والحل لا يعالج بالتسرع ولكن يكون ذلك بالدراسة والتمحيص تقييما وتقويما بضمير وامانة، لأن هذا الموروث التربوي رافق نشأة الدولة الأردنية وكان انجازا حافظنا عليه ولفترة طويلة من عبث العابثين وكانت صورته بهية مشرقة، فهل نحن قادرون على ابقاء هذا الامتحان الحصن الواقي لهيبة التعليم في أردننا الغالي والمعيار الحقيقي الذي يحقق العدالة للقبول الجامعي دون سواه؟ وقد اثبتت الدراسات وجود علاقة طردية مابين معدل التوجيهي والتحصيل الجامعي.
وخلاصة القول، إن إمتحان التوجيهي هو المعيار الحقيقي والمجرّب والعادل الذي يقيس مستويات الطلبة ولنحافظ على هذا الموروث التربوي المتميز الذي نتفق عليه جميعا في أن يبقى ممّيزا كمعيار عادل للقبول في الجامعات.
أيها الزملاء معالي رئيس وأعضاء مجلس التعليم العالي الذي نكن لشخوصة الاحترام ان التراجع عن الخطأ فضيلة، وأن الاختلاف معكم في هذا القرار أرى أنه لا يخدم أبناءنا في شيء، وليس له أية صلة أو انعكاس على مخرجات التعليم الجامعي التي من الأولى على مجلسكم الكريم أن يتبناها ويدرسها بعمق، وأن تكون من أهم الاولويات في ظل الامتداد والتوسع عموديا وأفقيا في مجالات وتخصصات التعليم الجامعي المتعددة ضمن انتهاج تخطيط وسياسات استراتيجية فعالة لمنظومة تعليم متكاملة في شقيها التعليم العام والتعليم العالي لا تكون رهن اشخاص أو مجموعات، في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني أن التعليم العالي منذ أكثر من عشر سنوات قد ارتبط بسياسة شخص الوزير فضاعت البوصلة للاسف وتاهت الاستراتيجيات وغاب التحطيط الشمولي.
ويبقى السؤال مفتوحا على مصراعية ما الهدف من تغيير معايير وأسس القبول الجامعي في ظل ضبابية في الرؤيا وعدم امتلاك الرؤيه الواضحة التي عجزت عن اقناع الوسط الأكاديمي بشكل خاص ومجتمعنا الأردني بشكال عام؟
وحمى الله اردننا الغالي ومنظومتنا التعليمية، ودام جلالة الملك سيدا وقائدا، وحفظ الله سمو ولي العهد الامين . اللهم اني قد بلغت والله من وراء القصد.
· كاتب واستاذ جامعي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية
· عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية
· رئيس جمعبة أعضاء هيئة التدريس سابقا