بلال التل يكتب: عسكرنا .... غير

مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/19 الساعة 22:31
تعقيباً على مقالي يوم الأحد الماضي, وصلتني الرسالة التالية من سيدة متابعة "سيدي العزيز.. ما يفعله الجيش هو واجبه وهو الذي يجب أن يعمل بحكم أنهم موظفون عموميون مطلوب منهم أداء واجبهم بكل أمانة وحرفية.. أما ترهل الجهاز المدني فسببه غياب المساءلة وإفساد البنى الدستورية للدولة وتحويلها لتكية ينخرها الترهل والفساد... دعواتك لعسكرة الدولة هي دعوة لتكرار تجارب فاشلة تم تطبيقها في دول أخرى ووقعت منهارة". هذه الرسالة نموذجاً للقراءة المتسرعة, ومن ثم إصدار الأحكام الظالمة, فدعوتي كانت واضحة بأن تسري "منظومة القيم التي تحكم عمل القوات المسلحة في مفاصل الدولة" ومنها الأمانة والحرفية التي قالت السيدة في رسالتها "أنها يجب أن تحكم عمل الموظفين العموميين" وهذه متحققة في قواتنا المسلحة, بالإضافة إلى المساءلة التي تقول السيدة أن غيابها هو من أسباب ترهل الجهاز المدني, مع تحفظي على النظر إلى الجندية كوظيفة فالجندية رسالة وتضحية, في أية لحظة يحتاج فيها الوطن ذلك, وهو ما أثبته أبناء قواتنا المسلحة على مدار تاريخها الطويل الذي تطول معه قائمة شهدائها وجرحاها الذين تأبى عقيدتهم القتالية أن يكون المنتسبين إليها موظفين, أو مقاتلين مرتزقة يفرون ساعة الخطر, وهو مالم يسجل على ضباطنا وجنودنا على مدار تاريخهم, ويكفيهم شرفاً أنهم أول من هزم الجيش الإسرائيلي وأول من كسر أنفه في معركة الكرامة, وهو مايوجب علينا توجيه الشكر والثناء لكل جندي منهم, فأداء الواجب على الوجه الأكمل موجب للشكر لا مانعاً له, فالشكر على أداء الواجب فوق أنه تكليف شرعي فإنه أيضاً من نظريات الإدارة الحديثة التي تحث على تكريم الأداء المتميز, وفي دول العالم كله يُكرم المتميزون ولا يعترض على ذلك أحد,بحجة أن المكرم يقوم بواجبه, خاصة في واقع كالواقع الذي نعيشه, والذي صار فيه الناس يطالبون بحقوقهم ولا يؤدون واجباتهم, مما يضاعف من قيمة أداء قواتنا المسلحة ويوجب الشكر لها لتكون نموذجاً يحتذى. خلاف آخر مع صاحبة الرسالة, فقد اعتبرت دعوتي لعسكرة الدولة دعوة لتكرار تجارب فاشلة, وعذرها في هذه أنها كما يبدو لي لم تقرأ جيداً تاريخ الأردن السياسي والاجتماعي, فلو فعلت ذلك لاكتشفت أن عسكر الأردن "غير", وأنهم من رسخ الديمقراطية وحماها, مثلما حموا الاستقرار والتعددية والمؤسسية في ظل قيادتهم العليا, ألم يكن رئيس الوزراء الذي أشرف على انتخابات عام 89 التي لا زلنا نتغنى بها أبن القوات المسلحة الأردنية؟ ألم يأتي من قلب المؤسسة العسكرية والأمنية الأردنية رئيس الوزراء الذي تحمل كل تبعات عودة الديمقراطية بعد انتخاب 89؟ وقبلهما وعلى امتداد عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات ألم يكن رؤوساء الوزرات الذين أعادو للدولة هيبتها ومؤسيستها, هم أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية الأردينة, الذين يشهد لهم الأردنيين من شتى مشاربهم الفكرية والحزبية بأنهم كانوا مدنيين أكثر من دعاة الدولة المدنية, وأنهم رسخوا العمل المؤسسي في الدولة, وهذا كله ليس ادعاء, فالأدلة ماثلة للعين فاقرؤا تاريخ الأردن لتكتشفوا أن عسكره "غير".
مدار الساعة ـ نشر في 2020/09/19 الساعة 22:31