إقراض المشاريع الصغيرة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/30 الساعة 01:02

لا تقلّ المشاريع الصغيرة أهميّة للإقتصاد عن المشاريع الكبيرة، فحتى في أشدّ الدول تقدماً إقتصادياً تعتبر هذه المشاريع هي مشغّل النسبة الأكبر من القوّة العاملة، فهي السبب في خلق أغلب فرص العمل وهي محرّك رئيسي لإقتصاد الأفراد والدولة. لكن عادة ما يكون أول ما تواجه هذه المشاريع من صعوبات هو التمويل، ولذلك يضطر العديد من أصحاب المشاريع إلى اللجوء للإقتراض من البنوك أو مؤسسات تمويلية أخرى. في حين أن الإقتراض (بهدف التمويل) بحدّ ذاته هو الحافز الأساسي لقيام المشاريع، إلّا أن لا شك بأنه الخطر الأكبر عليها وعلى أصحابها. ولا شكّ أيضاً في أن هذا الخطر يتعاظم في الإقتصادات الناشئة والإقتصادات التي تعاني أصلاً من أزمات.

عندما تكون نسبة الفشل في المشاريع الصغيرة المُقترضة ملحوظة ومرتفعة نسبياً، فإن ذلك ينذر بخطر يجب التوقف عنده وإعادة النظر والتحليل في الأسباب والعواقب على الإقتصاد والمجتمع، وتدخل هنا الحاجة للإبتكار في حل المشكلات. قد يكون السبب الرئيسي المُعزّى له فشل الكثير من المشاريع الصغيرة هو الأزمات الإقتصادية أو ضعف القائمين على تلك المشاريع. ولكن علينا البحث فيما هو أعمق من ذلك في سلوك أصحاب العلاقة (الحكومة، البنوك/مؤسسات الإقراض، المقترض) للحدّ من هذه الظاهرة بهدف حماية جميع المذكورين، لأن فشل المشاريع المقترضة لأي سبب كان هو أزمة بحدّ ذاتها تؤثّر سلباً على جميع أصحاب العلاقة بشكل أو بآخر.

إن الخاسر الأكبر دوماً هو المواطن البسيط الذي حفّزه طموحه لإقتراض مبلغ صغير بنيّة إستثماره في توسيع مشروع قائم أو إقامة مشروع جديد. هذه المبالغ البسيطة التي لا تتجاوز بضعة آلاف قد تعرض حياة المقترضين وعائلاتهم للضياع والدمار في حال عجز المقترض عن السداد بسبب فشل خطّته لأي سبب كان. وهنا تلجأ المؤسسات المُقرضة للقضاء وبالتالي الحجز على موجودات الشخص المقترض بغية تحصيل حقوقها هي الأخرى مما ينتهي بمعضلات مالية ومعنوية على الأفراد وعائلاتهم الذين قد يخسروا كل ما لديهم. وفي كثير من الأحيان ينتهي الأمر بهؤلاء المقترضين من آباء معيلين أو أمهات مربيات في السجون. أشخاص بريئون النيّة سارت الرياح بما لا تشتهي سفنهم فرسوا حيث لا ينتمون. وعليه نتمنّى على أصحاب العلاقة أن يطوّروا آليات عملهم في ما يخصّ تمويل المشاريع الصغيرة، وأن يتم إبتكار حلول ومبادرات من قبل الحكومة أولاً كفتح مكتب إرشادي يتبع لوزارة الصناعة والتجارة أو غرف التجارة على سبيل المثال ليلجأ إليها المستثمر الصغير قبل الخوض في مغامرة القروض، فيلقى هناك النصح والمشورة والتوجيه السليم بخصوص مشروعه، مما سيخفف حتماً من عامل المخاطرة وينعكس إيجاباً على نجاح المشاريع. أمّا البنوك ومؤسسات الإقراض فهي شريك حيوي آخر تقع عليه مسؤولية دراسة المشاريع المقترحة من طالب القرض بشكل دقيق وتحديد مخاطره قبل التورّط بصفقات فاشلة نهايتها المحاكم. وأخيراً، الحلقة الأضعف والتي هي المقترض الذي عليه أن يكون واعياً لحقوقه وواجباته، فالكثير من المقترضين عادةً لا يقرأون جيداً ويتمعّنون في ما يمضون عليه في العقود والإتفاقيات، ليجدوا أنفسهم لاحقاً وبعد فوات الأوان متورطون في ما لا يستطيعون تحمّله وما لا يحمد عقباه. لكل صاحب علاقة حقوق وواجبات، إلّا أن توعية هذه الفئة من صغار المستثمرين إقتصادياً وقانونياً عبر حلول فعّالة ترعاها المؤسسات الرسمية بالشراكة مع القطاع الخاص هو واجب على الحكومة ومؤسسات الإقراض، وحقّ للمقترضين لتشجيعهم وحمايتهم في نفس الوقت ليعود النفع على الجميع أفراداً ومؤسسات ومجتمعاً وإقتصاداً.
الراي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/30 الساعة 01:02