دعوات لتشديد الملاحقة القانونية بحق الأهالي المتخلين عن أبنائهم
مدار الساعة - نادين النمري - واقعتا تخلٍ عن أطفال، إحداهما افتراضية بإعلان “عرض تبني” على مواقع التواصل الاجتماعي، والأخرى تتعلق بترك رضيعين، لم يبلغا بعد العام ونصف العام، في حاوية مهملات بمنطقة حي نزال في عمان، أثارتا دعوات لتشديد الإجراءات القانونية بحق الأهالي المتنصلين من واجبهم برعاية أطفالهم، إلى جانب توفير حماية استباقية للأطفال الأكثر ضعفًا.
وكانت سيدة منتصف الأسبوع الماضي، أعلنت عبر منشور على موقع “فيسبوك” عن رغبتها بعرض حفيدها (عام وثمانية أشهر) للتبني، مبررة ذلك بعدم قدرتها على رعايته والإنفاق عليه، وأن “والديه منفصلان، ولا يرغب أيٌّ منهما برعايته”.
المنشور، الذي انتشر كالنار في الهشيم، حُذف بعد وقت قصير من نشره، بعد أن لاقت السيدة هجومًا مجتمعيًا كبيرًا، وتدخلت إدارة حماية الأسرة لسحب الطفل من بيت الجد، باعتباره طفلًا محتاجًا للحماية والرعاية، فيما أكد مدير الأسرة والحماية بوزارة التنمية الاجتماعية، محمود الجبور، أن “إقامة الطفل في دار، ستبقى مؤقتة لحين دراسة حالته وضمه مع أسرة قرائبية بديلة”.
أما الحادثة الثانية، فكانت العثور على طفلين، أحداهما يبلغ من العمر عاما ونصف العام والآخر ستة أشهر، في حاوية للقمامة (مهملات)، بعد أن القتهما سيدة في الحاوية، ولاذت بالفرار من المكان.
مصادر مختصة، طلبت عدم نشر اسمها، قالت، إن قضية الطفلين ما تزال قيد التحقيق، فيما تم إجراء فحص الحمض النووي للتأكد من هويتهما، ومحاولة الوصول للسيدة التي ألقتهما في حاوية القمامة لملاحقتها قانونيًا، مبينًا أنه حتى الآن لم يتم التوصل للسيدة أو معرفة دوافع التخلي عن طفليها بهذه الطريقة.
وغالبًا ما تكون حالات التخلي عن الأطفال في السن الأصغر، بحيث يكون عمر الوليد أياما معدودة، لكن حالات أخرى نادرة تم بها العثور على أطفال هائمين تجاوز عمرهم العام.
وتشير سجلات وزارة التنمية الاجتماعية إلى عدد من حالات العثور على أطفال هائمين، أعمارهم فوق العامين، منها العثور في العام 2012 على شقيقين هائمين، أعمارهما عامان، وثلاثة أعوام، تحت جسر مادبا، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى ذويهما، كما لم يراجع بشأنهما أحد، وبالتالي لم يعرف سبب التخلي عنهما.
أما القضية الأخرى، التي شغلت الرأي العام، في نفس ذلك العام، فكانت لطفلة في سن العامين، تُركت هائمة على وجهها بمنطقة الوحدات في عمان، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية من العثور على والدي الطفلة، والذي تبين لاحقًا بأنهما منفصلان ولا يرغبان برعايتها، وبعد قرار الأم بالعودة إلى بلادها، اتفق الوالدان على تركها في الشارع وحيدة.
وكان الجبور نفى، في تصريحات سابقة، أن تكون دوافع التخلي عن رعاية الطفل أو الوليد، تتعلق بتغير الوضع الاقتصادي للأسر أو الفقر، مبينًا أن غالبية الحالات التي تم التعامل معها تتعلق بقضايا تفكك أسري، وعدم رغبة أي من الوالدين برعاية أطفاله بعد الطلاق، إما رغبة في الزواج مرة أخرى، أو بسبب انشغالاتهم في العمل.
ويبلغ عدد الأطفال الموجودين في دور الرعاية الإيوائية، 675 طفلًا، نحو 85 % طفلًا منهم ضحايا تفكك أسري.
المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان”، المحامية ايفا أبو حلاوة، من جهتها رأت أن إشكالية الأطفال المتخلى عنهم، وضحايا التفكك الأسري، “مؤشر آخر الى ضرورة إقرار قانون حقوق طفل، يحفظ حقوقه بنصوص واضحة وصريحة، ويترتب عليه إجراءات بحق التقصير أو الإهمال أو التخلي عن المسؤوليات”.
وأكدت “المطلوب أن لا يكون القانون مجرد إعلان مبادئ، إنما يجب أن يتضمن إجراءات محددة لحماية الأطفال وحقوقهم، بما ينسجم مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل”.
وتخالف الخطورة التي يتعرض لها الأطفال، نتيجة هجرانهم في أماكن غير آمنة، تعرضهم لخطر الموت، مع المادة السادسة من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي تنص على أن: “لكل طفل حقًا أصيلًا في الحياة وبقائه ونموه”، كما تتعارض مع حق الطفل بالحصول على خدمات الرعاية الصحية.
ويتناقض التخلي عن الطفل مع المادة الثامنة من الاتفاقية، التي تنص على احترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي.
وأشارت أبو حلاوة الى أهمية تفعيل البنود القانونية بقانون العقوبات والمتعلقة بإهمال الأطفال وعدم رعايتهم، مضيفة “لا أذكر أنه تمت المتابعة القضائية في أي حالة للتخلي عن طفل”.
وتنص المادة 286 من قانون العقوبات على أن: “كل من ترك قاصرًا لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع أو معقول ويؤدي إلى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررًا مستديمًا لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره”.
كما لفتت أبو حلاوة إلى قانون الأحوال الشخصية، الذي يوفر بنودًا واضحة تتعلق بحق الأطفال في الرعاية والنفقة والحضانة والمشاهدة، مؤكدة أهمية تفعيل الإجراءات المتعلقة بمحاسبة الأهالي في حال تخليهم عن مسؤولياتهم في رعاية أطفالهم.
وأضافت أن المسؤولية في هذه الحالات ليست على الوالدين فقط، بل تمتد إلى الأسرة لتشمل الأجداد والأقارب من الدرجة الأولى، موضحة في ظل التغييرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، فإن الحاجة ماسة اليوم لتفعيل القانون، بشكل يضمن حماية أكبر للطفل، فضلًا عن السير بإجراءات وقائية في الإرشاد الأسري لحماية الأطفال في حالات التفكك.
المديرة التنفيذية لمؤسسة درة المنال، منال الوزني، بدورها أشارت إلى إشكاليتي التفكك الأسري والإدمان، كأحد العوامل الرئيسة أمام تخلي الوالدين أو أحدهما عن مسؤولية رعاية الأبناء.
وقالت “للأسف ليس هناك وعي كاف لدى الأزواج قبل الزواج بالمسؤوليات المهام المتعلقة بالحياة والزوجية والإنجاب.
لذلك نلحظ في حالات محددة التنصل من مسؤولية رعاية الأبناء في حالات الطلاق”، مطالبة بـ”عقد جلسات توعية أسرية ووالدية للأزواج قبل الزواج، لضمان أن يكون الأزواج على معرفة ووعي بالمسؤوليات المترتبة على الزواج”.
أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة، الدكتور محمد مقدادي، من ناحيته أوضح أن “قضايا الإهمال بحق الأطفال من الممكن الوقاية منها، كونها غالبًا ما تتعقلق بوضع الأسرة الاقتصادي أو الاجتماعي”، مضيفًا أن توفير معلومات كافية حل مشاكل الأسر، التي قد تكون اقتصادية أو تتعلق بإرشاد الأسر أو الإرشاد الزواجي، وكيفية التعامل مع الأبناء، قد يكون حلًا استباقيًا ووقاية من المشكلة”.
وتابع “لكن على أرض الواقع، فإنه وللأسف، الخدمات الإرشادية مع الأسر ليست بالمستوى المطلوب، ناهيك عن أن برامج الدعم الاقتصادي غير مجدية بالشكل الكافي للأسر”، مشددًا على وضع الآليات الوقائية في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي.
ويتفق مقدادي مع أبو حلاوة، على تفعيل البنود القانونية المتعلقة بالملاحقة القانونية لقضايا الإهمال والتقصير مع الأبناء، معتبرًا “أنه ليس هناك تفعيل كاف لنص المادة 289 من قانون العقوبات، والتي تتعلق بتعريض حياة الأطفال للخطر”.
وقال مقدادي إن عدد الأحكام القضائية بهذا الشأن “قليل جدًا، بالمقارنة مع حوادث الإهمال الواقعة على الأطفال”، مبينًا انه”غالبًا ما يتعلق تنفيذ هذه الأحكام بحالات التخلي عن حديثي الولادة.
لكن في حالات وفاة الأطفال نتيجة تركهم في المركبات خلال ساعات الحر أو تركهم في المنزل دون مرافقة، فلا أذكر صدور أي أحكام في هذه الحالات، ولربما الدافع هو حالة التعاطف مع الأهالي”.(الغد)